الاثنين، 24 فبراير 2014

الكشف الرباني عن المورد الرحماني أحمد الشهير بالطاهر الحامدي





الكشف الرباني عن المورد الرحماني

للعلامة الشيخ
أحمد الشهير بالطاهر الحامدي

على أرجوزة وارث معارف العارف الحفناوي
 الأستاذ الشيخ أحمد بن شرقاوي

الموسومة بالمورد الرحماني والمشرب الأحلى إلى الظمآن في علمي التوحيد والتصوف،
نفعنا الله بهما وبعلومهما في الدارين آمين آمين.






المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد ذاتا وصفة وفعلا، الباعث الرسل بالأحكام كرما وفضلا، الفاعل المختار الذي لا رب غيره ولا معبود سواه، أحمده على المورد الأعلى والمشرب الأحلى، وأشكره على ما منح وأولى، وأسأله مواهب قربه ورضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة مُعرَبةً مُعرِبةً عن توحيده، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل خلقه وأكرم عبيده، الداعي بقلبه وقالبه وهديه وهداه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبع طريقه صلاة وسلاما دائمين متلازمين ما طلعت من سماء الشريعة شمس الحقيقة وما صدق الله صادق ووافاه.
(أما بعد): فيقول فقير مولاه أحمد الطاهر، أصلح الله منه الباطن والظاهر، هذا شرح جليل المعاني، جميل المباني، كاف لطالبه، واف بمطالبه، على أرجوزة وارث معارف العارف الحفناوي، أستاذي وقدوتي سيدي أحمد بن شرقاوي، حرس الله أنفاسه، وأشرق في القلوب نبراسه، الموسومة بالمورد الرحماني والمشرب الأحلى إلى الظمآن، كشفت به لمثلي غطاها، وأدنيت به جناها، اختطفته بيد المعونة من شواغل الأيام، واقتطفته من ثمار كتب المحققين الأعلام، منتقيا من العبارات أطيبها، وأصرحها قصدا وأقربها، عازيا غريب النقل، آتيا بعد الفرض بالنفل، مشيرا بالحاشية إلى حاشية المحقق الأمير على شرح عبد السلام، لجوهرة والده أحلهم الله دار السلام، وإني وإن كنت دون ما هنالك، لكنني مأمور بذلك، فقد أمرني به الأستاذ أمر إيجاب وإلزام، فلم يسعني إلا الإجابة والإقدام، فبادرت ممتثلا متمثلا بهذا المثل، مكره أخاك لا بطل، قاصدا رضى الأستاذ بخدمة كلامه، وإن قصر فهمي عن بلوغ عين مرامه، فهاك شرحا يغنيك عن أسفار، لطيف الصحبة في الإقامة والأسفار، وحسبه أنه قوبل من الأستاذ بالقبول دون صد ورد، وأنه أول من لهذا المورد قد ورد.
فهو بسبق حائز تفضيلا *** مستوجبا ثنائي الجميلا.
لله شرح حلا بالصفو مورده

