الاثنين، 24 فبراير 2014

خلاصة الإكسير في نسب سيدنا الغوث الرفاعي الكبير للشيخ الإمام علي أبي الحسن الواسطي الشافعي



هذا كتاب خلاصة الإكسير في نسب سيدنا الغوث الرفاعي الكبير
للشيخ الإمام علي أبي الحسن الواسطي الشافعي
رضي الله عنه
( ترجمة المؤلف)

    قال شيخ الإسلام أحمد بن حجر العسقلاني قدس سره في كتابه الدرر الكامنة ، ما نصه " علي بن الحسن بن أحمد الشافعي أبو الحسن الواسطي ذكر أنه كان في واقعة هلاكو ببغداد رضيعاً ثم صحب الشيخ عزالدين الفاروثي وسمع من أمين الدين بن عساكر وقرأ القرآن ونظر في الفقه وكان منجمعاً متزهداً ،  له كرامات وأحوال ، حج ستين حجة وجاور .
* قال الذهبي كان كبير الشان منقطع القرين منجمعاً عن الناس ذا حظ من تهجد وتلاوة وصيام له كشف وحال وهو كلمة وفاق وله محبون يتغالون في تعظيمه وكان على طريقة السلف في العقيدة مات محرماً ببدر سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة رضي الله عنه آمين.

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات من الأعمال، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين وأكمل أهل الكمال ، وعلى آله الذين هم أكرم العناصر والآل ، وعلى أصحابه المتمسكين بسنته في الأقوال والأفعال .
       (أما بعد) فإن جامع هذا الصحف المباركة العبد الفقير إلى الله تعالى أبا الحسن علي بن الحسن بن أحمد الواسطي وطنا ومنشأ الشافعي مذهباً ، الرفاعي خرقة ومشرباً عفا الله عنه ، يقول سميت هذا الكتاب (خلاصة الإكسير في نسب سيدنا الغوث الرفاعي الكبير) اقتصرت فيه على ذكر عمود هذا النسب الطاهر وفروعه أهل المآثر ولويت العنان عن الإطالة والتعميق بذكر جميع آل فاطمة عليها السلام والرضوان فإن أنساب آلها الكرام أفردها كثير من الأعيان ، وهذا الكتاب الجليل خدمة خاصة لنسب شيخنا بركة دهره قرة عين جدته الطهر البتول في عصره ذي الهمة التي تجعل الصغير بعون الله كبيرا وتقلب بالإنكسار التراب السفساف إكسيرا . رب المجد الذي قصرت عن استيفاء حقه


المداح وصاحب العز الذي كمل بتقبيل يد حبيب الله صلى الله عليه وسلم في حضرة خفق عليه بها لواء الفخر والفلاح السيد أحمد محي الدين أبي العباس بن أبي الحسن علي شهاب الدين بن يحيى أبي أحمد الحسيني الشهير بالرفاعي البطائحي الواسطي العبيدي رضي الله تعالى عنه وعن آبائه الطاهرين ونفعنا بهم أجمعين (وها أنا أشرع بذكر الأصل) وأسلسل الفروع إلى أن تنتهي إن شاء الله إلى السيد المشار إليه والمعول عليه ثم أذكر بحول الله طبقة بيته المبارك إلى زمننا هذا على طريق الإيجاز والاختصار إكتفاء بشهرتهم التي سارت مسير الصبا في الأقطار (اللهم) يا من يلجأ إليه كل ملهوف ويرجى من كرمه كل بر ومعروف يسر لنا أمورنا واشرح ببركة هذه العترة الطاهرة صدورنا واحشرنا معهم تحت لواء جدهم سيد الأنام وكما تفضلت بالعون في البدء فأحسن الختام آمين .
( عقد قلادة هذا الحسب الباهر ويتيمة فرائد هذا النسب الطاهر جدهم الصادق الأمين سيدنا ومولانا ونبينا أكمل المخلوقين وأشرف العالمين وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين)
(ولد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين) ثاني عشر شهر ربيع الأول المبارك عام الفيل وذلك بعد قدوم أصحاب الفيل بشهرين وستة أيام، قال ابن عباس رضي الله عنهما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مختونا مكحولا وكانت ولادته بعد وفاة والده السيد عبد الله الأنور وقيل مات أبوه وله عليه الصلاة والسلام سنتان وأربعة أشهر وماتت والدته السيدة آمنه وهو ابن ستة أعوام ومات جده عبد المطلب شيبة الحمد شيخ الحرم وله ثمان سنين ، وبعث صلى الله عليه وسلم إلى كافة بني آدم بل ولعوالم الجن أيضا وله أربعون سنة وتمكن بمكة شرفها الله بعد النبوة ثلاث عشر سنة وأياما ثم هاجر منها إلى المدينة المنورة وأقام بها عشر سنين على الصحيح دخلها يوم الاثنين وقت الضحى لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ، وتوفى عليه أفضل الصلاة


وأتم السلام ضحى يوم الاثنين ثاني عشر ليلة من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة المعظمة النبوية ، ودفن في بيته الكريم الذي قبض فيه ، وأما فضائله ومعجزاته وأخباره وآثاره وأسراره وأطواره فالقلم عن ذكرها قاصر والعقل بها حائر كيف لا وقد جمع الله بجانبه العظيم ما تشتت في الأنبياء والمرسلين من الفضل والكمال والبهاء والجمال وصدق المقال وعزيز الحال والهيبة والجلال والعقل الوسيع والخلق الرفيع والمجد المنيع والطبع اللطيف والمشرب الشريف والعدل والإحسان والحياء والإيمان والسؤدد والسلطان والحجة والبرهان والحكمة والبيان وهو شرف النوع الإنساني وعلة خلق العالم الروحاني وبركة الأنبياء وسيد العقلاء وأعظم الرسل وصاحب أوضح السبل وأول المخلوقين وخاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطاهرين المرضيين آمين .
ماذا يقول الواصفون بشأنه                        أو يشرح المتفنن المقدامُ
 من بعدما القرآن أعظم أمره                      وأجاد وصف خصاله العلاّمُ
 ( وهو صلى الله عليه وسلم ) محمد ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب الحكيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ابن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان اليعربي الإبراهيمي أشرف بقايا آل إبراهيم خليل الله جد الأنبياء عليه وعليهم من الله أفضل الصلاة والسلام ، وأمه صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة السالف ذكره في نسبه عليه الصلاة والسلام  .
 أعقب صلى الله عليه وسلم الطيب وهو الطاهر وزينب والقاسم وعبد الله وأم كلثوم والبتول فاطمة الزهراء وإبراهيم وهو من مارية القبطية وجميع أخوته الطاهرين وأخواته الطاهرات من خديجة رضوان الله وسلامه
 

عليهم أجمعين .
 ( والنسب الطاهر أحمدي يتصل بسيدنا الرسول العظيم عليه أكمل الصلاة وأتم التسليم ) بواسطة بنته البضعة الزكية النبوية المرضية فاطمة الزهراء سيدة النساء حبيبة أبيها حبيب الرحمن أم الأئمة الأعيان .
 ولدت الزهراء عليها السلام قبل المبعث بخمس سنين على الصحيح وزوّجها النبي صلى الله عليه وسلم بابن عمه الرضي الوفي التقي النقي الشريف الزكي أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه في اليوم السادس من ذي الحجة السنة الأولى من الهجرة .
وولدت لعلي الحسن والحسين وزينب الكبرى وأم كلثوم عليهم السلام وينتهي إليها النسب من الإمامين السبطين الحسن والحسين فإن لم يكن من أولادهما فليس بفاطمي. ويكفي في شأنها قول النبي الطاهر الزكي فاطمة روحي التي بين جنبي وقال عليه الصلاة والسلام فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني وقال صلى الله عليه وسلم إنما سميت ابنتي فاطمة لأن الله تعالى فطمها وفطم من أحبها من النار. توفيت عليها السلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر وقد أسرها أنها أول أهله لحوقا به فسرت بذلك سلام الله عليها .
 وإليها ينتهي النسب الشريف الرفاعي بواسطة ولدها الإمام الهمام قرة عين شهداء الإسلام ريحانة النبي عليه الصلاة والسلام طاهر العرقين كريم العنصرين ماجد الحسبين شريف النسبين سبط سيد الكونين أحد الفرقدين ثاني القرطين شبل أسد الله محبوب جده حبيب الله الصابر على البلاء الذي بكت لمصيبته ملائكة السماء وحزن لما ألم به داخل القبر الأشرف إمام الأنبياء وجزعت لبليته قلوب الأولياء ، قمر الأرض الذي خسف ببيداء كربلاء ولي الله المؤيد بالصبر الجلي والقرب السني أمير المؤمنين أبي عبدالله الإمام الحسين ابن الإمام علي عليه وعلى أبويه السلام إلى يوم القيام .
 فأما أبوه الإمام علي فهو ابن أبي طالب بن عبدالمطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم الخليفة الرابع أسد المعامع رب الصيت الشائع والسيف القاطع والقلب الخاشع زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كريمته البتول الزهراء بأمر خالق الأشياء . قال عليه الصلاة والسلام والذي بعثني بالكرامة وخصني بالرسالة إن الله تعالى لما زوج عليا فاطمة أمر الملائكة المقربين أن يحدقوا بالعرش فيهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وأمر الجنان أن تتزخرف والحور العين تتزين ثم أمرها أن ترقص فرقصت ثم أمر الطيور أن تغني فغنت ثم أمر شجرة طوبى أن تنثر عليهم اللؤلؤ الرطب مع الدر الأبيض مع الزبرجد الأخضر مع الياقوت الأحمر ولما أُهديت الزهراء عليها السلام لعلي كرم الله وجهه أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تقربن أهلك حتى آتيكما فجاء صلى الله عليه وسلم فدعا بإناء ماء فسمى فيه وقال ما شاء الله أن يقول ثم مسح صدر علي ووجهه ثم دعا فاطمة فقامت تعثر في مرطها من الحياء فنضح عليها من ذلك ورُوي أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء فتوضأ منه فأفرغه على علي عليه السلام ، ثم قال اللهم بارك فيهما وبارك لهما في نسلهما ونضح من الماء على رأس فاطمة عليها السلام وقال أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ورُوي أن علياً كان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مرة فقال له أبشر يا أبا الحسن فإن الله تعالى قد زوجك في السماء قبل أن أزوجك في الأرض .
 وُلد الإمام أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه بمكة في البيت الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام وهو أول هاشمي ولد من هاشميين فإن أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رضي الله عنها كانت كالوالدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنت به وهاجرت معه وكان شاكراً لبِرّها ، ولما توفيت كفنها عليه الصلاة والسلام بقميصه ليدرأ به عنها هوام الأرض وتوسد في قبرها لتأمن  بذلك من ضغطة القبر .
 وعلي أمير المؤمنين هو أول من آمن بالله عز وجل ( ونص ) رسول الله صلى الله عليه وسلم


يوم توجهه إلى تبوك على وزارة علي بقوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فأوجب له تخصيص الوزارة لشهادة القرآن إخبارا عن موسى عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى ( واجعل لي وزيراً من أهلي * هارون أخي * أُشدد به أزري * وأشركه في أمري ) ( طه 29-32 ) . وبعد أن تصدّر على بساط الخلافة النبوية بقى منغَصاً ممتحَناً لحصول الحصة من سر الآية فإن النبي عليه الصلاة والسلام بقي ثلاث عشرة سنة من نبوته ممنوعاً من أحكامها خائفاً من أن لا يتمكن من جهاد الكافرين ولا يستطيع دفعه عن المؤمنين وكذلك ابتُلي أمير المؤمنين بالناكثين والمارقين والخوارج والباغين وهاجر من المدينة إلى العراق . وكانت وفاته ليلة الجمعة إحدى وعشرين من شهر رمضان المبارك سنة أربعين من الهجرة قتيلاً بسيف ابن ملجم لعنه الله وقضى نحبه سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ممدوح الخصال مشكور الفعال ولا بدع فمناقبه السعيدة ومآثره الحميدة لاتُحصى ولا تُستقصى . ويعجبني قول من قال فيه من قصيدة :
كم كُربةٍ عن رسولِ الله فرّجها
بخيبرٍ وحُنينٍ حين فرّ بها
ويوم بدرٍ وفُرسان الهياج على
وحـين بات مبـيـت المصـطفـى وذوو                

بسيفه وعتاق الخيل تطّردُ
شوس الكُماةِ ولم يوفوا بما وعدوا
الرمضاءِ صرعى ونار الحـرب تـتّـقـدُ       
الأضغانِ من حولهِ في الدار ما رقدوا


حتى إذا ما بدا للفجر غُرَّتهُ
فحين قام إليهم سيف نقمته
أخو النبي وواقيه وناصره
فمن يعادوه في يوم المعاد شقوا


جدّوا لقتل رسول الله واجتهدوا
ظلت فرائصهم للرعب ترتعدُ
غداة يشتبك الميّادُ والزردُ
ومن يوالوه في الدارين قد سعدوا

وقال فيه آخر :


زوي عن الدنيا وعن متاعها
مدت إليه كفها فكفها


جنابه وأهمل استمتاعها
وناولته باعها فباعها

     

ويكفيه ما رواه الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لولا أن تقول طوائف من أمتي فيك ما قالت النصارى في ابن مريم لقلت اليوم فيك مقالاً لا تمر بملأ من المسلمين إلا أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة . (وروى أبو نعيم رحمه الله) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي مرحباً بسيد المؤمنين وإمام المتقين .
 أعقب رضي الله عنه وعليه السلام ثمانية وعشرين ولداً ذكرا وأنثى وهم الحسن والحسين والمحسن الذي أسقط وزينب الكبرى وزينب الصغرى المكنّاة بأم كلثوم وأمهم فاطمة البتول سيدة نساء العالمين ومحمد المكني بأبي القاسم أمه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية وعمر ورقية كانا توأمين وأمهما بنت ربيعة والعباس وجعفر وعبد الله استشهدوا مع أخيهم الحسين بكربلاء أمهم أم البنين بنت حرام بن خالد ومحمد الأصغر المكني بأبي بكر وعبد الله الشهيدان بكربلاء أمهما ليلى بنت مسعود الدارمية ويحيى أمه أسماء بنت عميس الخثعمية وأم الحسن و رملة أمهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي ونفيسة وزينب الصغرى وأم هانئ وأم الكرام وجمانة المكناة بأم جعفر وأُمامة وأم سلمة وميمونة وخديجة وفاطمة لأمهات شتى .
 ( أما واسطة العقد في عمود النسب الأحمدي المبارك من آل علي المرتضى رضوان الله عليه وسلامه فهو سيدنا الإمام الحسين رضي الله عنه وعليه السلام): قال علماء النسب ولد سنة أربع من الهجرة وقتل سنة إحدى وستين وكان بين ولادة أخيه الحسن والحمل به خمسون يوما وقيل طهر واحد وأرضعته أم الفضل زوجة العباس بن عبدالمطلب بلبن قثم بن عباس ، وعاش عليه السلام ستاً وخمسين سنة وخمسة أشهر وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أمه الزهراء عليها السلام ست سنين ومع أمير المؤمنين عليه السلام أبيه ثلاثين سنة ومع أخيه الحسن عشر سنين وكانت مدة إمامته عشر سنين وأشهرا في سني
 

إمامته كانت بقية ملك معاوية وفي أول ملك يزيد بن معاوية استشهد ولي الله وكان معاوية قد نقض شرط الحسن بعد موته وبايع لابنه يزيد وامتنع من بيعة الحسين وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمرو عبد الله بن الزبير فأعمل معاوية الحيلة حتى أوهم الناس أنهم بايعوه وبقي الأمر على ذلك إلى أن مات معاوية فأرسل يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان عامله بالمدينة أن يأخذ له البيعة على الناس عامة وعلى الحسين وعبد الله ابن الزبير وعبد الله بن عمر خاصة وكان عبدالرحمن بن أبي بكر قد توفى فامتنع الحسين وعبد الله بن الزبير وسار إلى مكة وتسامع أهل الكوفة بذلك فراسلوا الحسين وعزوه بنفسه فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل فبايعه ثمانية عشر ألفا فأرسل إلى الحسين يخبره بذلك فتوجه إلى العراق فقتل يوم عاشوراء لعشر مضين من المحرم يوم السبت ورُوي أنه كان يوم الاثنين عند الزوال سنة إحدى وستين بكربلاء قتله عمر بن سعد وكان أمير الجيش من قبل عبدالله بن زياد لعنه الله وعبيدالله كان والياً على العراق من جهة يزيد لعنه الله لأخذ البيعة منه أو لقتله وجميع أصحاب الحسين عليه السلام كانوا اثنين وسبعين نفساً من بني عبدالمطلب ومن سائر الناس منهم اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً قتلوا جميعاً رضي الله عنهم وأرضاهم وقالوا عدة من قتل معه من أهل بيته وعشيرته ثمانية عشر نفساً فمن أولاد أمير المؤمنين عليه السلام العباس وعبد الله وجعفر وعثمان وأبو بكر وعبد الله ومن أولاد عبد الله بن جعفر الطيار محمد وعون ومن أولاد عقيل ابن أبي طالب عبد الله وجعفر وعقيل وعبدالرحمن ومحمد بن سعيد بن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين فهؤلاء ثمانية عشر نفساً من بني هاشم قتلوا معه وكلهم مدفونون مما يلي رجل الحسين عليه السلام في مشهده حفروا لهم حفرة وألقوهم جميعاً فيها وسُوي عليهم التراب إلا
 