***
في ورده الري والأسرار في صدره

أفنانه بفنون الفن يانعة

***
فاجن المقاصد يا ذا القصد من ثمره

والشهد ما نقصت بالنحل قيمته

***
وهون من غاص لا يسري إلى درره

وانظر إليه ولا تنظر إلي فمن

***
درى يرى القال لا من قال في نظره

يغنيك عن كتب شتى فدونكه

***
قد أحرز السبق والتاريخ في سفره

وقد سميته: (الكشف الرباني عن المورد الرحماني)، أساله سبحانه وتعالى أن يتفضل عليه بالقبول، وأن يعمم نفعه إنه خير مأمول ومسئول، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وموجبا للفوز بمشاهدته في دار النعيم، وهذا أوان الشروع في المقصود، فأقول بعون المعبود، قال الأستاذ حفظ الله بدر حياته، وأفاض علينا وعلى المحبين من بركاته:
الكلام على جملة البسملة
(بسم الله الرحمن الرحيم)
افتتح رضي الله عنه كتابه بالبسملة تبركا بها، واقتداء بالكتاب العزيز وبالنبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته والتابعين وتابعيهم وسائر العلماء العاملين، وعملا بالأحاديث الواردة في طلب الابتداء بها كقوله - صلى الله عليه وسلم - : (إذا كتبتم كتابا فاكتبوا في أوله بسم الله الرحمن الرحيم وإذا كتبتموها فاقرءوها). وقوله - عليه الصلاة والسلام - : (أول ما كتبه القلم بسم الله الرحمن الرحيم فإذا كتبتم كتابا فاكتبوها أوله وهي مفتاح كل كتاب أنزل ولما نزل علي جبريل بها أعادها ثلاثا وقال هي لك ولأمتك فمرهم لا يدعوها في شيء من أمورهم فإني لم أدعها طرفة عين منذ نزلت على أبيك آدم - عليه السلام - وكذلك الملائكة). إلى غير ذلك من الأحاديث، ولا منافاة بين قولهم ابتداء المصنف كتابه بالبسملة اقتداء بالكتاب، وبين قول مالك إنها ليست آية من القرآن خلا التي في النمل، لأن ابتداء الكتاب بها لا يستلزم كونها منه كما هو ظاهر. إن قلت: قالوا: لا يبدأ الشعر بها، قلت: ذاك في المحرم والمكروه منه لا في ما يتعلق بالعلوم كهذه الأرجوزة فإن موضوعها علم التوحيد الذي هو أشرف العلوم وعلم التصوف الذي هو حياة النفوس وثمرة جميع علوم الشريعة، وإنما لم يأت بها نظما لأنه خلاف الأولى، ولأنه يعسر الإتيان بها على هيئتها.
ثم إن الباء يصح أن تكون أصلية: - وهو الأولى - إذ الأصل عدم الزيادة، وعليه فهي متعلقة بمحذوف، والأحسن كونه فعلا لأصالته في العمل، خاصا لأن كل شارع في شيء يضمر المتعلق من جنس ما هو شارع فيه، مؤخرا لإفادة الحصر، وهذا في بسملة العباد فإن كانت إخبارا من الله فليس المعنى على ذلك، بل المعنى بسم الله كان كل شيء ومنه تكون الأشياء، وهذا يستلزم اتصافه تعالى بجميع الصفات فتكون الباء مشيرة لجميع العقائد، والجمهور على أن مقدرات القرآن كمتعلق البسملة ليست منه وإن كان المعنى لا يتم إلا بتقديرها، لأنه اللفظ المنزل على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - للإعجاز به المتعبد بتلاوته المتحدى بأقصر سورة منه، والمقدرات ليست كذلك، واحتياج القرآن لها من حيث تمام المعنى بها لا يكون نقصا بل في إنزال القرآن مع هذه المقدرات كمال الكمال، لأن حذفها إنما هو لاقتضاء المقام حذفها وهذا هو عين البلاغة، وهي كمال لا نقص والنقص اللغوي غير مضر، فالمقدرات مرادة لله لا مقولة له، وأن تكون زائدة: فالتقدير اسم الله مبدوء به بداءة قوية، وأخذت القوة من الباء الزائدة فإن الزائد يدل على التأكيد، وإلا كان عبثا لا يقع من العرب، ومعنى قوة البداءة كونها بحسن نية وخلوص وحضور قلب، وقولهم: الزائد لا معنى له، أي من المعاني المشهورة كالابتداء والانتهاء.
مبحث الاسم
والاسم لغة: ما دل على مسمى. وعرفا: كلمة دلت على معنى في نفسها ولم تقترن بزمان وضعا. وهمزته همزة وصل، وأصله: سمو كحمل وقفل من السمو وهو العلو، بدليل تصغير وتكسيره فيقال سمي وأسماء، فحذفت منه الواو وهي لام الكلمة وعوض عنها الهمزة فصار وزنه أفع، وهذا هو القياس في التعويض لأنهم لو عوضوا مكان المحذوف لكان المحذوف أولى بالبقاء، وقيل: من الوسم وهي العلامة فأصله: وسم حذفت الواو وهي فاء الكلمة وعوض عنها الهمزة فصار وزنه أعل. قالوا: وهذا ضعيف لأنه لو كان كذلك لقيل في التصغير وسيم وفي الجمع أوسام، ودعوى القلب في ذلك خلاف الأصل، وحذفت منه همزة الوصل خطا ولفظا لكثرة الاستعمال، ولم تحذف في (اقرأ باسم ربك) خطا لقلته، واختلف فيه فقيل هو عين المسمى وعليه أكثر الأشاعرة مستدلين بقوله - تعالى - : (سبح اسم ربك الأعلى) (ما تعبدون من دونه إلا أسماء) وظاهر أن التسبيح والعبادة للذات، وقيل هو غيره واستدل القائل بذلك بقوله تعالى (له الأسماء الحسنى) إذ لابد من المغايرة بين الشيء وما هو له، وبتعدد الأسماء مع اتحاد المسمى، ولو كان عينه لاحترق فم من قال نار، إلى غير ذلك من المفاسد، والتحقيق: أن هذا الخلاف لفظي، لأنه إن أريد من الاسم اللفظ فهو غير مسماه قطعا، وإن أريد به ما يفهم منه فهو عينه قطعا، واعلم أن الأسماء حادثة، إذ هي ألفاظ خلقها الله تعالى، وكذلك التسمية، إذ هي جعل اللفظ دليلا على المعنى، فأسماؤه - تعالى - بمعنى الألفاظ حادثة قطعا، وأما قولهم: أسماء الله قديمة، فمرادهم أن من كلام الله القديم ما هو أسماء له كما أن منه أمرا ونهيا، فهذه هي المحكوم عليها بالقدم، وكذلك مرادهم بالتسمية القديمة دلالة الكلام القديم أزلا على معاني الأسماء - فافهم -.