العباس بن علي رضي الله عنه فإنه دفن في موضع قتله على المياه وقبره ظاهر يُزار . وليس لقبور أخوته وأهله والذين سميناهم أثر وإنما يزورهم الزائر من عند قبر الحسين ويومئ إلى الأرض التي تحت رجليه بالسلام وعلي بن الحسين عليه السلام في جملتهم ويقال أنه أقربهم إلى الحسين ، وأما أصحاب الحسين الذين قتلوا معه من سائر الناس فإنهم دفنوا حوله وليس تعرف لهم أجداث على الحقيقة والتفصيل غير أنه لا يُشك أن الحائر يحيط بهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم . وكان له ستة أولاد علي الأكبر أمه شهربانو بنت يزدجرد وعلي الأصغر قتل مع أبيه أمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية وجعفر أمه قضاعية وكانت وفاته في حياة أبيه الحسين ولا بقية له وعبد الله قتل مع أبيه صغيراً جاءه سهم وهو في حجر أبيه وسكينة وأمها رباب بنت امرئ القيس بن عدي وهي أم عبدالله أيضا وفاطمة أمها أم اسحق بنت طلحة بن عبد الله أيدنا الله ببركتهم .
 (والعقد في العمود المبارك من ولد الحسين رضي الله تعالى عنه هو الإمام زين العابدين علي الأصغر سلام الله عليه) :
 كنيته أبو محمد ولقبه زين العابدين والسجّاد. ولد سنة ثلاث وثلاثين وتوفى سنة خمسة وتسعين من الهجرة يوم السبت الثامن عشر من محرم ومرقده ببقيع الغرقد . أمه شهربانو وقيل شاهروبان بنت يزدجرد ابن شهريار. قال أبو عثمان الجاحظ في رسالة صنفها في فضائل بني هاشم وأما علي بن الحسين عليه السلام فلم أر الخارجي في أمره إلا كالشيعي ولم أر الشيعي إلا كالمعتزلي ولم أر المعتزلي إلا كالكياني ولم أر العامي إلا كالخاصي ولم أر أحداً يمترى في تفضيله ويشك في تقديمه . وكان له خمسة عشر ولداً ، أبو جعفر محمد الباقر أمه فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأبو الحسين زيد الشهيد وعمر الأشرف أمهما أم ولد . وعبدالله والحسن والحسين أمهم أم ولد . والحسين الأصغر وسليمان وعبد الرحمن لأم ولد وعلي الأصغر وكان أصغر ولد أبيه وخديجة أمهما أم ولد ومحمد الأصغر أمه


أم ولد وفاطمة وعلية وأم كلثوم . وعقبه من ستة رجال محمد الباقر وعبد الله الباهر وزيد الشهيد وعمر الأشرف والحسين الأصغر وعلي الأصغر .
 (والعقد في عمود النسب المقصود سيدنا الإمام محمد الباقر):
 قال العلماء كان الباقر عليه السلام نبيه الذكر عظيم القدر ولم يظهر عن أحد في عصره ما ظهر عنه من علم الدين والآثار والسُنّة والعلم بالله وروى عنه علماء الدين وأئمة التابعين وسادات فقهاء المسلمين . وفيه يقول مالك الجهني رحمه الله :

 
إذا طلب الناسُ عِلْمَ القرآ               نِ كانت قريشُ عليه عيالا
 وإنْ قيل أين ابن بنت النبيِّ           نِلْتَ بذاك فروطاً طــوالا
 نجومٌ تهلِّلُ للمُدلجــــينَ            جبالٌ تورِّثُ عِلماً جبالا
       
       وُلد بالمدينة يوم الثلاثاء وقيل يوم الجمعة في غرة رجب سنة سبع وخمسين من الهجرة وتوفي في ذي الحجة بالمدينة سنة أربع عشرة ومائة ودفن ببقيع الغرقد إلى جانب أبيه زين العابدين وعمه الحسن بن علي عليهم السلام . روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه أنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين يقال له محمد ، يبقر عِلْم الدين بقرا ، فإذا لقيته فأقرأه مني السلام . قال عطاء ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام . ولقد رأيت الحكم بن عيينة مع جلالته بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه . قال محمد بن المنكدر : ما كنت أرى مثل علي بن الحسين يدع خلقاً لفضله وغزارة علمه وحكمه حتى رأيت ابنه محمداً فأردت أن أعظه فوعظني . فقال له أصحابه : بأي شيء وعظك ؟ قال خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيت محمد بن علي وكان رجلاً بديناً وهو متكئ على غلامين له فقلت في نفسي : شيخٌ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا أشهد لأعظنه ، فدنوت منه فسلّمتُ عليه فردَّ السلام


فقلت يا ابن رسول الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا ، لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال . فخلّى عن الغلامين من يده وقال : لو جاءني والله الموت وأنا في هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله أكف بها نفسي عن الناس . وإنما كنت أخاف الموت وأنا على معصية من معاصي الله تعالى . فقال رحمك الله وهدانا بك يا ابن رسول الله أردت أن أعظك فوعظتني.
 ومن كلامه عليه السلام ما شيب شيء بشيء أحسن من علم بحلم وقد روى الناس من فضائله عليه السلام ومناقبه مالا يُعَدُّ ولا يُحصى . وكان له سبعة أولاد أبو عبد الله وجعفر الصادق وكان به يُكنى وعبد الله وأمهما فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وإبراهيم وعبيد الله ورضى ، أمهم أم حكيم بنت أسد بن المغيرة الثقفية. وعلي وزينب لأم ولد وأم سلمة لأم ولد .
(والعقد الشريف في عمود النسب الطاهر المقصود سيدنا الإمام جعفر الصادق عليه الرضوان والسلام) :
 كنيته أبو عبد الله ولقبه الصادق. ولد رضي الله عنه بالمدينة يوم الجمعة عند طلوع الفجر ويقال يوم الأثنين ليلة عشر بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين من الهجرة . وكانت أمه فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وعاش خمساً وستين سنة منها مع جده زين العابدين اثنتا عشرة سنة . وكانت مدة أمامته أربعاً وثلاثين سنة وقد نقل عنه الناس على اختلاف مذاهبهم ودياناتهم من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر ذكره في البلدان وقد جمع أسمع الرواةِ عنه فكانوا أربعة آلاف رجل. استشهد ولي الله الصادق ومضى إلى رضوان الله تعالى وكرامته . توفى في يوم الأثنين النصف من رجب ويقال توفى في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة من الهجرة . ودُفن بالبقيع مع أبيه وجده علي بن الحسين وعمه الحسن بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم . وقيل قتله المنصور أبو جعفر الدانيقي بالسم ويقال له عمود الشرف . وكان له عشرة أولاد إسماعيل وعبد الله وأم فروة أمهم فاطمة


 بنت الحسين الأشرم بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وموسى الكاظم الأمام المعصوم رضي الله عنه وإسحاق المؤتمن ومحمد الديباج لأم ولد يقال لها حميدة البربرية وقال وعلي العريضي لأم ولد والعباس وأسماء وفاطمة لأمهات أولاد شتى .
(والعقد العالي في عمود النسب الشريف سيدنا الإمام موسى الكاظم عليه السلام) : قال العلماء هو صاحب الشأن العظيم والفخر الجسيم كثير التهجد ، الجادّ في الإجتهاد والمشهود له في الكرامات ، المشهور بالعبادة والمواظب على الطاعات يبيت الليل ساجداً وقائماً ويقطع النهار متصدقاً وصائماً ولفرط حلمه عليه السلام وتجاوزه عن المعتدين عليه كان كاظماً يجازي المسيء بإحسانه إليه ويقابل الجاني بعفوه عنه ، ولكثرة عبادته يسمى بالعبد الصالح ويعرف في العراق بباب الحوائج إلى الله لنجح المتوسلين إلى الله تعالى به . كراماته تحار منها العقول وتقضي بأن له قدم صدق عند الله لا يزول. ولادته عليه السلام بالإيواء سنة ثمان وعشرين ومائة من الهجرة وقيل سنة تسع وعشرين وذلك يوم الأحد وقيل الثلاثاء لثلاث ليالٍ خلون من صفر . أمه أم ولد واسمها حميدة البربرية أخت صالح البربر عمره عليه السلام خمس وخمسون سنة منها مع أبيه الصادق عشرون سنة كان محبوساً مدة طويلة من قبل الرشيد عشر سنين وشهراً وأياما. نقل عن الفضل بن الربيع أنه أخبر عن أبيه الربيع أن المهدي لما حبس موسى بن جعفر عليهم السلام وهو نائم ذات ليلة فرأى في منامه علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) . قال الربيع : فأرسل إليّ ليلاً فراعني وخفت من ذلك فجئت إليه فإذا هو يقرأ هذه الآية وكان أحسن الناس صوتاً فقال عليّ الآن بموسى بن جعفر فجئت به فعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال يا أبا الحسن رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في النوم يقرأ علي كذا فتؤمّني على أن


لا تخرج عليّ ولا على أحد من ولدي فقال : لا فعلت ذلك ولا هو من شأني . قال صدقت يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار وردّه إلى أهله إلى المدينة . قال الربيع فأحكمت أمره فما أصبح إلا وهو في الطريق . وفاته عليه السلام ببغداد يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة مسموماً مظلوماً على الصحيح من الأخبار في حبس السندي بن شاهك سقاه السم . ودُفن بمدينة السلام بالجانب الغربي في المقبرة المعروفة بمقابر قريش سلام الله تعالى ورحمته وبركاته عليه . وكان لأبي الحسن عليه السلام سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى منهم الإمام علي موسى الرضا عليه السلام وإبراهيم والعباس والقاسم لأمهات أولاد وإسماعيل وجعفر وهارون والحسن لأم ولد وأحمد ومحمد وحمزة لأم ولد وعبد الله وإسحاق وعبيدالله وزيد والحسن الأصغر والفضل وسليمان لأمهات أولاد وفاطمة الكبرى وفاطمة الصغرى وأم جعفر ولبانة وزينب وخديجة وعلية وآمنة وحسنة وبريهة وعائشة وأم سلمة وميمونة وأم كلثوم ورقية وحكيمة ورقية الصغرى وأم كلثوم وأم أبيها وكلثم . أعقب من أربعة عشر رجلاً وهم الحسن والحسين وعلي الرضا وإبراهيم المرتضى وزيد النار وعبد الله وعبيد الله والعباس وحمزة وجعفر وهارون واسحاق وإسماعيل ومحمد العابد .
 (والعقد النفيس من أولاد الكاظم في عمود النسب الشريف سيدنا الإمام إبراهيم المُرتضى عليه الرحمة والسلام) :
 لقبه المُجاب ، وأمه أم ولد إسمها نجية . استولى على اليمن وامتدت حكومته إلى الساحل وآخر القرن الشرقي من اليمن وحج بالناس في عهد المأمون ولما انتصب خطيباً في الحرم الشريف دعا للمأمون ولولي عهده الإمام علي الرضا بن الكاظم عليهما السلام . مات مسموماً ببغداد سنة ست وقيل سنة سبع وقيل سنة تسع بعد المائتين . وقد قدم بغداد بعهدٍ وثيق من المأمون ولكن الله يفعل ما يشاء. وقد أنشد حين لحده ابن السمّاك الفقيه :



مات الإمامُ المُرتضى مسموما
قد مات في الزوراءِ مظلوماً كما
فالشمسُ تندبُ موتَهُ مصفرةً


وطوى الزمانُ فضائلاً وعلوما
أضحى أبوهُ بكربلا مظلوما
والبدرُ يلطمُ وجهَهُ مغموما

       كان أحد أئمة أهل البيت وكانوا يلقِّبونَه الهادي إلى الله . أعقب من ثلاثة رجال بلا خلاف موسى أبو سبحة الذي يقال له موسى الثاني وجعفر وإسماعيل وقد قطع جماعة من النسابين بعدم العقب من إسماعيل وخالفهم الجمهور وقالوا بأن القول بقطع العقب من إسماعيل تسامُحٌ وخطأٌ وأثمٌ عظيم .
 (والعقد السني في عمود النسب الجليل من آل المرتضى هو السيد موسى الثاني ويقال أبو سبحة وأبو يحيي) :
 وإنما لقب بأبي سبحة لكثرة تسبيحه. كان سيدا جليلاً خاشعاً ورِعاً عارفاً قَدِمَ بغداد مع أبيه واستوطنها وتوفي بها سنة عشر ومائتين ودفن بمقابر قريش بالقرب من مرقد جده الكاظم. وله أعقاب وانتشار والبيت والعدد في ولده وعقبه من ثمانية رجال أربعة منهم مقلون وأربعة مكثرون أما المقلون فعبد الله وعيسى وعلي وجعفر وأما المكثرون فمحمد الأعرج وأحمد الأكبر وإبراهيم العسكري والحسين القطعي .
(والعقد الطاهر من آل موسى الثاني في عمود النسب المبارك المقصود هو السيد أحمد الصالح الأكبر):
 شيخ أهل البيت في عصره . أجمع أهل زمانه على تفرده وعلوِّ قدمه وصلاحه . وكان مُجاب الدعوة نافذ البصيرة ذا هيبة في قلوب العامة والخاصة ، وله المحل العالي في نفوس الخلفاء . وكان جليل الشأن إذا تكلم سكت الناس وإذا سكت هابوه . حكى القاضي أبو علي التنوخي في رسالته التي صنفها في فضائل أهل البيت عند ذكر السيد أحمد الأكبر أنه مرَّ برجُلٍ على شاطئ دجلة يبكي فسأله عن سبب بكائه فقال : أنا رجل فقير ولا أملك من حُطام الدنيا غير بعير أسعى عليه لمعيشة عيالي وقد عثر هنا فسقط وقد انكسرت رجله ويده فقال : أين هو فدله عليه . فأخذ بزمام البعير وجرّه وقال : قُم بإذن الله الذي لا يعجزه شيء وهو على كل شيءٍ قدير . فقام البعيرُ يربع لا شيء فيه. مات ببغداد سنة ست عشرة ومائتين وبلغ خبره المأمون وهو بدمشق فبكى وقال انطوى مصحفٌ جليل من مصاحف العلوم النبوية . دفن بمقابر قريش وراء مشهد جده الكاظم ، سلام الله عليه وعليهم أجمعين. أعقب من ثلاثة رجال أبي عبد الله الحسين وأبي اسحق إبراهيم وعلي الأحول .
 (والعقد الكريم منهم في عمود النسب المقصود هو أبو عبد الله الحسين):
 لقبه الرضي ويقال له المحدث والقطعي نسبة للقطيعة محلة ببغداد وإليها ينسب عمه الحسين القطعي . توسع في علم الحديث وعلوم القرآن وكان فقيهاً عظيماً ذا محل ببغداد ورياسة وكان يقال له سيد آل أبي طالب وكانوا يشبهونه بعلي كرم الله وجهه. وكان المأمون رحمه الله يعرف قدره ويُجِلُّ مكانه ويقابله بالحشمة والوقار وكان يقول أعجل آل إبراهيم المرتضى للقاء الله وأبقوا فضائلهم لأبي عبد الله الرضي. وقال فيه القاضي التنوخي : إن صح حديث (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) فهو محمولٌ على الحسين الرضي. توفى ببغداد سنة تسع عشرة ومائتين ودفن بمقبرة القطيعة. وأعقب القاسم وهو الذي سمي بالحسن وبه اشتُهِر ، وعلي الأسود والحسن أبو أحمد وحمزة .
 ( والعقد النضيد منهم في عمود النسب المبارك الحسن القاسم أبو موسى رئيس بغداد شيخ بني هاشم ):
قال ابن ميمون في مشجره ما أنجب الطالبيون في عصر الحسن القاسم أعظم منه مقاماً وأرفع منزلة وأكمل علماً وأزكى عملاً وعلى هذا فهو سيد عصره بلا ريب. قال ابن الأفطس : نزل القاسم الحسن مكة ببعض أولاده وأقام فيها مدة طويلة وله بقية ببغداد ثم عاد بنفسه لبغداد وتوفي بها. ودفن في مقابر قريش وهذا كله صحيح غير أن وفاته بمكة . قال ابن ميمون الواسطي والعبيدلي والجوهري وغيرهم : نزل الحسن رئيس بغداد مكة ببعض أولاده وأبقى بقية ببغداد وأقام بمكة محفوظ الحرمة موقر المقام حتى مات بها عام ست وعشرين ومائتين. ثم قالوا وعقبه من رجلين موسى ومحمد أبي القاسم ولهما ذريةٌ وذيلٌ طويل .
 ( والعقد في عمود النسب الزاهر هو السيد أبو القاسم محمد):
 نزل مكة مع أبيه الحسن رئيس بغداد وعكفت عليه القلوب وألقى الله محبته في الصدور ، وكان على جانب عظيم من حُسْن الخُلُق والسخاء والزهد والصدق ، ومن غرائب تُحَف الغيب التي أتحفه الله بها ، أنه رأى ليلة جمعة وهو بمكة في منامه أن أبواب السماء فتحت ونزل من السماء نور غشي الأبصار ثم انكشف رداء النور عن أرض ندية خضرة مفروشة بشقق الديباج وعليها الأسِرَّة وفوق الأسِرَّة رجالٌ تغشاهم من كل جهاتهم الأنوار ، ومعه ولده المهدي وإذا برجل قد جاء فدعاهما فذهبا معه حتى إذا أوقفهما تجاه سرير رفيع عليه سِتْرٌ مُرصّع باليواقيت والجواهر فانكشف الستر ونزل من السرير رجلٌ عظيمُ المهابة ، جليل الطول وبيده غصن شجرة رفيع فتقدم إليهما وقال يا أبا القاسم خذ هذه الغريسة وأعطها لولدك المهدي واسلك به هذا الطريق إلى الغرب فإذا وصلها فليغرس فيها هذه الشجرة فإذا نمت فليأخذ أشرف أغصانها ويسلمه إلى بعض أولاده وليسلك به هذا الطريق إلى الشرق فإذا انتهى إلى واسط فليغرس الغصن بها وليُقلع عن السير ، فإن هذا الغصن ينجب شجرة تصل فروعها المشرق والمغرب وتصل إلى قبة السماء . قال أبو القاسم فكلمت ولدي المهدي في ذلك فقال ولدي رفاعة أقوى جلدا مني على السفر فأرسلوه هو فكلّمت الرجل بما قال المهدي فصعد السرير ثم عاد فقال نعم فليكن رفاعة ابنه الذي يفعل ، فلم ألبث قليلا إلا ورفاعة عندي فأعطيته الغصن ثم قلت للرجل ها نحن قد قمنا لامتثال أمركم فبالله إلا ما أخبرتني من أنت ومن صاحب هذا السرير الذي أتيتنا بالأمر من قِبله . قال أنا علي بن أبي طالب وصاحب السرير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصليت عليه وحمدت الله وأخذت بيد حفيدي رفاعة وسلكت به طريق الغرب الذي أشار إليه أمير المؤمنين ، فما كان كطرفة عين إلا ونحن في المغرب فغرس رفاعة الغصن فأنبت شجرة عظيمة تسلق