والإضافة: إما للبيان أي باسم هو الله، بناء على أن المراد به اللفظ، أو على معنى اللام، بناء على أن المراد به معناه، وحينئذ يصح أن تكون استغراقية، أي بكل اسم لله، ولا يتوقف صدق هذا على النطق بكل اسم بعينه بل يكفي توجه القصد إلى العموم، وأن تكون جنسية ثم يحتمل الجنس من حيث هو نحو الرجل خير من المرأة ويحتمل في ضمن بعض غير معين، وأن تكون عهدية والمعهود إما لفظ الجلالة أو غيره بحسب ما يقصد المتكلم.
مبحث الاسم الشريف
والله: علم بالوضع للذات - تعالى - وقولهم: الواجب الوجود، تعيين للموضوع له لا جزء منه، وإلا كان لفظ الجلالة كليا، فلا تكون لا إله إلا الله مفيدة للتوحيد وقد أجمعوا على إفادتها له، فهو موضوع للذات لا باعتبار صفة، لكن لما كانت الصفات ليست غير الذات - أي ليست منفكة عنها - ولم يقيد وضعه باعتبار صفة بخصوصها، وقع في كلام بعضهم أنه جامع للذات والصفات، هذا هو المختار، خلافا لمن قال: إنه وصف غلب على الذات الأقدس ولمن قال: إنه علم بالغلبة التقديرية لأنه لم يستعمل بالفعل في غيره تعالى حتى تكون تحقيقية، أما الإله معرفا فغلبته تحقيقية وأما إله منكرا فلا غلبة فيه أصلا. واختلف في أصل لفظ الجلالة الذي تركب منه فقيل: لاه بالتنوين مصدر لاه يليه ليها ولاها إذا ارتفع لأنه تعالى مرتفع عما لا يليق به، ثم أدخل عليه الألف واللام وأدغم وفخم فصار: الله وقيل: أصله لوه مصدر يلوه إذا احتجب لاحتجابه تعالى، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ثم أدخل عليه أل وأدغم وفخم، وعلى هذا فهو غير مشتق، وهو مذهب الكوفيين، وقيل أصله إله بالتنوين أدخلت عليه أل فصار الإله ثم حذفت الهمزة وأدغم وفخم، من أله يأله إذا عبد أو فزع، لأنه يُفزع من خوفه ويُفزع له في المهمات، أو ولع لولوع العارفين به حبا وذكرا، أو أقام لأنه قائم بنفسه وقيوم السماوات والأرضين، أو احتاج لاحتياج ما سواه إليه، أو من أله إذا تحير لتحير الألباب في عظمته، أو من ألهت إلى فلان سكنت إليه، لأن القلوب تطمئن بذكره والأرواح تسكن إلى معرفته، وقيل: أصله ولاه من وله إذا فزع أو تحير أو طرب لطرب المحبين به، أبدلت واوه همزة كإعاء وإشاح في ووعاء ووشاح ثم أخلت عليه أل ثم حذفت الهمزة وأدغم وفخم، وعلى هذا فيكون مشتقا لأنه وصف وهذا مذهب البصريين، فعلم من ذلك أن المختلف فيه بالاشتقاق وعدمه إنما هو أصل الجلالة لا لفظها خلافا، لما جرى على الألسنة. والصحيح أنه عربي وقيل: إنه سرياني، وقيل: عبراني، قال السعد: كما تحيرت العقول في جلال ذاته تحيرت الأفكار واختلفت الأنظار وتشعبت الأقوال في اسمه تعالى. وهو خاص به تعالى لا يطلق على غيره قال – تعالى- : (هل تعلم له سميا) أي هل تعلم أحدا تسمى الله غير الله، وهذا من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - حيث أخبر انه لا سمي له تعالى فقبض الله القلوب عن التجاسر عن إطلاق هذا الاسم على غير الله - تعالى - مع شدة حرصهم على تكذيبه في أخباره، ويقال: إن بعض الجبارين عزم أن يسمي ولده الله فابتلعته الأرض وقيل: نزلت عليه نار فأحرقته. وهو اسم الله الأعظم عند المعظم، وتخلف الإجابة به لتخلف بعض الشروط، قال سيدي عبدالقادر الجيلاني - قدس سره - : الله اسم الله الأعظم وإنما يستجاب لك إذا قلت يا الله وليس في قلبك سواه. ويسمى سلطان الأسماء، لأن كل اسم إن حذفت منه حرفا اختل معناه إلا هو، فإن حذفت منه الألف صار (لله ملك السماوات وإن حذفت منه الألف واللام صار له ملك السماوات والأرض وإن حذفت منه اللامين صار هو الأول والآخر قال الشرقاوي في شرح ورد السحر واعلم أن لهذا الاسم الهيمنة على سائر الأسماء إذ هو الجامع لها فيطلق على أي اسم كان بقرينة المقام ألا ترى أن المريض إذا قال يا الله كان مراده يا شافي والتائب إذا قال يا الله كان مراده يا تواب أهـ. ونقل الأستاذ أبوالقاسم القشيري أن جميع أسماءه تعالى صالحة للتعلق بها والتخلق إلا لفظ الجلالة فإنه لا يصلح إلا للتعلق ومعنى التعلق الاعتماد والتوكل عليه والافتقار إليه ومعنى التخلق الاتصاف فإن نحو الرحمن والحليم يمكن أن يتصف بهما بعض المخلوقين.
مبحث الرحمن الرحيم
والرحمن الرحيم: صفتان من الرحمة، أما الثاني فباتفاق، وأما الأول فعلى مختار الزمخشري وابن الحاجب، فهما حينئذ نعتان لاسم الجلالة، واختار الأعلم وابن مالك: أنه علم بالغلبة له تعالى، واختاره ابن هشام في مغنيه، لمجيئه غير تابع لموصوف كثيرا نحو (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) (الرحمن علم القرآن)، والأصل عدم حذف الموصوف فعلى هذا هو بدل من لفظ الجلالة، وكون المبدل منه ليس مقصودا أغلبي، أو عطف بيان جيء به للمدح لا للإيضاح لعدم الخاء فهو نظير البيت الحرام في قوله - تعالى - : (جعل الله الكعبة البيت الحرام) فالرحيم حينئذ نعت له لا للجلالة، لئلا يلزم تقديم البدل أو البيان على النعت، وهل هما مترادفان معناهما ذو الرحمة ذكر أحدهما بعد الآخر تأكيدا ؟ ويدل له قوله - صلى الله عليه وسلم - : (يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما) أو متكافآن لاختصاص كل منهما بمزية تعادل مزية الآخر قال الجيلي - قدس سره - : الرحمن أعم والرحيم أخص وأتم، فعموم الرحمن لعموم رحمته في سائر الموجودات، وخصوص الرحيم لاختصاص أهل السعادات به، فرحمة الرحمن قد تمزج بالنقمة، مثلا كشرب الدواء الكريه الطعم فإنه وإن كان رحمة بالمريض من حيث ملائمته للطبع لكن النفس تكرهه، ورحمة الرحيم لا يمازجها شوب فهي محض النعمة، ولا توجد إلا عند أهل السعادات الكاملة، فالرحيم في الرحمن أي أنه بالنسبة إليه كالعين في هيكل الإنسان، أحده الأعز الأخص الرفيع، والآخر الشامل للجميع، ولهذا قيل: إن الرحيم لا تظهر رحمته بكمالها إلا في الآخرة لأن كل نعيم في الدنيا لا بد أن يشوبه كدر، فهو من التجلي الرحماني أهـ. والمشهور أن الرحمن أبلغ، لأنه المنعم بجلائل النعم والرحيم المنعم بدقائقها، فإن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى كما في قطَع وقطَّع مخففا ومشددا، ولا ينتقض بحذر وحاذر، لأن هذا أغلبي، أو مشروط باتحاد نوع الاسمية، وحذر صفة مشبهة وحاذر اسم فاعل، وهما مبنيان للمبالغة من رحم بالكسر، ولا يقال: الصفة المشبهة إنما تصاغ من اللازم ورحم متعد، لأنا نقول: الفعل المتعدي إذا أريد به المدح أو الذم يجعل لازما بمنزلة فعل الغريزة، فينتقل إلى باب فعل بضم العين ثم تشتق منه الصفة، أو ينزل منزلة اللازم، والفرق بين المنزل منزلة اللازم وما جعل لازما أن الأول متعد للمفعول لكن يقطع النظر عن مفعوله فلا يذكر ولا يقدر وأما الثاني فهو غير متعد أصلا، والرحمة المفهومة منهما معناها لغة: رقة في القلب تقتضي التفضل والإحسان. وهي بهذا المعنى مستحيلة في حقه تعالى، فتعتبر في حقه تعالى باعتبار مسببها القريب وهو إرادة الإحسان، أو البعيد وهو الإحسان، فهي على الأول صفة ذات، وعلى الثاني صفة فعل، وصفة الفعل حادثة بمعنى أنها متجددة بعد عدم، فتكون أمرا اعتباريا، والمولى سبحانه وتعالى يتصف به لا بمعنى أنها موجودة بعد عدم لاستحالة اتصاف المولى به، ففهيما على الاعتبار الأول الإشارة إلى صفة الذات، وعلى الاعتبار الثاني الإشارة إلى صفة الفعل، وحينئذ فهما على الاعتبار الأول بمعنى مريد الإنعام، وعلى الثاني بمعنى المنعم، فيكون مجازا مرسلا تبيعا من اطلاق السبب وإرادة المسبب، ويصح أن يكون التجوز من قبيل الاستعارة التمثيلية، وتقريرها أن يقال: شبه حال الله مع عبيده في إحسانه إليهم ورأفته بهم بحال ملك عطف على رعيته فعمهم بمعروفه وإحسانه، لكن لا يخفى ما في ذلك من إساءة الأدب، وهذا كله بحسب اللغة، أما بحسب الشرع فالأقرب كما أفاده السيد الصفوي أنه حقيقة شرعية، وإنما قدمنا الله على الرحمن الرحيم لأنه اسم ذات بخلافها، والذات مقدمة على الصفات تعقلا، وإنما قدم الرحمن على الرحيم لاختصاصه بالباري، إذ هو المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها، وذلك لا يصدق على غيره تعالى، والمختص به تعالى إنما هو المعرف، فلا يرد لا زلت رحمانا، ولما قيل: إنه علم، ولأنه لما دل على جلائل النعم وأصولها ذكر الرحيم بعده ليتناول ما خرج منها فيكون كالتتمة له، وفي ذكره بعد الرحمن اشارة إلى أنه ينبغي طلب الأشياء الحقيرة منه تعالى كالعظيمة، فقد أوحى الله إلى موسى - عليه السلام – (يا موسى لا تخش مني بخلا أن تسألني عظيما ولا تستح أن تسألني صغيرا أطلب مني الدقة والعلف لشاتك يا موسى أما علمت أني خلقت الخردلة فما فوقها وإني لم أخلق شيئا إلا وقد علمت أن الخلق يحتاجون إليه فمن يسألني مسألة وهو يعلم أني قادر أعطي وأمنع أعطيته مع المغفرة) أهـ. وإنما اختصت البسملة بهذه الاسماء ليعلم العارف أن المستحق لأن يستعان أو يتبرك به إنما هو المعبود الحقيقي مولى النعم كلها عاجلها وآجلها جليلها وحقيرها.
فائدتان يتعلقان بالرحمة
فائدتان: الأولى: ورد في الحديث (أن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة كل رحمة ما بين طباق السماء والأرض فجعل في الأرض منها واحدة فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحوش والطيور بعضها على بعض وأخر تسعا وتسعين فإذا كان يوم القيامة كملها بهذه الرحمة) رواه أحمد، وروى البخاري في كتاب التوحيد من صحيحه عن أبي هريرة فيما يرويه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه - عز وجل – (إن رحمتي سبقت غضبي) وفي رواية (تغلب غضبي) والمراد بيان سعة الرحمة وشمولها للخلق حتى كأنها السابق والغالب.