غصن منها ذروة السماء فقطعه رفاعة . ثم قمنا فسلكنا طريق الشرق نزج بالنور فما كان غير يسير وإذا نحن بواسط المشرق من العراق ، فغرس رفاعة الغصن فأنجب شجرة عظمت حتى مست أغصانها أطلس السماء وانتهت فروعها طولاً حتى بلغت المشرق والمغرب وكأن الشمس أصلها والنجوم أوراقها . فخشعت لذلك ثم استيقظت متحيراً وانصرفتُ إلى بيت الله وأنا في بحر من الفكر ، فرأيت السيد حمزة بن علي العلوي معبر أهل البيت فذكرت له قصة الرؤيا فخشع وبكى ثم قال تشير رؤياك لى أن ولد ولدك رفاعة ينزل المغرب ويترك فيها العقب الطاهر ثم ينتقل من بنيه رجل إلى المشرق وينزل واسط ويعقب فيها سيداً ينوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيجدد شريعته ويُحيي طريقته وتملأ أنوار إرشاده الأكوان ، ويجئ من بنيه رجالٌ من خُلِّص أولياء أهل البيت كلهم كالنجوم ، إن لم يكن ذلك الرجل مهدي أهل البيت فهو مثله . قلت ولازالت هذه الرؤيا المباركة محفوظة في رقعة تتسلسل في أهل البيت الطاهر حتى ظهر السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه ، وبلغ أمر ظهوره وإرشاده ما بلغ حمل هذه الرؤيا أعيان رجال أهل البيت عليه رضي الله عنه وأيّد ذلك كثير من البشارات الأحمدية والإشارات المحمدية . توفى السيد محمد أبو القاسم بمكة سنة خمس وستين ومائتين وعقبه من ولده وحده .
(فالعقد الزاهر في هذا النسب الطاهر هو السيد مهدي المكي أبو رفاعة التقي الزكي):
 شيخ أهله صاحب البركات والمحامد الصائم القائم الفقيه العالم القطب الفرد . أجمع صوفية عصره على تفرُّدِهِ في وقته . حكى القاضي التنوخي عنه أنه مكث أربعين يوماً لا يأكل ولا يشرب ولا ينام ومع كل ذلك ما غاب عن أداء ما فُرض عليه . توفى بمكة سنة إحدى وتسعين ومائتين وأعقب عدنان ويحيى ورفاعة الحسن المكي.
 (والعقد الأنور من بنيه في عمود هذا النسب الجليل هو السيد رفاعة الحسن المكي):
 الشريف النقي التقي. ولد بمكة عام ثمانين ومائتين وألبسه أبوه خرقته الشريفة الكاظمية عام وفاته وهو ابن إحدى عشرة سنة . وسنده في الخرقة أب عن أب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد كان السيد رفاعة مُهيب الجانب مُعَظّم القدر زاهداً مُنجمعاً عن الناس ، وبقي على شأنه حتى دخل القرامطة لعنهم الله مكة عام سبع عشرة وثلاثمائة وفعلوا في بيت الله الحرام ما فعلوا من النهب والسلب والقتل والإلحاد والظلم وقتلوا الشريف ابن محارب أمير مكة وكثيراً من العلويين وادّعَوا في ذلك امتثال أمر العبيديين جماعة الأندلس ، فذهب السيد رفاعة إلى المغرب لإقامة الحجة على العبيديين فيما فعله القرامطة فدخل اشبيلية وعظّمه ملوكها وانقاد إليه رجال المغرب ثم أقام ببادية اشبيلية مع جماعة من بني شيبان وتزوج بامرأة من الأشراف الإدريسية يقال لها نبهاء بنت أحمد بن علي بن عبد الله بن عمر بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر ملك المغرب ابن عبد الله المحض بن الحسن المثنى ابن الإمام الحسن السبط عليه السلام وبقي مُكرّماً محفوظ الحُرمة. إلى أن توفي بإشبيلية عام إحدى وثلاثين وثلاثمائة وله مشهد في مقابر قريش يُزار ويُتبرك به وكان مع ما هو عليه من كثرة الاشتغال بعبادة الله تعالى حسن الشعر لطيف المحاضرة. ومن شِعره:
تعلّمَ الريحُ هزَّ الغُصنَ من قلقي       والطيرُ ناح كنَوحي يوم هِجراني
والأُفْقُ رشَّ كدمعي السُحْبَ إذ همعت      ونارُ فارسَ شَبّت مِثل نيراني

أعقب السيد رفاعة عليّاً وسعداً وعمران وبركات .
 (والعقد في عمود النسب من أولاده هو السيد علي أبو الفاضل المغربي الإشبيلي):
 الشيخ الصالح الشريف حُجّة العارفين سيد الزاهدين ، سئل عن المحبة فنظر إلى شجرةٍ أمامه وتأوّه ورماها بنَفَسِهِ فاضطرمت ناراً ثم قال المحبة هكذا. توفى سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة بإشبيلية. ودفن بمشهد أبيه في مقابر قريش. أعقب أحمد ورفاعة وكنانة وهَزّاعاً وغالباً .
 (والعقد السعيد في عمود النسب من المذكورين السيد أحمد):
 كنيته أبو علي ولقبه المرتضى كان فقيهاً عابداً عارفاً صاحب كرامات خارقة وأحوال صادقة روى ابن ميمون في مشجره أن عجوزاً من جيران السيد أحمد هذا شكت له ضعف حالها عن طحن دقيقها فجاء إلى بيتها وخاطب الرحا قائلاً يا مباركة اطحني بقدرة الله لهذه الضعيفة طحينها فكانت العجوز تضع القمح في الرحا وهي تدور بنفسها بإذن الله تعالى وكان كثير الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الذكر لله تعالى لا يتكلم بشيء من أمر الدنيا إلا إذا اضطُر . توفي سنة سبعين وثلاثمائة ودفن بمشهدهم مع أبيه وجده بإشبيلية .
( أعقب السيد حازماً ويسمونه عليّاً أيضاً وهو العقد في عمود النسب الشريف ):
 كان السيد حازم المذكور إماماً يُقتدى به وجبلاً يُلتجأ إليه . كتب إليه العزيز أبو منصور الفاطمي خليفة مصر يسأله الدعاء وتحكيم الملك فيه وفي بنيه فكتب له دعاء يختص بنفسه ويقول له بعده ما أحسن بيتك لولا الحاكم فافهم المقصود . وبعث يسأله عن الحاكم فقَبِلَ وصولَ رسوله. توفي السيد علي الحازم بإشبيلية وذلك سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وبعد سنة توفي العزيز وبويع ابنه أبو منصور ولُقِّبَ الحاكم فظهر منه العجب العُجاب من الخرافات والجنون والأفعال المكفرة والعياذ بالله وبقي على ذلك حتى مات مقتولاً وكان سبباً لهدم شرف بيتهم ، وظهر سر كلام السيد الحازم قدس الله سره . أعقب الثابت وعبدالله ومحمد عسلة فعبدالله . سكن المدينة المنورة ومحمد عسلة أعقب حسَناً ولم يعقب غيره وسيأتي ذكر عقبه إن شاء الله . (وأما الثابت فهو عقد عمود النسب المبارك):
ولد بإشبيليه وتوفي بها سنة سبع وعشرين وأربعمائة وكان مهيماً بالله حسن القراءة حسن الحفظ حسن الصوت تنفح رائحة النبوة من أثوابه ، قال ابن الأفطس في مبسوطه : حدثني من أثق به أن ملوك المغرب على الإطلاق تتبرك بذكر السيد الثابت بن


رفاعة العلوي ، وإذا ورد على أحد منهم كتاب منه فكأنما بُشِّر بفتح قِطْرٍ لزيادة اعتقادهم به وإعظامِهم لشأنه ، وأنه لحقيقٌ بذلك فإنه لم يكن به نفس لغير الله تعالى ، أعقب يحيى وعليّاً .
 (فالسيد يحيى هذا هو العقد في عمود هذا النسب الطاهر):
 قال السيد نظام الدين أبو الحرث محمد المعروف بابن ميمون الواسطى الحسيني في مشجره أن السيد يحيى المغربي المكي الحسيني أولُ قادمٍ من عصابة بني رفاعة الحسينيين إلى البصرة نزلها عام خمسين وأربعمائة ، وهي السنة التي دخل فيها البساسيري بغداد وخطب بجامع المنصور للمستنصر بالله العلوي خليفة مصر وأذَّن بحيَّ على خير العمل وأحيا البدعة وأظهر التشيع ونهب دار الخلافة وحريمها وحمل الخليفة القائم بالله في هودج وأرسله مع ابن عمه مهاوش إلى حديثة عانة وسار أصحاب الخليفة إلى طغرلبك فسار طغرلبك لرد الخليفة القائم بالله إلى خلافته ، فلما وصل بغداد استقدم مهاوشاً صحبة الخليفة وتلقى الخليفة بالخيول والآلات والخيام العظيمة وأخذ بلجام بغلة الخليفة إلى داره يوم الاثنين لخمس بقين من ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وأربعمائة ووقف طغرلبك بباب الخليفة مكان الحاجب وقاتل البساسيري فقلته وبعث برأسه إلى الخليفة ، وأُخذت أمواله ونساؤه وأولاده .
 في ذلك العام فوّض الخليفة القائم بالله نقابة الأشراف بالبصرة إلى السيد يحيى الرفاعي الحسيني لما شاع عنه من الزهد والصلاح والتمسك بالسنّة السنّيّة والعمل بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طمعاً بإزالة فتنة الرافضة على يديه وكتب له كتاباً ، غيرَ توقيع النقابة . أخذه  صاحب المصطلح الشريف وبنى عليه كتابه . وها هو بنصِّهِ :
 " شرّف اللهُ مقامَ الجانبَ الكريم السيد النقيبي الشريف النسيبي الحسيني بقية البيت النبوي ، محب خليفة الأمة عضده بنصرة السُنّة ، صالح الأولياء عَلَم الهُداة العلماء ، لا زال عِرفانه منبعاً وهداهُ متَّبَعاً ما داخل الكلام كيت وكيت ، وتُلِيَت (( إنما يريد


الله ليُذهب عنكم الرجسَ أهل البيت)) ، نحن نُجِلُّكَ عن الوصايا إلا ما يُتبرك بذكره ويَسُرُّك إذا اشتملت على سرّه ، فأهْلَكَ أهلكَ ، راقب الله ورسوله جدك صلى الله عليه وسلم فيما أنت عنه من أمورهم مسئول وارفق بهم فهم أولاد أبيك حيدرة وأمك البتول وكف يد من علمتَ أنه قد استطال بشرفه فمدَّ إلى العنادِ يدا . واعلم بأن الشريف والمشروف سواء في الإسلام إلا من اعتدى وأن الأعمال محفوظة ثم معروضة بين يدي الله ، فقدِّم في اليوم ما تفرح به غدا ، وأزِلْ البدع التي ينسب إليها أهل الغلو في ولائهم والعلو فيما يوجب الطعن على آبائهم لأنه يعلم أن السلف الصالح رضي الله عنهم كانوا مُنَزَّهين عما يدَّعيه خلف السوء من افتراق ذات بينهم ويتعرض منهم أقوام إلى ما يجرهم إلى مصارع حينهم ، فللشيعة عثراتٌ لا تُقال من أقوالٍ لا تُقال ، فسُدّ هذا الباب سَدَّ لبيب ، واعمل في حسم موادهم عمل أريب ، وقم في نهيهم والسيف في يدك قيام خطيب ، وخوِّفهم من قوارِعك مواقع كل سهم مصيب . فما دُعيَ بحيَّ على خير العمل خيرٌ من الكتاب والسنة والإجماع . فانظم في نادي قوَّتِكَ عليها عقود الإجماع ، ومن اعتزى إلى اعتزال أو مال إلى الزيدية في زيادة مقال أو ادَّعى في الأئمة الماضين ما لم يدَّعوه أو اقتفى في طُرُقِ الإمامية بعض ما ابتدعوه أو كذَّب في قولٍ على صادقهم ، أو تكلم بما أراد على لسان ناطقهم أو قال أنه يلقي عنهم سرّاً ضنّوا على الأمة ببلاغه ، وذادوهم عن لذة مساغه ، أو روى عن يوم السقيفة والجمل غير ما ورد إخباراً أو تمثّل بقول من يقول عبد شمس لبني هاشم قد أوقدت ناراً أو تمسّك من عقائد الباطن بظاهر ، أو قال أن الذات القائمة بالمعنى تختلف في مظاهر ، أو تعلّق له بأئمة الستر رجاء ، أو انتظر مُقيماً برضوى عنده عسل وماء ، أو ربط على السرداب فرسه لمن يقود الخيل يقدمها اللواء ، أو تلفّت بوجهه يظن عليّاً كرم الله وجهه في الغمام ، أو تلفّت من عقال العقل في اشتراط العصمة في الإمام . فَعَرِّفْهُم أجمعين أن هذا من فساد أذهانهم وسوء


عقائد أديانهم ، فإنهم عدلوا في التقرب بأهل هذا البيت الشريف عن مطلوبهم ، وإن قال قائل أنهم طلبوا فقل له (كلا بل ران على قلوبهم) . وانظر في أمور أنسابهم نظراً لا يدع مجالاً للريب ولا يستطيع معه أحد أن يدخل فيهم بغير نسب ولا يخرج منهم بغير سبب وساو المتصرفين في أموالهم في كل حساب ، واحفظ لهم كل حسب وأنت أولى من أحسن لمن طغى في أسانيد الحديث الشريف أو تأول فيه على غير مراد قائله صلى الله تعالى عليه وسلم تأديباً . وأرهم مما يوصلهم إلى الله وإلى رسوله طريقاً قريباً ، وخلِّ من عَلِمْتَ أنه قد مال عن الحق ومال إلى طريق الباطل فِرَقاً وطوى صدره على الغل وغلب من أجله على ما سبق في علم الله من تقديم من لم يقدم حنقاً ، وحاروا وقد أوضحت لهم الطريقة المثلى طرقا ، واردعهم إن تعرَّضوا في القدح إلى نِضالِ نِصال ، وامنعهم فإن فِرَقَهم كلها وإن كثرت حابطة في ظلام ضلال ، وقَدِّم تقوى الله في كل عقدٍ وحل ، واعمل بالشريعةِ الشريفة فإنها السبب الموصول الحبل والله تعالى يرفعك في الزلفى إلى أشرف محل ويمد لك رواق عِزٍّ إذا أبرز له البرق خدَّهُ خجل ، أو مدَّ الغمامُ معه سرادقاته اضحمل " ، انتهى.
 فانتظم الأمر وخمدت الفتنة وأصلح الله الأحوال ببركته رضوان الله وسلامه عليه. وحدّث الشيخ الشريف أحمد بن أبي العشائر الحسني عن أبيه أن الخليفة القائم رحمه الله لما بلغه قدوم السيد يحيى الرفاعي الحسيني إلى البصرة كتب إليه يستقدمه إلى بغداد فامتثل أمر الخليفة وجاء بغداد فأنزله الخليفة في دار مفردة له في الغربية ووكل بخدمته حاجبه وأستاذ دار الخلافة ، ودعاه في اليوم الثالث على طعام في داره واستقبله حين قدومه إلى صحن الدار ، وأجلسه معه على سريره وكلّمه في أن يقبل نقابة الطالبيين بالبصرة ليزيل الفتنة والضغائن المتوالية بين أهل السنة والشيعة فامتثل أمره ، فكتب له الخليفة توقيع النقابة على الطالبيين بيده .
 قال في كتاب التوقيع : " بسم الله الرحمن الرحيم" الحمدلله


حمداً تَحْسُن به الشؤون وينجوا به الحامدون والصلاة والسلام على عبدالله الأكمل ورسول الله الأفضل سيدنا محمد الذي اختاره الله من أطهر الأصلاب وأشرف البطون وعلى آله وأصحابه العارفين بحقيقته ، العاملين بسُنّته .
 (أما بعد) من عبدالله القائم بالله أمير المؤمنين سدّد الله بالتوفيق والعناية أقواله وأفعاله ، إنه البَرُّ المُعين ، إلى العبد الصالح بركة الإسلام والمسلمين ناصر الإمام والدين خادم الشريعة المحمدية ، قُرَّةِ عين العترة الفاطمية ، يحيى بن ثابت بن حازم بن أحمد بن علي بن رفاعة حسن أبي المكارم المكي الحسيني الهاشمي ، أعاد الله نفعه ونفع أسلافه على المسلمين . أيها السيد المُشارُ إليه والمُعَوَّلُ عليه ، اعلم أن توقيعنا هذا وثيقة إمامية بيدك تعهد إليك مِنّا بالنقابة على الطالبيين بالبصرة وواسط والبطائح وما يليها من الأعمال ، تأمر فيهم وأمرك النافذ المُطاع ، وكل ما يُرفع منك للمقام الإمامي في شؤونهم فهو مقبولٌ يُعمَل بفحواه ويُحكم بمقتضاه ، والله الموفق المعين . حُرِّرَ هذا التوقيع وقُرِّرَ بدار الخلافة العامرة ببغداد دار السلام ، ختام عام خمسين وأربعمائة من الهجرة النبوية ، انتهى التوقيع المبارك.
 قال ابن أبي العشائر : فرجع السيد يحيى إلى البصرة وراية النقابة بين يديه ، وسَلَكَ السيرة الحميدة وأخمد نارَ الفتنة ، ولم يشتغل بهذه الدنيا الدَنيّة ، ولا زال على زهده وعبادته وصدقه مع ربه وتمكُّنه في دينه . إلى أن تُوفي عام ستين وأربعمائة ودُفن في البصرة بفم الدير وله مشهدٌ يُزار . ومن غريب ما نُقِل عنه من الكرامات الثابتة أنه كان جالساً على شاطئ نهر البصرة وقد أخذ الماء صَبياً دون العاشرة ، فلما رآه أشار بيده نحو الماء فسكن الماء فطفى عليه الصبي وهو يضحك ومشى على ظهر الماء حتى وصل البر فجرى الماء على عادته بإذن الله تعالى.
 وروى لنا من حِكَمِهِ شيخُنا الكبير عبدالملك بن حمّاد الموصلي بروايته عن الشيخ العارف بالله تعالى أبي بكر النجاري الأنصاري الواسطى أنه كان يقول : كان السيد يحيى الرفاعي


رضي الله عنه يقول : قوة نفوس العباد ظاهرة ، وبأنوار الذكر عامرة ، نفوس أبناء الآخرة كأنوارٍ زاهرة ، نفوس أهل الفتوى محجوبة بالهوى ، مشغوفة بزهرة الدنيا ، مغرورة بالجاه والكبرياء ، نفوس العلماء حية روحانية ، نفوس الحكماء حية روحانية ناطقة ، نفوس العقلاء حية عقلية برهانية ، نفوس الأولياء حيّة ملكية مسرجة بالعلوم اللدنية ، نفوس أهل المعرفة في أسرار الآلهية والهة ، نفوس الأنبياء قدسية حية باقية إلهية ، نفوس الملائكة عقول حيرة فاضلة ، نفوس أشخاص الكرسي نيِّرة زاهرة بالفيض الروحاني ، نفوس حملة العرش المقربين مشرقة بجود رب العالمين ، النفوس الإنسانية أشباح روحانية ، النفوس صور روحانية ولهما الحياة والإدراك ، فمهما تعلقت بالأجسام الفانية واغترت بالزينة الجسمانية تعذر لها الصعود إلى السموات العالية والجنان الخالدة ، وإن انهمكت في الشهوات واللذات بقيت في جملة الأموات ، النفوس الدنيوية عمياء محجوبة شقية ، نفوس أهل الكبر محجوبة عن الفكر والذكر ، نفوس أهل الفكر ثقيلة في الوزر ، نفوس أهل الكبر خطيرة الخطر والقدر ، نفوس أهل الحسد في عذابٍ سرمد ، نفوس المرائين مشغولة عن رب العالمين ، نفوس المرائين في عذاب مبين ، نفوس المرائين في هاوية سِجِّين ، نفوس المرائين في حزب الشياطين ، نفوس المغتابين شياطين ، نفوس أهل النميمة شياطين رجيمة ، نفوس الكذابين ممقوتة عند الخلق أجمعين ، نفوس الأشرار ترمي الشرار ، صحبة الأشرار داعية إلى البوار ، صحبة الأخيار سُلَّم لدار القرار ، صحبة الجاهل حِرمانٌ عاجل ، صحبة الجُهّال سلاسلٌ وأغلال ، صحبة العاقل سرورٌ كامل ، صحبة العالِم نعيمٌ دائم ، صحبة الصوفية تورث الحرية عن الشهوات الدنيّة ، عِشْرَةُ الحكماء الأبرار حياة نفوس الأخيار ، مؤاخاة الأولياء من أخلاق البررة الأتقياء ، صحبة أهل الكلام مَضَرَّة العوام ، صحبة فقهاء الزمن من


أعظم الآفات والمِحَن ، رؤية النبيّ نورٌ برهانيّ ، أصل الديانة العقل والعلم والحياة والأمانة ، شرف الدين إرادة الخير لجميع المسلمين ، كمال الإسلام كف الأذى عن كل الأنام ، الإسلام نورٌ عام ، إيمانُ المؤمنين هو التصديق لقول الأنبياء المخبَرين ، إيمان المتكلمين مُلَفَّق ببعض الأدِلَّةِ والبراهين ، إيمان فقهاء الزمن خيالٌ في السر والعلن ، إيمان أهل الجدل مشوبٌ بالزيغ والخلل ، إيمان أهل الظاهر ممثلٌ بالعشر الأواخر ، إيمان العارفين هو الحق المبين ، إيمان العارفين إيمانٌ كشفيٌّ برهانيّ يقين ، إيمان العُقلاء كإيمان الملائكة الفُضلاء ، إيمان العلماء كإيمان الكرام البررة الرُحَماء ، إيمان الأولياء تابعٌ لإيمان الأنبياء ، إيمان النبيّ إيمانٌ كُلّيّ ، إيمان الوليّ حقيقي ، النفوس المَلَكيّة تترك اللذة البدنية ، وحياتها الفكر والرؤية والعلم والحكمة ، أول الطريق هو الهداية والتوفيق والعمل بالخير على التحقيق ، الطريق الحق هو العلم والعمل والصدق . السَفَر نوعان ، سَفَر بالجسم وسفر بالنفس ، فسفر الجسم هو العلمي بالآلات والحركات ، وسفر النفس هو العلمي بآلة الفكر في حقائق ، ومن عكف على الحركة الأولى لم ينل كمالا ، ومن عكف على المحسوسات فهو في جملة الأموات ، ومن لم يدرك المعقولات فحياته اللذائذ الجسمانية ، الحركة العلمية عبادة كلية أبدية سرمدية ، العلوم البرهانية كمالٌ للإنسانية ، العلم سُلَّم العبد للنعيم وللنظر إلى وجه ربه الكريم ، لا عمل إلا بعلم ، ولا ورع إلا بعقل ، ولا صبر إلا بيقين المجاهدة ، مفتاح الهداية : كل شيءٍ سوى الله شاغل . انتهى.
 تزوج السيد يحيى بالأصيلة النجيبة عِلماً الأنصارية بنت المولى الجليل الشيخ الحسن أبي سعيد النجاري والد الشيح يحيى أبي سعيد النجاري الأنصاري (فأولدها عقد عمود هذا النسب الشريف مولانا السيد عليّاً أبا الحسن الرفاعي):
 ألا وهو السيد الشريف تاج الصالحين سلطان العارفين أبو المحامد العبد الصالح الشيخ الكبير الورع المقرئ العلاّمة


الفقيه البركة. ولد في البصرة سنة تسع وخمسين وأربعمائة وتوفى أبوه وعمره سنة واحدة وكفله أخواله الأنصار وبنو خالته بنو الصيرفي أمراء البصرة المشهورون وشب في حجر الزهد والتقوى وألبسه أبوه خرقته التي هي خرقة أهل البيت وهو في المهد وأمر والده ابن عمه السيد حَسَناً بإرشاده وكان كذلك ، فإنه قام بإرشاده بعد أن كبر وألبسه خرقة الوراثة كما لبسها عن أبي المترجم السيد يحيى نقيب البصرة فلا زال السيد علي يترقى في المعالي والكمالات حتى أخذ العلم والطريق عن جدِّه لأمه الشيخ الحسن موسى أبي سعيد النجاري شيخ البطائحيين ، وكان يتردد إلى البطائح لزيارة ابن خاله الباز الأشهب السيد منصور البطائحي الأنصاري الحسيني ثم أنه في سنة سبع وتسعين وأربعمائة سكن البطائح بأمر من الشيخ منصور. قال شيخنا الإمام جمال الدين الحدادي خطيب أونية ، وفي السنة المذكورة أعني سنة سبع وتسعين وأربعمائة زوج الشيخ منصور ابن عمته السيد علي أبا الحسن الرفاعي بأخته الشيخة الزاهدة العارفة بالله دُرَّة تيجان نساء عصرها أم البركات فاطمة الأنصارية. فأعقب منها سلطان العارفين شيخ الإسلام إمام الهدى السيد أحمد الكبير الرفاعي والسيد عثمان والسيدة ست النسب ، قلت وسيأتي ذكرهم إن شاء الله. قال الشريف ابن ميمون الحسيني في مبسوطه وكانت إقامة السيد أبي الحسن علي بنهر دقلى بلد الشيخ منصور ثم لما عظم أمره ونمى ذكره وكثرت أطرافه وأتباعه استأذن الشيخ منصوراً أن يفرد له رواقاً فأذن له فأنشأ رواقاً جليلاً بقرية حسن وأقام بها يضيِّف الوارد ويرد الشارد ويدعو إلى الله تعالى ، ولازال يعظم أمره في تلك الديار إلى أن جاءت سنة تسع عشرة وخمسمائة فوقعت الفتن الكثيرة بين أهل البدع وبين أهل السُنّة بواسط وكان أمام أهل السنة والمشار إليه بين طوائف الصوفية والزهاد ورجال العترة المحمدية صاحب الترجمة فأجمع الناس على سفره لبغداد ليكشف للخليفة المسترشد فساد


أهل البدع والباطنية وليحرضه على إحياء السُنّة ومحو البدع فتوجه لبغداد ونزل ببيت الأمير مالك بن المسيب برأس القرية محلة ببغداد وقد كتب بشأنه للخليفة ما يلزم أن يكتب عماد الدين زنكي صاحب واسط فأعزّه الخليفة ورفع مكانه ولكن لم يقدر على إزالة شر أهل البدعة وتعلل باستفحال أمر السلطان محمود بالعراق ، فقال به السيد علي المترجم قدس سره أخشى عليك يا أمير المؤمنين فإنك إن لم تجدع أنف البدعة يحيط بها أهلها وكم جدعت البدعة أنفاً ، فسكت المسترشد ولم يرد جوابه وقام من مجلسه إلى المنزل الذي هو فيه منزعج الخاطر فحُمَّ في تلك الليلة ، وبعد مضي أسبوع من مرضه توفي فعمل له الأمير مالك مشهدا برأس القرية وهو إلى الآن يُزار ويُتبرك به وله منزلة في قلوب العامة ، ومن سره العجيب أن المسترشد سنة تسع وعشرين وخمسمائة يوم الأحد سابع عشر ذي القعدة السنة التي كان الحرب فيها بينه وبين السطان مسعود ، وثبت الباطنية عليه في خيمته فقتلوه وجدعوا أنفه وأذنيه ومثلوا به فكان أهل القلوب يقولون قد ذكر هذه القصة صاحب الترجمة من طريق الكشف للخليفة قبل عشر سنين ، ويقال أنه قبل وفاته أنشد قّدس الله سره :
       عجباً لِحظِ المخلصين بنُصحِهِمْ            لازال فيهم تعبـثُ الأكــدارُ
        كالشمعِ يسمحُ للأنامِ بنــورِهِ            وتمسُّهُ من ذا الصنيعِ النـارُ
       ويُقال أنه كان يقول وهو يجود بروحه المباركة ، آمنت بالله حسبي الله. وبرواية شيخنا العارف بالله عبدالملك بن حماد الموصلي قدس سره أن السيدة الصالحة فاطمة الأنصارية زوجة السيد أبي الحسن علي الرفاعي شكت لأبيها الإمام العارف بالله يحيى النجاري زوجها السيد علياً أبا الحسن أنه يغيظها فغضب لذلك وكان الشيخ مُجاب الدعوة ، ففي ذلك اليوم دخل السيد علي أبو الحسن رواق خاله الشيخ يحيى وحضر في غرفته بين يديه فأعرض عنه الشيخ يحيى ، فما مضى يسير من الوقت إلا وقام بين يدي السيد


علي وأعظم شأنه فتعجب أصحاب الشيخ يحيى من ذلك فقال لأصحابه أظنكم تتعجبون من حالي مع ابن أختي قالوا بلى والله أي سيدنا فقال والله كان في نفسي أن أبادره بدعوة تسد عليه طريقه وتخرق الحجب ولكن خفت من الدُرَّة اليتيمة التي في صُلبه ، قالوا وما الدُرَّة قال في صُلبه ولدٌ اسمه أحمد يكون سيد المقربين إلى الله وتنتهي إليه نوبة الوراثة المحمدية . وفي هذا الخبر المبارك سرٌّ صريح يُفصح عن مقام الشيخ يحيى وقوة كشفه ويُعرب عن علو مرتبة سيدنا السيد أحمد وعظيم منزلته رضى الله عنهم أجمعين.
 (وقد عُلم أن العقد الأشرف الطاهر الجامع لجميع المفاخر المعوّل عليه في عمود هذا النسب الشريف هو غوث الأمة ومقتدى الأئمة علم الأعلام شيخ الإسلام بركة الخواص والعوام حجة الله على أوليائه الكرام سيدنا ومولانا وشيخنا وبركتنا الذي شرفنا الله بطريقته وعصمنا بحبله ووفقنا لتدوين هذا المختصر المبارك لأجله ، أبو العباس محيي الدين السيد أحمد بن السيد أبي الحسن علي المتقدم الذكر الكبير الرفاعي رضي الله عنه):
 قال شيخنا الإمام البحر الطام عبدالكريم بن محمد الرافعي القزويني رضي الله عنه في مختصره سواد العينين حدثني كل من الشيخ الإمام الحُجَّة عمر أبي الفرج عز الدين أبي أحمد الفاروثي والشيخ الإمام المُعَمِّر محمد بن عبدالسميع الهاشمي الواسطيَّين ، أن السيد يحيى الرفاعي الحسيني جد سيدنا السيد أحمد لأبيه هو أول قادم من هذه العصابة إلى العراق ، وصل من المغرب إلى البصرة عام خمسين وأربعمائة واشتهر فيها بالزهد وعلوِّ الهِمَّة وكمال المعرفة والولاية الكبرى ، ثم بعد مدة تزوج بالأصيلة الطاهرة علما الأنصارية بنت وليِّ الله الحسن النجاري والد الشيخ الإمام أبي سعيد يحيى النجاري فأولدها السيد عليّاً أبا الحسن والد السيد أحمد أبي العلمين الكبير ، فلمّا كبر قدم البطائح وسكن أم عبيدة وتزوج ببنت خاله الست فاطمة أخت القطب الأهيب الباز الأشهب شيخ الشيوخ منصور البطائحي


الرباني وبنت الشيخ الإمام يحيى النجاري وينتهي نسب آلهم إلى الصحابي الجليل سيدنا خالد أبي أيوب الأنصاري النجاري فأنجبت للسيد علي أبي الحسن أولاداً أعظمهم قدراً وأرفعهم ذِكراً سيدنا السيد أحمد الرفاعي الكبير. وُلد رضي الله عنه سنة اثنتي عشرة وخمسمائة ونشأ في حِجر خاله فأدَّبَه وهذَّبَه وتلقى عن خاله الطريقة وعلم التصوف ولبس خرقته وأخذ عنه علوم الشريعة وتفقَّه على الشيخ أبي الفضل على الواسطي المعروف بابن القارئ وعن جماعة من أعيان الواسطيين منهم خاله الصوفي الجليل شيخ وقته سلطان العلماء والعارفين الشيخ أبو بكر الواسطى أخو الشيخ منصور ، وانتهت إليه الرئاسة في علوم الشريعة وفنون القوم وخدمة الأئمة والفقهاء والملوك والخلفاء ، وانعقد عليه إجماع الطوائف وقال بتقدُّمِهِ على جميع رجال عصره الموافِقُ والمخالِف ، وأطبق على علوِّ قَدَمِهِ ورفعة رُتبته وكرم خلقه وترقيه عن منزلة القطبية الكبرى والغوثية العظمى جحاجحة الأرض المقدسة الحجاز والشام . واعترف رجال وقته بالعجز عن درك منتهاه في السير وقال بذلك الخواص منهم والعوام وقال فيه الشيخ منصور ، وزنته بجميع أصحابي وبي أيضاً فَرَجَحَنَا جميعا ، ويكفيك أن من أصحابه الشيخ حَمَّاداً الدبَّاس البغدادي أجلُّ أشياخِ الشيخ عبدالقادر الجيلي والشيخ عثمان البطائحي والشيخ خميس والشيخ مكي الطستاني وأمثالهم وعدَّ نفسَه الزكية أيضا. ويعجبني ما قال فيه الفيروز أبادي مفردا:
              أبا العلمين أنتَ الفردُ لكن                إذا حًسِبَ الرجالُ فأنتَ حِزْبُ
   ثم قال ، حدثني الشيخ الإمام أبو شجاع الشافعي فيما رواه قائلاً كان السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه عَلَماً شامخاً وجبلاً راسخاً وعالِماً جليلاً مُحدِّثاً فقيهاً مُفسِّراً ذا رواياتٍ عالياتٍ وإجازاتٍ رفيعات ، قارئاً مُجوِّداً حافظاً مجيداً حُجَّةً رحلةً متمكِّناً في الدين سهلاً على المسلمين صعباً على الضالين هيِّناً ليِّناً هَشَّاً بَشَّاً لَيِّنَ العريكة حَسَنَ الخَلْقِ كريمَ الخُلُقِ حُلْوَ المكالمةِ لطيفَ المعاشرة


لا يمله جليسه ولا ينصرف عن مجالسه إلا لعبادة ، حَمُولاً للأذى ، وفيّاً إذا عهد ، صبوراً على المكاره ، جواداً من غير إسراف متواضعاً من غير ذلة ، كاظِماً للغيظ من غير حِقد ، أعلم أهل عصره بكتاب الله وسنة رسوله وأعملهم بها ، بحراً من بحار الشرع ، سيفاً من سيوف الله وارثاً أخلاقَ جده رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال شيخنا الإمام المُحدِّث الحافظ الكبير عزالدين أحمد الفاروثي في رسالة له سماها النفحة المسكية في السلالة الرفاعية الزكية عند ذكر السيد أحمد رضي الله عنه واتصاله برسول الله صلى الله عليه وسلم.
       متى ما قِيلَ نجمُ الصبحِ حيا            تعيَّنَ أنَّ مركزَهُ السمــــــــاءُ
يريد أنك متى قلت السيد أحمد الرفاعي تعين أنه مِن أجلّ آل رسول الله صلى الله عليه وسلم لاشتهاره في المشارق والمغارب والأعاجم والأعارب وفي جميع البلاد المعمورة والبوادي المذكورة، ثم قال وأشهر من شمس الظهيرة ما ثبت لسيدنا السيد أحمد الرفاعي من النسبة الواضحة المحمدية والوصلة المسلسة الحسينية متواتراً في جميع الأمصار والنواحي والأقطار ولست بقائل ما قلته على وجه إقامة الدليل :
          فليسَ يصحَّ في الأذهانِ شيءٌ           إذا احتاجَ النهارُ إلى دليــــلِ
وإنما هو لذاذةٌ بذكره وشمامةٌ من عطره ، كيف لا وقد شهد له نبينا سيد العجم والعرب بصحة الوصلة والنسب وذلك عام حجه رضي الله عنه حين وقف تجاه الحجرة العطرة النبوية وقال السلام عليك يا جدي ، فقال له عليه أفضل صلوات الله: (وعليكَ السلامُ يا ولدي) فتواجَدَ لهذه المنحةِ الجليلة وقال مُنشِداً :
في حالةِ البُعدِ روحي كنتُ أرسِلُها
وهذه دولةُ الأشباحِ قد حضرت