الثانية: قال كعب الأحبار: مكتوب في الانجيل (يا ابن آدم كما ترحم كذلك ترحم فكيف ترجو أن يرحمك الله وأنت لا ترحم عباد الله)، ورؤي الغزالي بعد موته فقيل له: ما فعل الله بك قال: أوقفني بين يديه وقال: بم جئتني فذكرت أنواعا من الطاعات فقال: ما قبلت منها شيئا لكنك جلست تكتب فسقط ذبابة على القلم فتركتها تشرب من الحبر رحمة لها فلما رحمتها رحمتك اذهب فقد غفرت لك.
تتمة في توجيه خبريتها وإنشائيتها
جملة البسملة إنشائية المتعلِق بالكسر إن جعلت الباء للاستعانة أو المصاحبة وأريد الاستعانة أو المصاحبة اللفظية ولم يجعل الاسم مقحما ولا بمعنى المسمى، لأن الاستعانة باسمه تعالى أو المصاحبة له إنما تحصل بالنطق به، خبرية المتعلَق بالفتح لأن التأليف مثلا لا يتوقف على النطق به، وإنما وصفنا المتعلق بالكسر بالإنشائية وإن لم يكن جملة لأنه بواسطة معنى الباء في معنى جملة قائلة أستعين بالله أو أصاحب تأليفي مثلا له، وهذا إذا نظر لكل من المتعلِق بالكسر والمتعلَق بالفتح على حدته أما إذا نظر للمجموع فإنه يوصف بالإنشاء والإخبار باعتبارين مختلفين، فبالنظر للمتعلَق بالفتح لأنه الأصل تأتي الخبرية، وبالنظر للقيد لأنه محط القصد تأتي الإنشائية، وهذا مراد من قال إن جملة البسملة خبر تتضمن إنشاء، أما إن جعلت الباء للتعدية فإن جعلت متعلقة بفضلة نحو مبتدئا ومفتتحا ومتلبسا فالجملة كذلك إنشائية المتعلِق بالكسر خبرية المتعلَق بالفتح، وإن جعلت متعلقة بعمدة نحو أبدأ أو ابتدائي أو افتتح أو افتتاحي أو أتلبس أو تلبسي فالجملة كلها إنشائية أي لإنشاء جعل اسم الله تعالى بداية في نحو أبدأ وابتدائي وأنشأ الافتتاح والتلبس في البقية، وأما لو حملت الاستعانة أو المصاحبة على النفسية بحيث يتوجه له ويربط عزمه به وينوي اليمن منه فهذا لا يتوقف على لفظ أصلا، فيكون المتعلِق بالكسر خبريا أيضا بل هذا هو الأنسب لأن التعويل على الباطن، وأما إن جعل الاسم مقحما أو المراد به المسمى وكأنه قيل بالله لأن الحكم بحسب الظاهر وإن ورد على اللفظ لكن المراد مدلوله وهو الذات العلية لأن كل حكم ورد على اسم فهو وارد على مدلوله إلا لقرينة ككتب زيد أو ضرب فعل ماض، فيصح أن يتمحض الكلام برمته للخبر لأن المعنى حينئذ أؤلف مستعينا بالذات العلية أو مصاحبا لها مصاحبة تبرك، ولا شك أن الاستعانة بها والمصاحبة المذكورة لا يتوقفان على التلفظ بهذا اللفظ، ويصح أن يتمحض للإنشاء والكلام على البسملة قد أفرد بالتأليف ولعل في هذا القدر كفاية.
ترجمة شمس الدين الحفناوي رضي الله عنه
(يقول) أصله يقول كينصر نقلت الضمة إلى القاف للثقل، إن قلت هي تخف على واو قبلها سكون كدلو، قلت ذاك في الاسم لخفته، بخلاف الفعل، فإنه ثقيل لتركب مدلوله وفيه أن هذا ينتج ثقل المعنى لا اللفظ إلا أن يدعى الاكتساب فالأولى لما فيه من الزوائد غالبا على أن الضمة في دلو تحذف وقفا لتخلفها الفتحة نصبا والكسرة جرا فهي مفارقة والمفارق المنتقل خفيف، والقول هو اللفظ الدال على معنى وضع له ذالك اللفظ ولو في ثاني حال، فيشمل المجاز كأسد للرجل الشجاع (وداعي) فاعل الفعل قبله، و(المنهج) مضاف إليه و(الحفناوي) صفته الداعي للشيء هو الدال عليه والمرشد إليه، والمنهج الطريق الواضح، والحفناوي أي المنسوب للقطب الشهير أستاذ الأساتذة، ومولى الجهابذة، من انتهت إليه الرياسة في العلم والعمل، وافتخرت به الأواخر على الأول، شمس الدين سيدي محمد بن سالم الحفناوي نسبة إلى بلدة حفني قرية من أعمال بلبيس، وبها نشأ وقرأ القرآن إلى سورة الشعراء، وكان أبوه متوطنا بمصر وكانت أخته متزوجة بها أيضا فكان يتردد عليهما لزيارتهما، ثم حجزه أبوه بالقاهرة فاشتغل بحفظ القرآن على النحو المرضي، ثم بطلب العلم من الفقه وغيره من المعقول والمنقول، حتى برع وتصدر للإفتاء والتدريس والتأليف، وأجازه بذلك أشياخه الأعلام وأذعن له معاصروه وشهدوا له بالتقديم ولازمه جل طلبة الجامع الفحول من بهم يسمو المعقول والمنقول، فمنهم الإمام النبيل النبيه أخوه لأمه وأبيه العلامة الشيخ يوسف الحفناوي، ومنهم الإمام الجليل صاحب التآليف الكثيرة والتدقيقات الشهيرة شيخ الأشياخ الشيخ علي الصعيدي العدوي، ومنهم العلامة الشيخ إسماعيل الغنيمي، ومنهم ولد روحه الشهير البدر المنير سيد خلفائه وحيد جلسائه أبوالبركات سيدي أحمد الدردير، وغيرهم من الأئمة الأعيان، وسئل بعض تلامذته العلامة العدوي عن مسألة وهو في درسه فأجاب ثم قال له: يا هذا أعذرني ولا تؤاخذني فإن من حضر الأستاذ الحفناوي لا يلذ له سماع أحد بعده ولو ضربنا أكباد الإبل للعلم ما حصلنا قطرة من بحره. وضبط من يحضره من العلماء والفحول فجاوزوا الثلاثمائة وهو حقيق بمعنى قول القائل:
إذا ذكرت بحار العلم يوما

***
فهذا بحره لا شك يجري

هو البحر المحيط وما عداه

***
فأنهار صغار منه تجري

ونقل عن بعض العارفين أنه قال: إن الشيخ الحفناوي لم يضبطوا عليه مكروها من حين بلوغه إلى وقتنا هذا، وذكره بعض علماء عصره بسوء في مجلس نقله إليه بعض من كان حاضرا فقال له: كذبت فيما نقلت وساحة من نقلت عنه مبرأة من ذلك وعلى فرض أنه تكلم بما ذكرت فهو لي بمنزلة الشيخ وللشيخ أن يربي تلميذه بما يراه يا قبيح مثلك يعرف مقام الشيخ حتى ينقل مجالسه وأخذ يوبخه فرجع الرجل وتاب فبلغ كلامه ذلك العالم فأذعن لفضله وأدبه، وقيل له لِمَ لَمْ تشتر بيتا ونحوه ينتفع به أهلك؟ فقال مادمت حيا لا أدخر شيئا لا لي ولا لأهلي فإذا مت فأهلي لهم الله، ووهبه بعض الناس فدادين يحرثها فتصدق بها جميعها، وكان وهو في حالة الفاقه حين كان يكتب بالكراس مرتبا لجماعة من المجاورين والفقراء دراهم يعطيها لهم كل جمعة، ومتى سأله إنسان شيئا من الدنيا وهبه له، وسأله إنسان كسوته التي عليه فخلعها حالا وأعطاها له، وكان له بيوت يصرف عليها دائما وأناس لهم عليه نفقه لا تنقطع، وكان يقول: إن الدنيا إلا جيفة وحسب المؤمن فيها الخرق، وكان يقول: من لم تعزه التقوى فلا عز له، وكان يقول: فعل المكروه من عامة أهل الطريق كالمحرم من غيرهم وفعله من خاصتهم كالكفر من غيرهم، وكان يقول نحن نخاف على مروئتنا كما نخاف على ديننا، ومن كلامه في مقام التحدث بالنعمة:
طاب الحديث وطاب الوقت والسمر

***
وأدرك الغرس حتى عمنا الثمر

ونلت كل المنى رغم العذول على

***
ما أشتهيه فهذا الروض والزهر

وله من بح الهزج
رعاك الله يا قلبي

***
إذا ما ملت للقلبي

ولا بلغت يا واشي

***
لما في طيه سلبي

فمهلا يا خلي مهلا

***
فديني في الهوى حبي

ومن مواليه
يا مبتغي طرق أهل الله والتسليك

***
دع عنك أهل الهوى تسلم من التشكيك

إن اذكروني لرد المعترض يكفيك

***
فاجعل سلاف الجلالة دائما في فيك

ومنها
بالله يا قلب دع عنك الهوى واسلم

***
من كل ميل ووافي عهدهم أسلم

والزم حما سادة من أمهم يسلم

***
واسلك سبيل التقى يوم االلقى تسلم

ومن كراماته أنه يشفع في أهل عصره كما أخبر بذلك أستاذه السيد مصطفى البكري، ومناقبه وكراماته - رضي الله عنه - كثيرة وإن أردت المزيد فعليك بمناقبه الكبرى للشيخ حسن شمة فإن فيها فوائد جمة، جعلنا الله من خير أتباعه الفائزين بحبه واتباعه آمين يا رب، وكان تحصيله للعلم في مدة يسيرة إذ محصلها خمس سنوات، فإن مقدمه إلى مصر وتوطنه بها كان عام أربعة عشر وهي مقدار سنه إذ ذاك، واشتغاله بالعلم عام سبعة عشر وتصديه للتدريس ونحوه كان عام اثنين وعشرين، كما هو مذكور في مناقبه وابن العناية ملحوظ، ولد - رضي الله عنه - على رأس المائة بعد الألف أو عام واحد بعد المائة تقريبا حسبما سمع منه، وتوفي سنة إحدى وثمانين ومائة لثلاث بقين من ربيع الأول ودفن بالقاهرة وقبره بها ظاهر يتبرك به الأصاغر والأكابر، رضي الله عنه ونفعنا به في الدارين.
وفي قول أستاذنا داعي إلى آخره تحدث بنعمة الله عليه، فإن من أجل النعم على الشخص هداية الناس على يديه لأن الهدى شعبة من شعب الرسالة وله حظ من ثواب الرسل، قال تعالى: (ومن أحسن قولا ممن دعى إلى الله وعمل صالحا) وفي الجامع الصغير (لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)، وروى مسلم وأبوداود والترمذي مرفوعا: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله أو قال عامله)، وروى البزار والطبراني مرفوعا: (من دعا إلى الهدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا)، وخرج داود - عليه السلام - يوما إلى بعض الصحاري منفردا فأوحى الله - تعالى - إليه (ما لي أراك يا داود وحدانيا) فقال: يا إلهي استأثر الشوق إلى لقائك على قلبي فحال يني وبين صحبة الخلق فأوحى الله - تعالى - إليه (ارجع إليهم فإنك إن أتيتني بعبد آبق أثبتك في اللوح جهبذا يا داود إذا رأيت لي طالبا فكن له خادما يا داود من رد لي هاربا كتبته جهبذا ومن كتبته جهبذا لم أعذبه أبدا)، على أنه إخبار بالواقع، وهذه الدعاية قد ألزمه بها وقلده إياها على كره منه أستاذه العارف الغارف سيدي أحمد بن محمد بن أحمد الخضيري الطحائي سنة ثلاث وثمانين بعد المائتين والألف، وكان اجتماعه به سنة إحدى وثمانين وهو على غاية من التهذيب فلقنه الأسماء فسما ورقى من الكمال إلى أرفع سما فهو مأمور بها، والطريق الحفناوي هو طريق السادة الخلوتية - رضي الله عنهم - وفيها وفي الأستاذ أقول من قصيدة حائية:
تجلوا البراقع عن فؤاد مريدها