تقبِّلُ الأرضَ عَنِّي وهي نائبتي
فامدُدْ يمينَكَ كي تحظى بها شفتي

       فمدَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم يده الشريفة من قبره الكريم فقبلها


في ملأ يقرب من تسعين ألف رجل والناس ينظرون يد النبي صلى الله عليه وسلم ويسمعون كلامه، قال والدي نفعنا الله به وقد كان والدي عزالدين عمر الفاروثي قُدِّس سِرُّه من حجاج ذلك العام وشاهد ذلك بعينه وقال كان مع الزوار فيمن حضر الشيخ حبوة بن قيس الحَرَّاني والشيخ عبدالقادر الجيلي المقيم ببغداد والشيخ عدي الشامي وشاهدوا ذلك هم وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين وقد أدركتُ بحمد الله خمسة رجال من حجاج ذلك العام ومن الذين تشرَّفوا بذلك المشهد الكريم نفعنا الله بهم.
    وبالسند الصحيح إلى شيخنا الشيخ منصور البطائحي الرباني رضي الله عنه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول له يا منصور أبشرك أن الله تعالى يعطي إلى أختك بعد أربعين يوماً ولداً يكون اسمه أحمد الرفاعي مثل ما أنا رأس الأنبياء كذلك هو رأس الأولياء ، وحين يكبر فخذه إلى الشيخ علي القارئ الواسطي وأعطه له كي يربيه لأن ذلك الرجل عزيزٌ عندالله ولا تغفل عنه قال فقلت له الأمر أمركم يا رسول الله عليك الصلاة والسلام وكان الأمر كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بشَّر به قبل ولادته بسنين أكابر الأولياء وانتظر ظهوره أماجد الأصفياء وأمروا إخوانهم إذا رأوه وصاروا في زمانه أن يعرفوا حق حرمته وعظيم منزلته وقالوا أنه صاحب الوقت والزمان والدولة له ولذريته إلى يوم القيامة وقالوا أنه متى ظهر يغلق أبواب الصالحين ويصير الوقت له ولأهله وتحكمه وتصرفه يصل إلى مرتبة عظيمة يضرب داغسه على جبهات الذراري في أصلاب الآباء وسيسلك طريقاً لم يسلكها أحد قبله ولا بعده وهي طريق الذل


والإنكسار والمسكنة والافتقار والخضوع والحيرة ، ولم يكن في الطرق إلى الله أعظم وأصعب منها. وممن بشر به بالأسانيد الصحيحة الثابتة الشيخ الكبير تاج العارفين أبو الوفاء والشيخ أحمد كنز العارفين الزاهد والشيخ نصر الهماماني والشيخ أحمد بن خميس والشيخ أبو بكر النجاري الأنصاري والشيخ منصور الرباني البطائحي وغيرهم رضي الله عنهم والذين عددتهم لك وعرفتهم غصت بفضائلهم الأوراق وانتشر صيتهم في الآفاق وقال جمٌّ من أهل الولاية بعلوِّ مرتبته عن الغوثية والسلطنة وأن له عندالله منزلةً لا يعرفها أحد من رجال عصره وأنه كان في حضرة الحبيب. وقال القطب الرباني الشيخ عبدالقادر الجيلاني والشيخ اليعقوبي وغيرهما من رجال وقته في شأنه أنه رجل لا يُعَرَّف ولا يُحدّ ولا يصل إلى مرتبته أحد. وأما أخلاقه فقد وافقتها أعراقه طاب أصلاً وخَلْقاً وحالاً وخُلُقا ، كان خُلُقُهُ السُنَّة المحمدية ومشربه الحالة النبوية لم يُعهد ولم يُسمع في طبقات القوم من بعد الصحابة وأئمة الآل رضي الله عنهم عن أحد من الرجال أنه بلغ ما بلغه قُدِّست أسراره من الصفا والزهد الصدق والتواضع والانكسار والحيرة والافتقار ، أتى بكل أخلاق أهل عصره وعباداتهم ولم يأت كلهم بكل أخلاقه وعباداته وجاء بكل كراماتهم ومناقبهم ولم يجئ كلهم بكل كراماته ومناقبه ، فالحمد لله الذي مَنَّ علينا باتِّباعه وجعلنا من أتباعه.
      ثم قال الفاروثي قدس سره ( وليعلم أن السيد أحمد رضي الله عنه) تزوج في بدايته بالشيخة الصالحة الست خديجة بنت سيدي أبي بكر أخي الشيخ منصور الرباني ابن سيدي يحيى النجاري الأنصاري فأولدها السيدة فاطمة والسيدة زينب رضي الله عنهم أجمعين ، ثم توفيت فتزوج بعدها بأختها الصالحة الزاهدة العابدة الست رابعة فأولدها السيد صالحاً رضي الله عنه ، وقد توفي قطب الدين صالح المذكور رضي الله عنه في حياة أبيه ولم يتزوج ودفن في قبة جده سيدي يحيى النجار.
    وأما السيدة فاطمة بنت


السيد أحمد الكبير فقد زوجها أبوها بابن أخته وابن ابن عمه السيد علي مهذب الدولة شيخ وقته قطب الزمان ولي الرحمن بن عثمان فأعقبت له الأستاذ الأكبر والعلم الأشهر غوث زمانه بحبوحة الكرم عظيم الهمم القطب الأقرب أبا الفقراء سيدنا محيي الدين إبراهيم الأعزب رضي الله عنه والسيد نجم الدين أحمد الأخضر وتوفيت ولم تخلف غيرهما ، وتزوج بعدها بنفيسة بنت سيدي محمد بن القاسمية فأولدها السيد إسماعيل والسيد عثمان والسيدة عائشة والسيدة زينب والسيدة خديجة والسيدة فاطمة وعقبهم معلوم.
     وأما السيدة زينب بنت سيدنا السيد أحمد الكبير فقد زوجها أبوها رضي الله عنه بابن أخته وابن ابن عمه صاحب القدم السابق والشرف الباسق والخلق الكريم والقلب السليم ممهد الدولة والدين سيدنا السيد عبدالرحيم بن عثمان رضي الله عنه فأولدها السيد شمس الدين محمداً والسيد قطب الدين أحمد والسيد أبا الحسن عليّاً والسيد عزالدين أحمد والسيد أحمد أبا القاسم والسيد أبا الحسن والسيدة عائشة والسيدة فاطمة ثمانية ذكور ، هم ستة وإناثهم اثنتان كما في الترياق .
    وزينب هذه رضي الله عنها أم الرجال تزوج ولدها السيد شمس الدين محمد بالسيدة خديجة بنت سيدنا السيد علي بن عثمان فأعقب السيد أحمد وكبر السيد أحمد هذا وتزوج وأعقب السيد أبا القاسم والسيدة خديجة والسيد عبدالله ولكُلٍّ شعبة وأهل.
     ثم أن السيد قطب الدين أحمد بن السيدة زينب تزوج أيضاً وأعقب السيد نجم الدين يحيى والسيدة فاطمة ولهما ذرية ثم أن ولدها الثالث السيد أبا الحسن علي الملقب بعبدالمحسن تزوج فأعقب السيد شرف الدين أبا بكر والسيد علي أبا الحسن والسيدة العابدة نسب ، فأعقب أبو بكر السيد أحمد وأعقب السيد أحمد هذا أبا الفضائل السيد عليا.
    وأما السيد علي أبو الحسن ابن السيد عبد المحسن أبو الحسن علي فإنه سكن قرية حرير من أعمال البصرة وهاجر إلى الشام وتزوج بأرضها


وله ذريه وتخرج بصحبته جمٌّ غفيرٌ من الرجال ومنهم الشيخ علي أبو محمد الحريري بن أبي الحسن بن منصور المروَزيّ رحمه الله.
   قلت وقد كان ابن منصور هذا على حال إلا أنه قد غلبت أحواله عليه فما قدر على قبض لسانه فقيل فيه ما قيل ثم إن ولد السيدة زينب الرابع مولانا السيد عزالدين أحمد الصغير تزوج وأعقب السيد سيف الدين عثمان ولم يعقب غيره ثم إن ولدها الخامس السيد أبا القاسم عزالدين أحمد الكبير ويلقب بالصياد هاجر من العراق إلى الحجاز ثم إلى اليمن ومصر وتزوج فيها من آل الملك الأفضل وأعقب بها السيد عليّاً وتركه عند أخواله وهاجر إلى الشام كل ذلك خيفة الشهرة ولكيلا يشتغل بالخلق عن الخالق وسكن في نهايته قرية يقال لها متكين من أعمال مَعَرَّةَ النُعمان من أعمال حلب سكنها حتى مات وتزوج فيها وأعقب السيد موسى وُقال له الكبير والسيد صدرالدين علياً والسيد شمس الدين محمداً والسيد أحمد أبا بكر وترك في العراق ولداً له سماه السيد عبد الرحيم.
    وقد اشتهر أمر السيد أحمد عزالدين أبى القاسم الصياد ويقال في الشام له أبو علي وفي اليمن أبو الخير وقد حمله جده بيده وعظم شأنه وبُشِّرَ به وأثنى عليه وقال فيه ستكون له دولة عظيمة وتزوره الأسود ثم إن ولد السيدة الجليلة زينب السادس سيدنا محمد أبى الحسن تزوج في أم عبيدة وأعقب السيد شمس الدين محمداً إمامَ الوقت ، فأعقب السيد شمس الدين الشيخ الأجل السيد تاج الدين والسيد أحمد أبا الحسين ولكلٍّ منهم عقبٌ وذرية صالحة شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء انتظم فيها أكابر الأقطاب وأقطاب الأولياء رضي الله عنهم وعنا بهم آمين.
    هذا ما لخصته لك من آل الرفاعي الذين تؤول نسبتهم إلى سيدنا ومولانا السيد أحمد الكبير من بنتيه الكريمتين زوجتي ولدي أخته وابني ابن عمه فما أعلاها من نسبة اتصلت من كل جهة بالرسول العظيم والنبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأجلّ التسليم ، زكت فروعاً وأبناء وعلت أصولاً وآباء.


   نسبٌ كأن عليه من شمس الضُحى                   نوراً ومن فلق الصباحِ عمودا
انتهى.
 (فائدة) قال الشريف الكبير علي أبو محمد بن الشريف حسن أمير المدينة المنورة الحسيني رحمه الله ونفعنا به وبأسلافه الطاهرين في مقدمة كتابه البهجة الصغرى الذي أُلِّفَ في مناقب سيدنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه قال لي والدي وباعث شرفي وبركتي تاج الأشراف الكرام أمير مدينة سيد الأنام الشريف الكبير حسن بن محمد الحسيني رحمه الله ظهر في أم عبيدة بواسط العراق رجلٌ من العرب يتحدث الناس بكراماته وأقواله في الشريعة والحقيقة واشتُهر بالكرامات والعنايات والبركات وأقرت له بالولاية الجهابذة السادات واتفق علي تفرده في عصره أهل العلم والصلاح ، فسألت عنه فقيل لي هو رجلٌ من العرب من بطن بني رفاعة اسمه أحمد بن أبى الحسن الرفاعي ، فعظم ذلك عليّ وقلت في خاطري هذا أمرٌ عجيب فإن الفتح الذي يبلغنا عنه لا يكون إلا لأهل البيت والذين بلغوا أدنى من هذا الفتح من الأولياء ما بلغوه إلا بواسطة أهل بيت النبوة وبعد خدمتهم والإنتساب إليهم حصل لهم ما حصل من الفتح والبركة كإبراهيم بن أدهم وأبي يزيد البسطامي وغيرهما من أولياء الكون ، وهذا الرجل لا نعرفه ولا يعرفنا ونرى أن أسراره تشابه أسرارنا وإذا ذُكر عندنا تحن إليه قلوبُنا ويتحرك دمنا. وقد قيل
                إنْ غابَ عنكَ الآن أصلُ الفتى          ففِعلُهُ كافٍ عن البحــــثِ
وهذا الرجل أفعاله تدل علي أنه من هذا الشجرة المطهرة ، فلما تزايد هذا الفكر عندي كتبت إليه كتابا وشوقته به لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم وكان القصد الإطلاع على حقيقة أمره فلما وصل إليه الكتاب كتب أنه في عامه القابل عازمٌ إن شاء الله على أداء فريضة الحج وزيارة سيد المخلوقين صلى الله عليه وسلم ، وكان ذلك فإنه في العام الثاني وهو عام خمس وخمسين جاء إلى الحجاز فأدى فريضة الحج ووصل المدينة المنورة على ساكنها أفضل


الصلاة والسلام وكان بمعيته من فقراء طريقته ومحبيه خلقٌ لا يُحصى عددهم وقد انضم له قومٌ من الشام والحجاز واليمن والمغرب وغيرها حتى أن القافلة التي دخل بها المدينة المنورة تجاوزت تسعين ألفا ، وكان في القافلة المباركة المذكورة جماعة من أكابر أولياء العصر كالشيخ عدي بن مسافر الشامي والشيخ أحمد الزعفراني الواسطي والشيخ حيوة بن قيس الحراني والشيخ عبد القادر الجيلاني البغدادي والشيخ عبد الرزاق بن أحمد الحسيني الواسطي والشيخ كنز العارفين أحمد الزاهد الأنصاري ابن الشيخ منصور البطائحي الرباني وجماعة ، فلما وصل الحرم الشريف النبوي وقف تجاه حجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقد امتلأ الحرم المبارك بالزائرين وأكابر الرجال وراء ظهره صفوفا وكان أقربهم لديه من أتباعه الشيخ يعقوب بن كراز رضي الله عنه العبيدوي والإمام الفقيه الشيخ عمر بوالفرج الفاروثي الواسطي والشيخ عبد السميع الهاشمي العباسي ، وكان ذلك بعد صلاة العصر يوم خميس فأطرق رضي الله عنه وقال على رؤوس الأشهاد ، السلام عليك يا جدي ، فقال له عليه الصلاة والسلام من قبره المبارك ، وعليك السلام يا ولدي ، سمع ذلك كل من حضر ، فلما مَنَّ الله عليه ( أي على رسوله) صلى الله عليه وسلم بالجواب جهراً تواجد ( أي السيد أحمد الرفاعي) وارتعد واصفرَّ وبكى وأنَّ وجثي على ركبتيه. ثم قام وقال يا جداه

في حالةِ البُعد روحي كنتُ أُرسِلُها  
وهذه دولةُ الأشباحِ قد حضرت


تقبِّل الأرضَ عني وهي نائبتي
فامدُد يمينَك كي تحظى بها شفتي

فانشق تابوت الرسالة ومَدَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم يده الشريفة إلى خارج الشباك النبوي فقبلها والناس ينظرون ، وقد كادت تقوم قيامة الناس لما حل بهم من سلطان الهيبة المحمدية ، وقد كنتُ بالجانب الغربي من الحرم فكدت أموت جزعاً لبعدي عن الحجرة النبوية ووالله أني رأيتها حين خرجت من القبر كالصقيل اليماني.
 وأخبرني الشريف نميلة الحسيني

القاضي وهو ثقة أنه سمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم للسيد أحمد حين كانت يده الكريمة بيده وأنه يقول له عليه الصلاة والسلام :" اصعد المنبر والبس الزي الأسود وعظ الناس فإن الله نفع بك أهل السموات وأهل الأرض وهذه البيعة لك ولذريتك إلى يوم القيامة". وقال لي الشريف نميلة المذكور : رأيت اليد الطاهرة وذراعها المبارك الشريف مكونا من نور والكف المبارك طويل الأصابع أبهج من البرق المنير وكذلك قال كل من حضر في الحرم الشريف النبوي ، ولما آن انصراف السيد أحمد من حضرة الحضور ، اضطجع في باب الحرم وسأل الناس أن يدوس كل منهم عنقه برجله تواضعاً وانكساراً فتخطّ العامّة عنقه المبارك وانصرف الخاصة من أبواب أُخَر ، ثم إني في اليوم الثاني دعوته إليّ وقد عظم أمره لديّ ، فحضر عندنا وبعد أن استقرَّ به الجلوس التفت إليّ وكاشفني بما في ضميري قائلاً : يا شريف أتشك في أمر ابن عمك ، فقلت : يا سيدي إن جدنا صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر ، قال : صدقت ، سل ما بدا لك ، فقلت: أي سيدي من أي القبائل أنت ومن أي بطون العرب وإلى أي عصابة تنتمي وتنتهي؟ فأمر أصحابه فأتوا بصحيفة مكتوب فيها نسبه الشريف وعليها خطوط العلماء والأشراف والسادات والأمراء وملوك المغرب والعراق والحجاز وهو مكتوب اسمه بذيلها على عادة المشجرات ، فتلوناها في حرم رسول صلى الله عليه وسلم وشهد على مضمونها الألوف من المسلمين ، وقد دل مضمونها على أن صورتها معلقة في الكعبة بأمر الهواشم ، ولها صورة أخرى في خزانة آل عبيدالله الأعرج الحسيني أمراء المدينة المنورة ، فحمدت الله تعالى على أن مَنَّ علَيّ بمعرفته وجعلني من محبيه وشيعته وقد أخذ علَيّ العهد والميثاق وألزمني طريقته المباركة نفعني الله به والمسلمين.
    (وكان رضي الله عنه) سيد أهل الحقيقة والشريعة في عصره وإمام الوقت حسينيّ النسب محمديّ القَدَم والمشرب انتهت إليه مكارم الأخلاق وبلغت