*
وتمده التجريد بالترشيح

ولحضرة الإطلاق تدخل نجلها

*
وتفيده الإفهام بالتلميح

وتكفه حيث استمال مع الهوى

*
كف اللجام لكل ذات جموح

لا غرو في هذا فتلك محجة

*
بيضاء ذات مواهب وفتوح

مخفوضة الأفنان دانية الجنى

*
مرفوعة التهذيب والتنقيح

قدسية الأنوار ذات شمائل

*
غراء لا تحتاج للتوضيح

مجموعة الأسرار ذات مطالع

*
وطوالع تغني عن التصريح

زانت مقاصدها شموس هداية

*
وعلى مواقفها شذا الترويح

وبما روته من الرحيق مسلسلا

*
ظهرت فصائلها لكل صحيح

ودلائل الخيرات واضحة بها

*
ومن الصحاح شواهد الصحيح

لم يحكها القاموس في إمداده

*
كلا ولا المصباح في توضيح

قد أعربت أرشادها لكنها

*
بنيت قواعدها على التلميح

لا عيب فيها غير أن رجالها

*
لهجوت بالتقديس والتسبيح

بيض الوجوه كريمة أخلاقهم

*
سمر الرماح كفاء كل كفوح

شم الأنوف عزيزة أنسابهم

*
خصب الكفوف شفاء كل جريح

قوم لهم في السلم أي كريمة

*
وكذا لهم في البأس أي جروح

أعلام رشد بل نجوم هداية

*
وشموس فضل بل كئوس فتوح

لم تلق فيهم غير باه باهر

*
بر رءوف للأنام نصوح

ورثوا المعالي سيدا عن سيد

*
وسموا قديما في الوجود الروحي

فهمو الكرام بنو الكرام وحبذا
ج
*
نسب بمنتسبي له ترجيحي

فاقصد طريقهم وكن في نيلها

*
سمحا ببذل الروح غير شحيح

أكرم بها ما كان أرخصها إذا

*
شريت نفائس درها بالروح

ورخيصة فيها النفوس وكيف لا
ج
*
وهي التي تدني من السبوح

فإذا أردت سلوكها فادخل لها

*
من بابها المرفوع والممسوح

قطر الندا بل الصدا كشف الردى

*
علم الهدى سيف العدا الممسوح

قطب الزمان وواحد العصر الذي

*
ناداه ثغر المدح أنت مديحي

لم لا وقد شرف المديح بذكره

*
فاعجب لمد جل ممن ممدوح

عرف الحقائق والرقائق يافعا

*
ورقا لقدر في العلاء رجيح

وصبا إلى شأن الصبابة في الصبا

*
وشرى حديث السن كل ربيح

وصفا له كأس الصفا طفلا فما

*
سنح الخناء له أقل سنوح

وغدا على حد الشريعة واقفا

*
فبدا بوجه في الرشاد صبيح

حظيت بطلعته الطريق وطالما

*
نادته أنت على الحقيقة روحي

خطبته من قبل البلوغ وأعلنت

*
هرا أبحتك ما أردت صبوحي

فأبان عن أسرارها متكلما


بلسان صدق في الخطاب فصيح

ودعته تخطبه المعالي فانثنى

*
عنها وقال إلى سواك جنوح

لله همته فليس لغيره

*
إلا الخطور بخاطر مطروح

لم يبتغ الدنيا ولا الأخرى ولم

*
يجنح لغير الله بعض جنوح

ألف العبادة فهو فيها سابح

*
وسبوحه فيها أجل سبوح

كم أكسب الآناء والأرجاء من

*
أنفاسه الفيحا شذا تسبيح

وكم استنار بها الظلام وأشرقت

*
بسنا محياها وجوه سبوح

رقت شمائله العلا فبذكرها

*
روح فؤادك أيما ترويح

عف تقي زاهد متورع

*
مغض عن الزلات خير صفوح

ما فيه عيب غير أن فؤاده

*
بيت لسكنى الغير غير فسيح

فليختلق عيبا إليه حسوده

*
أو فليمت فالموت خير مريح

هذا أبي من ذا يجئ بمثله

*
فأجبته بمناقض مشروح

هل من مسام لي فيأتيني فننـ

*
ـظر أينا يمتاز بالترجيح

ونرى إذا حمي الكلام من الذي

*
يمضي بوجه باهت مفضوح

اخسأ كذبت فأين أين مثيله

*
شتان بين مصحح وجريح

عجبا تقيس وثم فرق واضح

*
أيقاس بالكافور نبت الشيح

سلم نصحتك واعترف ودع المرا

*
هذا مريحك صاحبي ومريحي

وانظر إليه بعين قلبك لا كما

*
نظر الحسود بطرفه المقروح

فرآه دون القول وما درى

*
أن قد رآه بناظر مقروح

ما كان أجهله بعلة طرفه

*
أيرى بطرف أرمد وجريح

فالقاصر الرائي لقرحة عينه

*
لا أن ذا المرئِيُّ غير وضيح

هو أحمد الداعي لحضرة ربه

*
أعني بن شرقاوي سخي الروح

ما مثله في الجود حاتم طيِّئٍ

*
كلا ولا في الري ماء السيح

أفمن يجود بفضلة الدنيا كمن

*