عدة خلفائه وخلفائهم مائة وثمانين ألفا منهم الشيخ عبدالله أبوالحسن البغدادي والشيخ فضل البطائحي والشيخ يوسف الحسيني السمرقندي والشيخ أبو حامد علي بن نعيم البغدادي والشيخ حيوة بن قيس الحراني والشيخ عمر الهروي الأنصاري والشيخ أبو شجاع الفقيه الشافعي والشيخ عمر الفاروثي والشيخ جمال الدين الخطيب الحدادي وخُلَّص العصر رضي الله عنهم (ونسبته المباركة) نصها أنه السيد أحمد ابن السيد علي أبي الحسن دفين بغداد ابن السيد يحيى نزيل البصرة القادم من المغرب ابن السيد الثابت ابن السيد الحازم ابن السيد أحمد ابن السيد علي ابن السيد أبي المكارم رفاعة الحسن المكي نزيل بادية اشبيلية بالمغرب ابن السيد أبي القاسم محمد ابن السيد أبي الحسن رئيس بغداد ابن السيد الحسين المحدث الرضي ابن السيد أحمد الأكبر ابن السيد أبي شيحة موسى الثاني ابن الأمير الكبير إبراهيم المرتضى ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين علي ابن الإمام الحسين سبط النبي صلى الله عليه وسلم ابن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه وعليه السلام (وللسيد أحمد رضي الله عنه اتصال بالإمام الحسن وبالإمام سيدنا أبي بكر الصديق وبسيدنا خالد أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهم من الأمهات) وقد أشار إلى كل ذلك الإمام جمال الدين الحدادي خطيب أونية بقوله :
تَسَنَّمْ مِن سَنامِ الكَوكبَينِ
إذا فَخَرَتْ رجالُ بني رِجالٍ
أبو العَلَمَينِ والأعلامُ دانَتْ
وسَّدتَ اليومَ أهلَ الأرضِ طُرّا
لكَ العليا ارتفِعْ يا ابنَ الرفاعي
سَبَرْتَ المشرِقَينِ هُدى وفضلا
 

علاك مكانةً في البرزَخَينِ
فأنتَ القرمُ فخرُ بني الحُسَينِ
لِمجدِكَ يا سِراجَ الحضرتَينِ
وقد طاولتَ ريف الرفرَفَينِ
فأنتَ زعيمُ شُمِّ الأبطحَينِ
أضاءَ كِلاهُما في المغرِبَينِ




وبيَّضتَ القُلوبَ بصُبحِ رشدٍ
أغوثُ الخافِقَينِ فدتكَ روحي
بك انشرحَ الصدورُ ولا عجيبٌ
ورثتَ وصيَّةَ الطُهرينِ فينا
وعامُكَ مُلتقى البحرين هذا
وقفتَ بقُبَّةِ المُختارِ ترجو
فمدَّ لك اليمينُ لدى أُلُوفٍ
غُبِطْتَ وأنتَ مَوصولُ الأماني
وقُمتَ على المَحَجَّةِ بانكسارٍ
وحفَّتْكَ العِنايةُ من يمينٍ
بهِجتَ بمرطِها من غيرِ نَدٍّ
ورُحتَ من العراقِ على يقينٍ  
 

تبجّحَ من سوادِ المُقلَتَينِ
نعم وأنا رقيقكُ قبلَ عَينِ
لأن أباكَ روحُ النشأتَينِ
وقد حلَّيتَ رمز القبضتَينِ
لبِستَ به طِرازَ الدولتَينِ
تجاه القبرِ لثمَ الراحتَينِ
رآها كُلُّهُم عَيناً بعَينِ
برَومِكَ غير مَرميٍّ بعَينِ
وذُلٍّ بعدَ نيلِ العِزَّتَينِ
لها تبعت فيوضُ الصاحبَينِ
ولم تلوي إلى ورقٍ وعَينِ
بنيلكَ فضلَ مولى العالمَينِ

وعُدْتَ مِنَ الحِجازِ أمينَ عهدِ النبيِّ على طوى عقدِ اليدَينِ

وسِرْتَ وفي رِكابِكَ كلُّ قُطبٍ
وعنكَ انحطَّ يافوخُ المعالي


ودون سناكَ قُطبُ النَيِّرَينِ
كما بك طالَ مجدُ العنصُرَينِ

أبوك السيد العلويُّ تاجُ العشيرةِ يعربيُّ الدوحتَينِ

وأمُّكَ زانها الأنصارُ كرشى
نماها الأنجبُونَ وكلُّ شيخٍ
نحت من أمها العرج الأعالي
جحاجحةُ العراقِ بني حُسينٍ


ببُردٍ من إمامِ القِبلتَينِ
أقام قنى الثنا في الأبرَقَينِ
صدورُ صديرها والجانبَينِ
ويفخرُ مُخولٍ ببني حُسَينِ

وخالُكَ شيخُنا المنصورُ ربُّ الخوارِقِ روحُ جِسمِ المشرِقَينِ

فلِلحسنَينِ والأنصارِ تُعزى
ورُحتَ بصادقِ الأقوالِ تنمى
وأنتَ اليومَ جاذبةُ التجلِّي


بوالدةٍ وعِرقِ اليحيوَينِ
إلى الصدِّيقِ جَدُّكَ مرَّتَينِ
ومقبولُ الرجا في الساحتَينِ



 

حثثنا نحو بابِكَ يعملاتٍ
وزُرنَ القُبَّةَ البيضاءَ فيها
وانا شيعةٌ لك يا ابن طه
وهل يُدرى على الغبرا إمامٌ
فخُذْ بيدِ الضِعافِ فقد دَهَتهُم
ودُمْ شرَفَ البريَّةِ مُقتداها
تؤمُّ حِماكَ مُثقلةَ المطايا
وصلى الله إعظاماً على مَن
رسولٌ كان في العُليا نبيّاً
وآلٍ والصِحابِ أخُصُّ منهم
وأنتَ وأهلُكَ السبّاقُ فينا 
 

فرَينَ خِفافَ عوجِ المقدمَينِ
رحيب الباع زاكي النسبتَينِ
بصِدقٍ قام بين الأعوَجَينِ
سواكَ له تُراثُ الموسيَّينِ
 مِنَ الأوزارِ عَينٌ أيُّ عَينِ
 إمامَ الدينِ قرةَ كلِّ عَينِ
كما أمَّتْ بِطاحَ الأخضرَينِ
جلا عتَمَ الضلالِ بضَوءِ عَينِ
وآدم بين نسجِ الجَوهرَينِ
ذوي بدرِ الوغى وذوي حُنَينِ
أمان الأرضِ عَيناً بعد عَينِ

( وقد أحسن الخطيب الحدادي) وشفى الغليل بهذه القصيدة المباركة وله الفخر والشرف بأن شرف شعره بمدح هذا السيد الجليل الشريف الأصيل رضي الله عنه قال ابن المؤيد النقيب الواسطي في مبسوطه نسب بني رفاعة وعقبه الحسيني المكي المغربي ثم البصري ثم الواسطي نسب صح اتصاله برسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل الآفاق وثبت لدى إجماع أفاضل المسلمين الصادقين في الحجاز والمغرب والشام والعراق لا يشك فيه الأوائل والأواخر رجل يؤمن بالله واليوم الآخر نعمت الشجرة ونعمت الثمرة والسلام ، انتهى. وقال في الحجة البالغة جمع الله لشيخنا السيد أحمد الرفاعي الواسطي فواضل وفضائل ما سمعنا بها لغيره من الأولياء أبدا وقد ثبت حسن خلقه وتمسكه بسنة جده صلى الله عليه وسلم بالتواتر ، انتهى . وفيه يقول القائل :


علا حتى سما هامَ الثُريّا
قد اشتاقت مراتِبَه الأعالي
 

ودون مقامِهِ جبلٌ شسوعُ
ولكن أين من هو يستطيعُ

سلامُ الله يشمله ويهدي
 

له ما أنجد البرقُ اللموعُ








انتهى. حدثنا الشيخ عزالدين الفاروثي قدس سره أنه كان يحدث الناس بدمشق بشيء من كلام السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه وكان في طرف المجلس رجل فطن من نصارى لبنان فداخله أمرٌ عظيم من غرائب كلمات الحضرة الرفاعية فقام من المجلس وأنشد :
دليلٌ على أن النبيَّ محمدا
ولو كنتُ أبغى نسبةً غير مِلَّتي
 

فتاهُ الرفاعيُّ الإمامُ المُهذَّبُ
لما كنتُ إلا للرفاعيِّ أُنسبُ

       فكبّر المسلمون وضجوا بالبكاء وهذه القصة شبيهة بقصة بعض النصارى حين أنشد يمدح الممدوح عليّاً عليه السلام بقوله :
عليٌّ أميرُ المؤمنينَ حقيقةً
ولو كنت أبغى مِلّةً غير مِلَّتي
 

وما لسواهُ في الخِلافةِ مطمَعُ
لما كنتُ إلا مُسلماً أتشيَّعُ

والفضلُ ما شهدت به الأعداءُ.  أ. هـ . قال الإمام علي أبو الحسن الحدادي قدس سره في كتابه ربيع العاشقين بعد أن ذكر نسب سيدنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه مسلسلاً من أبيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
* ونسب سيدنا المشار إليه لأمه : فهو ابن ولية الله العارفة الزاهدة العابدة فاطمة الأنصارية أخت الباز الأشهب والترياق المجرب الإمام العارف بالله صاحب وقته ذي الكاس النوراني والفتح الصمداني شيخ الطوائف منصور الزاهد البطائحي الرباني لأبويه وأبوهما العارف الكبير الشيخ يحيى البخاري ابن الشيخ موسى أبي سعيد ابن الشيخ كامل ابن الشيخ يحيى الكبير ابن الإمام الصوفي الشهير محمد أبي بكر الواسطي بن موسى بن محمد بن منصور بن خالد بن زيد بن مت وهو أيوب بن خالد أبي أيوب ابن زيد الأنصاري النجاري الصحابي الجليل رضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله أجمعين وزيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف ويقال ابن عمر خزرج بن غنم بن مالك بن النجار بن عدي بن عمرو بن مالك

ابن تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن ثعلبة بن عمرو بن بقيا بن ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امريء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أزفحشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ بن اليادر بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.* (ونسب أمه لأمها) هو أنها فاطمة بنت السيدة رابعة بنت السيد عبد الله الطاهر نقيب واسط ابن السيد أبي علي سالم النقيب ابن السيد أبي يعلى النقيب ابن السيد أبي بركات محمد النقيب ابن السيد أبي الفتح محمد أمير الحاج ابن الأمير الجليل السيد محمد الاشتر بن السيد عبيدالله الثالث ابن السيد علي ابن السيد عبيدالله الثاني ابن السيد علي الصالح ابن السيد عبيدالله الأعرج ابن السيد الحسين الأصغر بن الإمام زين العابدين علي ابن الإمام الحسين سبط النبي صلى الله عليه وسلم.* (ونسب جده لأبيه) السيد يحيى الرفاعي نقيب البصرة من جهة أمه فهو يحيى بن آمنة بنت يحيى العقيلي بن الناصر لدين الله علي ملك الأندلس ابن أحمد بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبدالله بن عمر بن إدريس بن إدريس الأكبر، الذي فتح الله المغرب علي يديه، ابن عبدالله المحض بن الحسن المثنى ابن السيد الإمام الحسن سبط النبي صلى الله عليه وسلم. (ونسب جده لأمه) الشيخ يحيى النجاري الأنصاري من جهة أمه أيضاً فهو يحيى بن علوية ويقال عالية بنت الحسن اللاع بن محمد بن يحيى بن الحسين ملك اليمن ومكة ابن القاسم بن محمد الرسي بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم الغمر بن الحس المثنى ابن الإمام الحسن السبط رضي الله عنه وعنهم أجمعين (وقد يتصل نسب السيد أحمد بالإمام أمير المؤمنين أبي بكر الصديق) من جده الإمام جعفر الصادق فإن أم الإمام جعفر أم فروة بنت القاسم بن محمد ابن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله


عنه ولهذا كان الإمام جعفر الصادق يقول ولدني الصديق مرتين :
        (نسبٌ كأن الشمس بعض عقودِهِ      وعلى حواشيه النجومُ سطورُ)
(وأقول)
نسبُ الرفاعيِّ الذي انتظمت بِهِ
آلت مفاخِرُهُ لقطبٍ فضلُهُ
 

أملاكُ آل محمدٍ علماؤها
أحيا الطريقةَ فاستقام بناؤها

(وقلت أيضا)
نسبٌ لاح نوره في البرايا
أصلُهُ سيدُ الوجودِ التهامي
 

مِثلَ فجرِ الصباحِ عندَ الطُلوعِ
والرفاعيُّ روحُ جسمِ الفروعِ

(وقلت)
علِّلوني بذكرِ آلِ الرفاعي
واعذروني بالله يا قوم إني
 

وأعيدوا أخبارَهم لسماعي
مُستهامٌ بحبِ آل الرفاعي

وهنا شيء يسير من سيرة سيدنا ومولانا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه مذيل بشيء يسير من ذكر جماعة من أهل بيته الطاهر رضي الله عنه وعنهم أجمعين. (قال في ربيع العاشقين) ولد شيخنا رضي الله عنه سنة اثنتي عشرة وخمسمائة بقرية حسن بالبطائح وتوفي أبوه وهو ابن سبع سنين فحمله خاله الشيخ منصور مع والدته وإخوته إلى بلدة نهر دقلى وأفرد لهم داراً بجانب رواقه وكان شيخنا المشار إليه إذ ذاك قد حفظ القرآن العظيم بالإتقان والترتيل بتعليم الشيخ الورع عبدالسميع الحربوني بقرية حسن فلما صار إلى خاله انحدر به إلى واسط وأعطاه إلى الشيخ العلامة الأكمل أبي الفضل علي الواسطي ليعلمه علم الشريعة ويربيه. وقد سبق للشيخ منصور بذلك أمر من النبي صلى الله عليه وسلم فإنه رآه عليه الصلاة والسلام في المنام قبل ولادة السيد أحمد بأربعين يوما فقال له عليه أكمل الصلوات أبشرك يا منصور أن الله يعطي إلى أختك بعد أربعين يوما ولداً يكون اسمه أحمد الرفاعي مثل ما أنا رأس الأنبياء كذلك هو رأس الأولياء


وحين يكبر فخذه واذهب به إلى الشيخ علي القارئ الواسطي وأعطه له كي يربيه لأن ذلك الرجل عزيز عندالله ولا تغفل عنه، قال الشيخ منصور فقلت الأمر أمركم يا رسول الله عليك الصلاة والسلام وكان الأمر كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم. أ هـ. فلما دخل بالسيد أحمد على الشيخ علي الواسطي أعظمه وقال للشيخ منصور رضي الله عنهم أي سيدي يوشك أن ينتهي هذا الأمر إلى هذا الصبي ويكون إمام الطوائف ومرجع أهل الله ودعا له دعاء عظيماً فأمَّنَ الشيخ منصور على دعائه ثم أن الشيخ عليا الواسطي اعتنى بالسيد أحمد كل الاعتناء حتى صار إمام أصحابه ورئيسهم والمشار إليه فيهم وكان على جانب عظيم من الحفظ لعلوم الشريعة والأحاديث النبوية. حدثني الشيخ جمعة قال سمعت سيدي نجم الدين أحمد بن علي قدس الله تعالى روحه يقول كان أخي سيدي إبراهيم الأعزب رحمه الله يقول: كان سيدي أحمد رضي الله عنه يحفظ القرآن ويشرحه وكان يكتب خطه على الفتوى وكان نحوياً لغوياً عالِماً عارفاً بارعاً يتكلم شريعة وحقيقة (وكان قدس الله تعالى روحه) إذا أشكل على الفقهاء أمر رجعوا فيه إليه فيفصحه لهم وكان يقرأ القرآن بواسط ويحضر مع الفقهاء الدرس فيسكت وينصت فإذا فرغوا مما يتكلمون به حفظ كل ما قالوه وتكلموا به وكلما شرحه لهم الشيخ فيقرأ  على كل واحد منهم ما درسه وشرحه فيتعجبون من ذلك ويقولون للمدرس فيتعجب ويقول هذا رجل سعيد قد أعطاه الله تعالى عطاء بغير حساب ولا تعب. وقال وكان إذا سمع الحديث حين يحضر الحديث فكأنما يضعه على قلبه فلا ينسى منه حرفا واحدا (وكان قدس الله تعالى روحه) إذا صعد على الكرسي ليُحَدِّث يجري العلم على قلبه وعلى لسانه كالبحر المتدفق تقشعر له الجلود وتخشع له القلوب وتصدع له الصدور وتذرف منه العيون لم يسمع من غيره ولا نقل في كتاب ما هو إلا فتوح يفتح الله به عليه وحكمة بالغة ألقاها الله تعالى عليه وكانت تقف أهل العلوم عن يمينه


وعن شماله ومن بين يديه كالجبال قذف الله في قلبه ينابيع الحكم والعلوم منحة منحه الله بها كالبحار وفضلا لقوله تعالى (يؤتي الحكمة من يشاء) وكان جدي الإمام جمال الدين الخطيب الحدادي يقول انتهت نوبة الفضائل للسيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه في عصره وكان إذا جلس للدرس على كرسيه تحيط به أئمة العلماء وفحول الفضلاء وصنوف أهل المعارف والعلوم فإذا ابتدر الكلام أخرس المتكلمين وأبهت الجاحدين وحير العارفين وأرقص السالكين وأبكى الخاشعين وأذهل المتمكنين وأتى بجوامع الكلم وراثة من جده صلى الله عليه وسلم وبرز لجُلاّسه بكل فن فالأدباء تأخذ نصيبها من فصاحته والعلماء من معارفه والفلاسفة من تحقيقه والمتكلمون من تبيانه والبلغاء من رقائقه والأولياء من حقائقه والعقلاء من حكمه والفقراء من أدبه والصلحاء من مواعظه وكلهم في حيرة لما مَنَّ الله عليه به من عظيم مواهبه ليس على وجه الأرض في هذا العصر من مجلس في علم الحقيقة معمور الأطراف بلباب الشريعة يردّ به الشارد وتحصل به الفوائد وتطير به القلوب إلى علام الغيوب لا علوّ فيه ولا غلو ولا تشم منه رائحة الدعوى إلا مجلس السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه فإنه مدرسة للعلماء ورباط للفقراء ورياضة للسالكين ومحجة للعارفين والله يختص برحمته من يشاء. وكان ينشد عند ذكره وذكر غيره من الأولياء رضي الله عنه وعنهم هذين البيتين:
لا تقِس بارقَ النجومِ بشمسِ
فاحذرنَّ أن يُقال عينك عميا
 

بينها والنجومِ فرقٌ عظيمُ
وإلاّ مُكابرٌ أو لئيمُ

وكان يقول الحق حق والأدب مع الله قول الحق والذي أموت عليه أن الله وحده لاشريك له وسيد الكتب السماوية القرآن وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وسيد الأولياء والمشايخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه. أ هـ . * أقول وكان رجال العصر يسمون السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه قِبلة


القلوب لشدة ارتباط قلوب الناس به ومحبتهم له وإجماعهم عليه وهو الحقيق بذلك فإنه بركة العصر وإمامه ومرشده إلى الله وهاديه إلى طريقة الله وشريعة جده رسول الله صلى الله عليه وسلم أ. هـ. ومما يدلك على جلالة قدره وعلو مقامه ما رواه شيخنا عمر الفاروثي عنه أنه دخل الحدادية فاستقبله فقهاؤها وعلماؤها ومشايخها فانعطف على رواق خالهم الشيخ أبي محمد الشنبكي الأنصاري الحسيني فواصله بالزيارة وركع في الجامع المبارك ركعتي التحية فقام الناس بين يديه رضي الله تعالى عنه وسألوه مجلساً فوافق القوم ووضعت الكرسي فصعدها فشممنا من حاله حين صعوده الكرسي رائحة واردات الكرم فأخذ أهل الذوق المحابر والورق لكتابة ما يقوله فلما استقر على الكرسي تأوّه وأنَّ وأرعد واصفر لونه ومسَّ بيديه الطاهرتين وجهه المبارك وقال :
 " بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي هو مفزع قلوب الموحدين إذا انقطعت بها أطنِبة الأسباب ، وموئل قلق أفئدة الراجين إذا سُدَّت تجاه مآملها الأبواب ، الفرد الصمد الذي تعكف حاجات المحتاجين العارفين منهم والجاهلين بطبعها على عتبة قدرته القاهرة ، والملك الباقي الذي تسطع شموس بقائه السرمدي فتظهر في كل آونة أعيان الفناء المحض بكل الذرات الباطنة والظاهرة ، جلَّ من سلطان غلبة حكمه لا تُدفَع ، وتعالى من ذي شأن آيات قدرته لا تُنزَع ، تَحِنُّ إليه طبيعة الكافر إذا انصرمت في أمره حيلته ، وتتعرف إليه روح الجاحد إذا انقطعت في حيلته وسيلته ، قُدرته تحكَّمت فأوقعت طور العجز في كل مخلوق طامس أو بارز ، وعَظَمَتُهُ تفردت فقطعت عن حضرة الفردية طبع كل فردٍ قوي أو عاجز ، هذه الهياكل الذي أبرزها رقَّمت الشبه في عقول المبعدين فعجزوا عن القطع بعدم الوحدانية ، وهذه الحقائق الذي طرزها محت الشكوك من قلوب المقربين فاقتدروا على فهم تنزلات الأوامر الربانية ، وبعد هذا العجز والاقتدار أُسدلت ستائر العظمة على  


مدارك الدُرّاك فصاح بهم لسان الدهشة ، العجزُ عن دَرَكِ الإدراكِ إدراكْ ، وأقرب المخلوقين وأقواهم على خوض هذا العجاج المشتبك والمهمة المغلق المحتبك قال سبحانك ما عرفناك حق معرفتك (اللهم يا عظيم السلطان يا عميم الإحسان صل على سيد رسلك) الذي رُفِعت في حظيرة القُدس مقامه ونُشِرت في حظائر العوالم كلها أعلامه ، كنز الحقيقة المنبجسة من درة القدس الأنزه ، فمكنونات علوم الغيوب مكنوزة بخزانته ، أمينك على أسرار الربوبية فجميع بدائعها المصونة مطوية في منشور أمانته ، حبيبك القائم بأمرك للمبايعة عنك بيدٍ لا يعرف غيرها حتى القيامة ، سلطان منصة حكمك القاعد على سرير الأمر والنهي ، مؤيداً بالعصمة والأمن والتوفيق والكرامة ، عبدك المتمكن في دوحة روضة العبودية المحضة ودونه خاصة عبيدك وعبادك سيدنا محمد الثابت القدم فما تزحزحت به عزيمة العزم مثقال ذرة عن صراط أمرك ومرادك (وسلم اللهم عليه وعلى آله شموس حضرات الحضور) في سدرة الترقي الجامع وأصحابه أسودك المتبحبحة تحت أعلام وطيس الملاحم والمعامع وعلى تابعيه وورّاثه المؤيدين بخدمته القائمين بإحياء سنته إلى يوم الدين والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين آمين .
 (أي سادة) بوارق الأرواح فعالة في عالمها وعالمها المحضر الذي تصدر فيه إشارة الأمر فتتدلى من خزانة السر إلى محفل الجهر فبعد ظهورها تنقطع عنها لمعة الإغلاق الروحاني وتسدل عليها بردة السبب المدرك العياني فأهل الحجاب يقفون مع السبب الظاهر وأهل النور يشهدون السبب الذي أبطنت فيه الأشائر فأهل الرياضة من أهل الزيغ يصلون إلى مكان جمع الهمة فيظهر لهم أثرها تسلق الروح المهيئة فيزعمون التحكم في المحضر الذي هو عالم الأرواح وأين هم منه لو كان لهم ذلك لوردت عليهم همتهم بلا تكلف لجمعها ولحصل لهم سر الإطلاع على حكم الإشارة الصادرة سواء كانت


بجمع همتهم أو بجمع همة غيرهم وهذا شأن أصحاب الترقيات الروحية من خاصة هذه الأمة المحمدية. بسم الله لا حول ولا قوة إلا بالله يا أهل الحضيرة يا أهل الطمس يا ركبان يا أدِلاّء يا فقهاء يا فقراء يا خاصة يا عامة هذه حضرة لا لغوٌ فيها، أنصتوا بإذن العقل الكريم وتلقوا بفهم القلب السليم أنتم على بساط، ها هي تصب عليه سحب الرحمة والكرم وتمد إليه موائد البركة والنِعَم، أنتم في ديوانٍ جُندُهُ الوارداتُ الغيبية وبطانته التدليات السماوية وحاكمه الأمر النافذ الرباني الذي لا دخل فيه لحمحمة نفس فُلانٍ وعَلاّن، أسرار الكتاب المنزل وحِكم مقاصد الحبيب المرسل يُملى عليّ بلسان الإفاضة ويملى مني إليكم من طريق الوساطة وأنا فيه مثلكم في مرتبة المحكومية لا فرق بيني وبينكم. قال تعالى لحبيبه عليه أجلُّ صلواته وأعظم تحياته (قُل إنما أنا بشرٌ مثلكم) هذا التحكيم مرتبة العبدية، وبسط مائدة الأنسية ولكن نشر على رأسه الشريف إعظاما لجليل قدره وإعلاء لسلطان أمره، لواء قوله تعالى (يوحى إليّ) فظهرت دولة الفرقية بينه وبين كل من أمته فهو صاحب مرتبة الفرق وإلا فنحن لا فرق بيننا إلا بالبصيرة النافذة والحجاب المسدل وهذان لا يفيدان الفرق الذي يقطع المناسبة بين المبصر والمحجوب لأن قلب الشأن لا شيء على من هو (كلَّ يومٍ هو في شأن) فهذا اللجام رد شكيمة أهل الدعوى عن الترفُّعِ والتعالي وأنزل العارفين منزلة الأدب والخدمة في حضرة التلقي والإفراغ فهم أبواب حكمه ناشر الحكم القدوسية ووسائط البلاغ عنه للعصابة الآدمية وهو صلى الله تعالى عليه وسلم الأمين المأمون مستودع سر (ن، والقلم وما يسطرون) وله يد الرفعة على كل فرد من أفراد بني آدم أجمعين بشاهد (وما أرسلناك إلا رحمةً للعاملين) والأدلة العقلية ساطعة براهينها تجاه جاحده فلا يجد خُلُقا لنبي مرسل ولا يسمع بخصلة لكريم مقرب إلا ولهذا السيد العظيم فوق يافوخِ ذلك الخلق ويعسوب تلك الخصلة أشرف وأعظم من كليهما


أخلاقاً كريمةً لا تُحصى وخصالاً جليلةً لا تُستقصى لا زالت سحب منته المحمدية تسح عليكم وعليكم وعوائد عوارفه الأحمدية تصل إليكم وإلينا ولجميع المسلمين آمين.
 (أي سادة) سارت رُكبان الناس بما ناسب أهواءهم ووقفت عقائدهم مع كل ما جانس طباعهم، إياكم وهذه الطامة فإنها النار الموقدة. قال نبينا عليه الصلاة والسلام (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواهُ تبعاً لما جئتُ به)، مَن لم يجعل الهوى عبداً ذليلاً مُسَخَّراً لدى سلطان الشريعة الذي شرعه نبيه ورسوله، فأين هو من الإيمان، كلَّت العزائم وحلت الهمم عند تفريق هذه الملابسة البينة.
( أي أُخيّ) يطيب لك القول فتقف معه بدعوى الاتِّباع كأنك تهزأ بالأمر، يثقل عليك فتنصرف عنه بدعوى إقامة الحجة كأنك تستخف النهي، الأمر والنهي سِرَّانِ بارزان يعود شأنهما لمن أبرزهما ألا وهو ربك الذي صرف لك النطق باللحم، والسماع بالعظم، والبصر برق الجِلد، والقوى المجتمع في الهيكل الطيني المركَّب، وأسكن عقلك دماغك، وأقَرَّ فهم عقلك في مضغة قلبك، وأقام عليك الحجة بهذه الآثار الآلهية المجتمعة فيك، القائمة معك، فأين أنت بعد هذا إذا اتَّبعتَ الهوى وخالفتَ فالق الحَب والنوى، أعيذك بالله وإياي من ذلك، بسم الله بسم الله، يا أولياء يا وعاظ يا رجال الدوائر يا أصحاب المنابر يا شيوخ الأروقة يا فتيان الربط يا أهل الزيق يا سُلااّك الطريق يا علماء يا حكماء يا أرباب النقول المعقولة والعقول المقبولة، أين أنتم، كل ما أنتم فيه تحت كلمتين؛ وصلٍ أو قطع.
 فالوصل باطنه وظاهره وأمه وأبوه وروحه وجسمه التأدب بأدب القرآن على ما شرَّع حبيب الرحمن، وما فوق ذلك من الأقوال والأفعال فمن هفوة نفسٍ أو من استراق سمعٍ انقلب على متن الروح من طريق الشهوة فظنه صاحبه من واردات الروح وعجز عن كشف منازلاته وحكمه بمحك الشرع لغلبة وجدٍ أو لشدة طيشٍ أو لموافقة هوى أو لمنازعة خصم، وقد يكون ذلك من حالٍ سالب، فإن استمر السلب فالمسلوب غير مكلف

لا يؤاخذ ولا يُقتدى به وأن نُزع السلب وعاد الفهم، فالأدب كشف ما كان فيه وانكاره وتوبيخ نفسه عليه وإعلام أهل حضرته بخسة ذلك الشأن وأنه من زبد موج السكر الصارف عن حضرة الأمر، وقد يكون ذلك من انكشاف الآيات وقصر العزم عن ترك عاملها والترقي إلى طلب مظهرها سبحانه وتعالى، فيطيش لها العقل وترتاح لها النفس المضمَّخة بدخان الرعونة فينفلتُ اللسان ويتجاوز ميزان الأدب ظناً بأن مشهوده تحت حكم وجوده، وأين هذا المسكين من المقياس الذي لا يجهله جهلة الناس، وعليه الظاهر وحكمه الباطني عين ما عليه الشأن الظاهري وذلك كيف يدع كل راء ملك ما رأته عينه بمجرد شهوده له ارتياحه له أو برؤياه مشهوده وحده وكيف لا يمر بخاطره أن لهذه الآثار أهلا، وكيف لا يقول يوشك أن الناس على الغالب رأوها وانصرفوا عنها إلى أحسن منها، وأنا الآن حتى جئتها ورأيتها، ويهٍ عليك أيها المحجوب المبعد تظن بالناس الفتنة، مَن ظن بالناس الفتنة فهو المفتون، القريب يكون خائفا، أصلح شأنك بالأدب المحض فهذه الحضرة بين رفارفها وأوهام أهل الدعوى أهوال، هذا مذهب الوصول وأهله.
 وأما القطع والعياذ بالله فهو إما قطعٌ بالأصل كحال الكافرين الذين يفترون على الله الكذب أو قطع بالسبب وهو كثير ومنه الكسل وترك العمل وهجر الأدب وملابسة الأخلاق الذميمة ومقاطعة الأوصاف الكريمة والانحراف عن السنة الغراء والمحجة البيضاء، فدواء هذا القطع ما نص في الوصل وداء ذلك الوصل ما نص في القطع، فأعينوني على أنفسكم بمتابعة نبيكم سيدنا ومرشدنا ووسيلتنا إلى ربنا وهادينا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فإنه زكانا وعلَّمنا الكتاب والحكمة وعلَّمنا ما كنا عنه في عماء الجهل، وإياكم وانتحال الفلاة ووقاحة أهل البطاءة وموالاة أهل البدعة ورؤية النفس على أحد من الخلق، وخذوا جهدكم بنصحية بني آدم كبارهم وصغارهم البر منهم


والفاجر، المؤمن والكافر، أدُّوا ما عليكم، وعليهم ما عليهم، والله ولي المتقين وحسبي الله ونعم الوكيل، وصلى الله على رسوله علة الخلق الهادي إلى الحق وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين" انتهى المجلس.
 (قال الفاروثي رضي الله تعالى عنه) فما نزل عن الكرسي حتى تاب في المجلس أزيد من عشرة آلاف واضطرب الحيّ بالبكاء وكادت تذوب الأفئدة لما داخَلَها من سلطان عرفانه وهيبة كلماته وقوة برهانه (فرضي الله تعالى عنه وقدس الله تعالى روحه).
 وذكر شيخنا العارف بالله عبدالملك بن حماد الموصلي رحمه الله ونفعنا به أنه كان أحد الحجاج عام حج السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه الذي مدت له فيه يد النبي صلى الله عليه وسلم وقد انتسب بذلك العام لسدته ورحل إلى العراق بخدمته ولازم رواقه الشريف حتى أجازه بالخلافة له سنة تسع وخمسين وخمسمائة، وذكر أن الفتح الرباني حصل له فكان يحس بسريانه فيه وتجمعه بقلبه ولا يقدر على النطق مدة فدخل يوماً خلوة شيخه السيد أحمد رضي الله عنه وقبَّل قدميه المباركين وذكر له حاله فقال له: أي ولدي، الوليّ الكامل لا يتكلم إلا عن إذنٍ سماوي ولا ينطق حتى يُنطَق (فاصبر لحكم ربك)، قال فخرجتُ خاشعاً من حضرته فما تجاوزت باب الخلوة إلا ونوديت في سري من حيث لا أعلم أن تكلَّم فقد أُذن لك وإذا به رضي الله عنه يناديني ويقول ياعبدالملك، فرجعتُ وقلتُ لبيك أي سيدي، فقال أي ولدي أُذِنتَ بالكلام من الحضرة الغيبية وأنا أجزتك بالعود إلى الموصل وكتب لي إجازته رضي الله عنه وكان أول كلامي أن مدحته بقصيدة وهي:
عليك بعد رسول الله تعويلي
يا ابن الرفاعي يا من شمائله
بكَ انطوت غامضاتُ الغيبِ فانفجرت
عينُ الشريعةِ فاضت منكَ أترُعِها
 

وفي معاليك إجمالي وتفصيلي
تشملت هامة العليا بمنديلِ
منها الحقيقةُ لُبّاً لا بتأويلِ
صِدقٌ تنزّهَ عن شطحٍ وتهويلِ




تجسمت بك أسرار الكتاب ومن
أطوف منك ببرهان المحبة إن
وأرتقي بكَ سينا الفتحِ مُعتصماً
أعرضتَ بالمجدِ فانهلت سحائبُهُ
وسِرتَ سَيرَ هِلالِ الأُفقِ مُرتقياً
ولم تزل ناهضاً تبغي التنقلَ في
أنيتَ في مذهب الدنيا الذهابَ فلم
لله درّ فتى الشرقين مِن بطلٍ
مولاهُ أبرزهُ في طورِهِ ملكاً
تألَّقتْ في سما الإرشاد طلعتُهُ
يحمي الحمى من أسود الله ليث هدى
أتى على فترةٍ والشرعُ زلزلهُ
والدينُ أقفلَ يبكي سوءَ غربتَهُ
فجدَّدَ السُنةَ السمحاءَ يوم تلا
وقام يظهرُ من غِرِّ الخوارقِ ما
وفي يديه لواءُ الشرعِ خافقةً
وكل ناقصِ علمٍ سيق منه إلى
حتى دعاه رسول اللهِ مُلتفتاً
فصار أزراً  لهذا الدينِ أو وزراً
وحاز من لثم راح الهاشميّ يدا
سِرٌّ تمكَّن من أوجِ البقا فسرى
عنايةٌ حارَ أقطابُ الرجالِ لها
أتباعُهُ خُلّصُ القومِ الكرامِ وقد
وأمَّ فيهم صراطُ الإصطفا وروى
 