يهب الولا من فيضه السبوحي

وهل الذي يعطي معارف قلبه

*
مثل امرئ بالفانيات سموح

ما أكذب التشبيه إن شبهته

*
بالبر أو بالبحر أو بالريح

فنواله نور الهدى ونوالها

*
قطرات ما أو سنبلات قموح

لم أقض واجب مدحه حقا وإن

*
جلت متوني كثرة وشروحي

ولو استعرت لسان أمدح شاعر

*
ومدحته لم أجزه بمديحي

أو أنه علم القريض أطاعني

*
وأمدني الشعرا بكل مديح

أهـ. المراد منا وإنما نسبها الشيخ حفظه الله إلى الأستاذ الحفناوي لاشتهارها به فإنه من أجل أجلاء أهلها وأعظم أبواب الوصول لنيل فضلها فقد ازدادت به الطريقة حسنا وتسامت به حسا ومعنى.

مبحث نسبه في الطريق
وبين أستاذنا وبينه ثلاث وسائط كلهم أحمد، فإنه قد تلقى عن أستاذه السيد أحمد الخضيري، وهو عن سيدي أحمد بن أحمد السكري وهو الطحائي، كان من الأفاضل لا يكاد يفتر عن الذكر غلبه السكر أواخر عمره حتى كان لا يستطيع أن يتم مجلس الذكر لغلبة الحال عليه وكان عالما محققا كوالده أخذ العلم عن الشيخ علي الصعيدي العدوي وعن والده فقد تلقى شرح الخرشي على المختصر ثنتي عشرة مرة، وهو عن القطب الشهير والبدر المنير أبي البركات سيدي أحمد الدردير العدوي المالكي، وهو عن الشمس الحفناوي رضي الله عنهم وعنا بهم آمين، ولنذكر بقية هذا النسب الشريف تبركا به فنقول: قد تلقى الشمس الحفناوي عن السيد مصطفى البكري الصديقي، وهو عن الشيخ عبداللطيف الخلوتي الحلبي، وهو عن العارف بالله مصطفى أفندي الأدرنوي، وهو عن الشيخ علي أفندي قراباشا، وهو عن الشيخ علي الجرومن، وهو عن السيد عمر الفؤادي، وهو عن محيي الدين القسطموني، وهو عن الشيخ شعبان أفندي القسطموني، وهو عن خيرالدين التوقادي، وهو عن حلبي سلطان الأقسدائي الشهير بجمال الخلوتي، وهو عن محمد بن بهاء الدين الارزنجاني، وهو عن سيدي يحيى الباكوبي، وهو عن صدر الدين الخياني، وهو عن سيدي الحاج عز الدين، وهو عن محمد مبرام الخلوتي، وهو عن عمر الخلوتي، وهو عن أبي محمد الخلوتي، وهو عن إبراهيم الزاهد الثكلاني، وهو عن سيدي جمال الدين التبريزي، وهو عن شهاب الدين محمد الشيرازي، وهو عن ركن الدين محمد النجاشي، وهو عن قطب الدين الأبهري، وهو عن أبي النجيب السهروردي، وهو عن عمر البكري، وهو عن محمد الدينوري، وهو عن ممشاد الدينوري، وهو عن سيد الطائفة أبي القاسم الجنيد بن محمد البغدادي، وهو عن السري السقطي، وهو عن معروف الكرخي، وهو عن داود بن نصير الطائي، وهو عن حبيب العجمي، وهو عن الحسن البصري، وهو عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهو عن سيد الكائنات - صلى الله عليه وسلم -، وهو عن جبريل - عليه السلام-، وهو عن رب العزة - جل جلاله وتقدست أسماءه - اللهم انظمنا في عقد هذا الفريق واسقنا من رحيقه كؤوس التحقيق آمين يا رب العالمين.
أولئك أبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا يا جرير المجامع


ترجمة العارف بالله صاحب المورد رضي الله عنه وذكر بعض مناقب والده التقي الشهير

مبحث جملة الحمدلة

مبحث مقام الشهود

تنبيهات في الروح ومرادفتها للنفس ومقرها من الجسد ووحدتها وحدوثها وفنائها وما كان عليه بعض الأرواح يوم ألست بربكم

مبحث الصلاة والسلام

تنبيهات عشرة متعلقة بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -

مبحث الآل والصحب

خاتمة في الفرق بين الشوق والاشتياق

مبحث في الطريق الموصلة إلى الله - تعالى - وذكر شروطها وآدابها

مبحث في الحث على العلم والعمل

تنبهات في حكم فن التوحيد ومباديه والخلاف في التقليد وغير ذلك


هناك تعليق واحد:

  1. مبارك لكم هذا الجهد الرائع جعله ربي لكم في ميزان حسناتكم

    ردحذف