هذا ترفعت عن وهمي وتخييلي
طاف الرجالُ بتقديرٍ وتعليلِ
بعروةِ الحقِ لا بالقالِ والقيلِ
من بعضها سَحَّ نيلُ الفتحِ كالنيلِ
إلى المعالي بتكبيرٍ وتهليلِ
مجلى تدَلّيكَ من ميلٍ إلى ميلِ
تسم لديك بتعجيلٍ وتأجيلِ
عالٍ عن الجرحِ ملحوظٍ بتعديلِ
مُكلَّلاً من تجليهِ بإكليلِ
شمساً لنا إن سرى قومٌ بقنديلِ
ولم نشبِّهَهُ بالضاري والفيلِ
عصائبُ الغيّ عن كيدٍ وتضليلِ
موطَّد الركبِ في أطمارِ مخذولِ
آيَ المعاني بتجويدٍ وترتيلِ
طواهُ منشورُ فُرقانٍ وإنجيلِ
بنودُهُ خفقُ تعليمٍ وتكميلِ
كمالِ دينٍ علا عن خبطِ تحويلِ
له ومِن كفِّهِ كوفي بتقبيلِ
لأهلِهِ ضارباً عنهم بمصقولِ
قضت له في بني العليا بتفضيلِ
برونقٍ عَزَّ عن نقضٍ وتعطيلِ
وليس من بعدها ركزٌ لذي قيلِ
سرى بهم لا على حرفٍ وتبديلِ
عن جده المصطفى أسرارَ جبريلِ




يا صاحِ إن تطرح الدعوى وقائلها
ظلت سلاطينُ أهلِ الله قاصرةً
والمنبجي وذو العلياءِ حيوةَ
ومثلهم عاجزٌ عن بعض سيرتِهِ
ولو طفتَ رقى عرش الإمامة ما
فقل لبهجةِ شمسِ الأُفقِ أن طلبتْ
شيخٌ تمحَّضَ من جسم البتولِ هدى
وعن أبيه على كمٍّ روى حِكماً
أدعوهُ يا تاج هامات الشيوخ أغِث
دارِكْ بعزمِكَ عجزى يا ابن فاطمةٍ
عليك دوماً سلامُ الله تكنفُهُ


تجدهُ أشرف متبوعٍ ومقبولِ
عن شأوةِ الكل من جيلٍ إلى جبلِ
ثم الزعفرانيُّ والهيتيُّ والزولي
أبو النجيبِ وعبد القادر الجيلي
طولبتَ أنتَ على هذا بتحليلِ
فوقيةً بفنا جدرانِهِ قيلي
أهدى لكشف الغطا آياتُ تنزيلِ
من نغمةِ المصطفى رِيضت بمنقولِ
يا ليت قفر الفيافي أشرف الغيلِ
فأنت ذُخري ومسئولي ومأمولي
يدُ الرضا لك مصحوباً بتبجيلِ

(وبرواية الشيخ يعقوب بن كراز رضي الله عنه) أن شيخنا وسيدنا السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنه صعد كرسي وعظه فقال بعد الحمد والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، "الولي يبلغ إلى حال من ربه فيعطي بالله ويمنع بالله ويغني بالله ويفقر بالله ويقعد بالله ويقيم بالله ويقيد بالله ويطلق بالله. شكر نعمة الله ذكرها والضابط الشرع (وما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد). أُعطيت خصلتين لم يعطهما الشيخ منصور، هو كان عاشقاً وأنا معشوق، والعاشق مُتعَب والمعشوق مدلل، وأُعطيت الحكمة ولم يعطها، ووصلت إلى مقام إن عصيت قلبي عصيت الله لموافقة مطالعه أوامر الله من مرتبة عبديته القائمة بشأن قوله تعالى ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان)، وأين يكون لعدو الله السلطان على حزب الله الذين هم في كنف الله وبه عليه، هو سبقت له الشقوة وهم سبقت لهم الحسنى، هم أهل الغلبة القاهرة والسرائر الطاهرة يحاسبون أنفسهم على كل نَفَس، من لم يحاسب نفسه على كل نفس ويتهمها لم يُكتب عندنا في


ديوان الرجال، هذه البركات الطافحة والأنوار اللائحة مغترفة من بحر كرم ابن عبدالله أبي الطاهر الرسول المؤيد السيد العظيم الرؤوف الرحيم، نحن اتبعناه بالصدق وأطعناه وفق أمر الحق، والمبعد على شفا جرف، ثم أنشد متمكناً مطيلساً بالسكينة والهيبة هذه الأبيات:
على أي ظنٍ رد قاضي الهوى الدعوى



وفي القلب سرٌّ نشره قط لا يُطوى

غرامٌ بحبل الروحِ منعقدٌ على



وثيقة عهدٍ كلها البرُّ والتقوى

أقمتُ عليها في حمى الصدق حجةً



لها من معاريج الهدى الغاية القصوى

وزمزمتُ كأساً حلَّ فيه مدامة



حرامٌ على أهل التجاوزِ والدعوى

وصنتُ له سراً قديماً حديثه



عن الحجج الإثبات خير الورى يُروى

خزانة وصلٍ كل من رام فتحها



فقد أغلق اللذات واستفتح البلوى

وأول ما يُقضى على من يرومها



قبولُ البلا والبعد عن موطن الشكوى

دنا السدرة القعساء منها جهابذٌ



قد اتبعوا المختارَ في السر والنجوى

وصاموا عن الآثار صوم مودِّعٍ



فصانوا حماهم من هذيم ومن حذوى

سرت عيسهم والضوء كفكفه الدجا



وتاهت أدلاّء القفولِ عن الفحوى

أخذتُ وحيداً راية السير بعدهم



أجوبُ طريقاً في الدروبِ هو الأسوى

ونصبتُ في أثنا المسير مذاهبا



علي نصها بين الأُلى صحّت الفتوى

كذا من أراد الحب فليحتفل به



وإلا فما نيل المنى لقمة الحلوى




(وختم مجلسه المبارك) بكلام تذهل له العقول وتطيش له الأفكار، وكان آخر ما قال بذلك المجلس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح باب الإرشاد بيده القدسية وسلمه في هذا القرن إليّ، فهذا اليوم ظهور الدولة المحمدية الرفاعية وطريقتها المرتضوية العلوية على مشرعها ابن عبدالله أفضل الصلاة والسلام وصلى على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وآله وصحبه وذكر الأئمة بخير ونزل عن كرسيه وقد سلب العقول والقلوب رضي الله تعالى عنه وعن إخوانه أولياء الله أجمعين. وكان شيخنا العارف بالله الشيخ عمر الفاروثي الكازروني رحمه الله يقول في شأن سيد الجماعة مولانا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه، كان قدس الله روحه لا تغيره الأمور ولا الحوادث ولا الأوقات ولا الطوارق ولا البلاء النازل لثباته وعلوهمته وتمكنه في جميع الأحوال وذلك أن المتمكن لا يعجزه شيء ولا يبعد عليه شيء ولا يتعسر عليه شيء لأجل تمكنه وقوة حاله لأنه أوتي الحكمة من صغره والمعرفة في كبره فلم يغيره شيء وقال أنا عبدالله ومأمور، إن أعطاني عطاء فأنا فيه عارية وهو إليه مردود وفيه محمود وإن منعني فما للعبد اعتراض وكيف يعترض على الحاكم من ليس له في نفسه حكم ولا تصرف ولما وكل الأمور إلى مالكها ولم يعترض حكمه في الكونين وقلده أمر الثقلين وقال له، قم بها فما صفا منها فهو لك وما كدر فعليّ إصلاحه، خذ ما شئت من الأحداث


فعليّ خلاصه من الأوعاث، رُدّ الشاردين واضمن لهم عليّ الضمانات وعليّ توفيقهم ووفاؤهم بما ضمنت ولا ينقص من ملكي شيئاً وأنا العزيز الغفور وأنشد:
وربُكَ لو نظرتَ إلى أُناسٍ
لهم هِمَمٌ بها بلغوا الأماني
رؤسهم له خجلاً أذلّوا
فقام لهم بما طلبوه منه
وحكَّمهم وقرَّبهم إليه
هُمُ الأقطابُ والأبدالُ حقا
بهم مطرُ السماءِ يعمُّ نفعا
ولولا كونهم في الأرض زالت
فكم نِعَمٌ لهم ويدٌ وفضلٌ
وفي يوم الحساب لهم عطاءٌ
على أرواحهم حياً وميتا


عزائمهم تجلُّ عن الصفاتِ
تنافسهم لنيل المكرُماتِ
وجدُّوا بالصيامِ وبالصلاةِ
ونفّذَ أمرهم في الكائناتِ
وأتحفهم بحلِّ المشكلاتِ
وهم أهل الأمورِ المُنجياتِ
ووجهُ الأرضِ يزهو بالنباتِ
وزُلزِلَ بالجبالِ الراسياتِ
وكم منحوا بآيٍ محكَماتِ
يحيِّرُ للعيونِ الناظراتِ
تحياتٌ عديد النيِّراتِ

ويناسب في هذا المقام أن نذكر قصيدة شيخنا المفتي المتفنن فقيه الزمان الشيخ يحيى بن عبدالله بن عبدالملك الشافعي الواسطي التي مدح بها شيخنا إمام الرجال وقِبلة أهل الحال السيد أحمد رضي الله عنه. وهذه هي:
ما كلُّ مَن طلب العليا لها سلكا
ألا
فقُل لرجال المجد أن فتى
كاد الرفاعي حيا الله محضرَهُ
تقمَّصَ الفضلَ طفلاً واستبان به
كأنه صِيغَ عرفاناً فقام على
قامت به شبك التقوى فأرصدها


كلا ولا كل من رام العُلا ملكا
يحاول المجد فليسعى ولو هلكا
يمسُّ بالهِمةِ الفعالةِ الفلكا
كهلاً نظام العُلا فاستقرب الحبكا
نهج البلاغة شيخاً قبل ما احتنكا
ومدَّ في كل فجٍّ للهدى شركا




ومزَّق الليل بالعضبِ المجردِ من
وسيَّر اليوم مبهوتاً وساعده
وكل أوقاته فكرٌ ومعرفةٌ
لو أنت أبصرته في طيّ خلوته
مقنعٌ برداء الفقر تحسبَهُ
ممزوجةٌ من رسول الله طينته
ما سيّر القلب في أرض يطالبها
مُدَّت له يد طه ثم قبَّلها
والمصطفى بكتاب العتق أكرمه
وأيدت شرعه الهادي طريقته
كأنه الغيث قد تحيا البقاع به
صحَّت له من أبيه المرتضى ذِمَمٌ
أكابر لقوم رهط من رعيته
ما قال شطّاحهم سكرا مقولته
ولا رآه فتى بالوجد منهمكٌ
عياله سادة الأقطاب وهو بهم
يا سيدٌ شُرِّفت أرضُ العراق به
ويا إماما علت آيات حِكمتِهِ
خُذها رشيقة أسلوبٍ ترصعها


قِراب عزم قيام الليل ما تركا
طرفٌ متى ضحك اللاهي الخليُّ بكى
وسيرةٌ أشبعت زواره نُسُكا
تقول هل ملِكاً أبصرتَ أم ملَكا
اسكندر أو عليه الجيش قد حبكا
أنعم بأصلٍ به طين الصفيِّ زكا
إلا وأحكم فيها الدين أوفتكا
يهنيه مجدٌ نأي أن يقبل الشُركا
والله أحيا له لما دعا السمكا
أكرم بشيخ سلوك المجتبى سلكا
أو أنه الشمس يمحو نورها الحلكا
ألقت عليه بإرث المصطفى الدركا
والفخر لو حزبهم في خلقه انسبكا
إلا وبلّعَ من تمكينه الحسكا
إلا وأصبح بالآداب منهمكا
يُدعى إذا الخطب راع الحي واعتركا
وصيتُهُ جاوز القطبين وانسلكا
وطوَّق العصرُ دُرَّ الفضلِ حيث حكى
خصالك الزهر والمنظوم منك لكا

( وبرواية الشيخ العارف بالله عبدالملك بن حماد الموصلي قدس سره العزيز) أن السيد أحمد كان على جانب عظيم من الحلم والرفق والتواضع وما خاطب صغيراً ولا كبيراً إلا بأي سيدي وما رأى نفسه شيئاً قط ولا شهد له مزية على أحد من الخلق وكان يبذل بذل الملوك وعيشته في أهله وعياله عيشة


الفقراء ويقول "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، وكان يلبس قميصاً أبيض ورداء أبيض وخُفّاً من صوف أبيض ويتعمم بعمامة سوداء دسماء، وفي بعض الأحيان يتعمم بالبياض، وكان رفيع القوام نحيف الوجود كثير التبسم قليل الضحك مكيناً في طوره ذا هيبة عظيمة لا يتمكن جليسه من إباحة النظر إليه، هذا مع رفقه وظرافة طبعه وخلقه ورقة شيمه وذلك لِما اشتمل عليه من العلم والعقل والعبادة والكمال والفضائل والمجد وعلو النسب والكرم والخوارق الغُرّ والحكمة البارعة والسنن المحمدي ورفعة القدر وبُعد الصيت والشهرة والشأن الوحيد في عصره نفعنا الله به والمسلمين آمين.
(قال شيخنا الرافعي في مختصره سواد العينين) أخبرني شيخنا الإمام الحجة القدوة عمر أبوحفص شهاب الدين السهروردي عن عمه الولي العارف شيخ الشيوخ أبو النجيب عن شيخه الإمام الهمام البحر الطام محمد بن عبدالله البصري رضي الله عنهم قال: "كل الأولياء أدركنا مقاماتهم وما وصلوا إليه وعرفنا منتهاهم في السير إلا السيد أحمد الرفاعي فإنه لا يُعرف مُنتهاه في السير، وإنما رجال عصرنا على الإطلاق يعرفون الوجهة التي اتجه إليها ومن ادعى الوصول إلى مرتبته أو الاطلاع على رتبته فكذِّبوه. (أي إخواني) هذا رجلٌ لا يُعرف ولا يُحَدّ، هذا رجل انسلخ من علائق بشريته وعوائق نفسه كانسلاخ الثوب عن البدن، والأولياء في عصرنا هذا كبارهم وصغارهم المشارقة والمغاربة، الأعارب والأعاجم عيالٌ عليه يستمدون منه ويأخذون عنه وهو شيخ الكل في الكل يسح النوال من حجرة جده عليه الصلاة والسلام على قلبه وهو يُقسِّمه على الرجال في الأرضين ولا ينقطع مدده بإذن الله والدولة له ولذريته إلى يوم القيامة مع طيب نفس المحب ورغم أنف الحاسد يفعل الله ما يشاء لا راد لأمره ولا منازع لحكمه.
وقال أيضا: قال لي شيخنا سند المحدثين عبدالسميع الهاشمي الواسطي


ببغداد وقد جرى ذكر السيد أحمد بن الرفاعي رضي الله عنه: أي عبدالكريم كان السيد أحمد آيةٌ من آياتِ الله ومعجزة من معجزات رسول الله يمشي على وجه الأرض ما وقعت الأبصار على نظيره في عصره، قَلَّ في السلف مثيله ولا يوجد في الخلف عديله، كان طريقه الكتاب والسنة، كان فعّالاً لا قوّالا، شربها وحكم عليها قهر حاله وغلب طوره، كان إماماً عالماً عدلاً لو رأيته لرأيت كل السلف.
وليس على اللهِ بمستنكرِ         أن يجمع العالمَ في واحدِ
رأيته يوما وقد امتلأت أم عبيدة من زائريه وهو يبكي ويقول
حيَّرتَ فيك العُقَلا             يا من لعقلي عقلا
 كتمتُ فيك حالتي         فضحتني بين الملا

      
(قال شيخنا الإمام جمال الدين الخطيب الحدادي رحمه الله، قال شيخنا وسيدنا ومفزَعُنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه على كرسيه في أم عبيدة يوم جمعة بعد صلاة الجمعة سنة سبعين وخمسمائة وقد أحدق به أصحابه وأئمة العصر رضوان الله عليهم أجمعين): "طريقي عقيدةٌ طاهرة وسريرةٌ عامرة والإقبال على الله لوجه الله بترك مطامع الدنيا والآخرة"، فلما أتم مجلسه المبارك قال له الشيخ يعقوب بن كراز سيدي لو كتبت لنا كتاباً في العقيدة نعوَّلُ عليه، ومثلنا أيضاً يعوِّل عليه مريدوك بعدك فأجابه وأمر بالدواة والقرطاس. وقال اكتبوا:
"بسم الله الرحمن الرحيم (الحمد لله المبدئ المعيد) الفعال لما يريد، ذي العرش المجيد، والبطش الشديد، الهادي صفوة العبيد، إلى المنهج الرشيد، والمسلك السديد، المنعم عليهم بعد شهادة التوحيد، بحراسة عقائدهم عن ظلمات التشكيك والترديد، السائق لهم إلى تباع رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم واقتفاء صحبه الأكرمين بالتأييد والتسديد، المتجلي لهم في ذاته وأفعاله بمحاسن


أوصافه التي لا يدركها إلا من ألقى السمع وهو شهيد، المُعَرِّفِ إياهم في ذاته (أنه واحدٌ لا شريك له) فردٌ لا مِثل له، صمدٌ لا ضِدَّ له منفردٌ لا نِدَّ له. وأنه قديمٌ لا أول له أزليٌّ لا بدايةَ له مستمرُ الوجودِ لا آخر له أبديٌّ لا نهايةَ له، قيومٌ لا انقطاع له، دائمٌ لا انصرامَ له، لم يزل ولا يزل موصوفاً بنُعوتِ الجلال لا يُقضى عليه بالانقضاء وتَصَرُّمُ الآمادِ وانقراض الآجال، بل هو الأولُ والآخر والظاهر والباطن. وأنه ليس بجسمٍ مصوَّرٍ ولا جوهرٌ محدودٌ مُقَدَّر. وأنه لا يماثل الأجسام لا في التقدير ولا في قبول الانقسام. وأنه ليس بجوهرٍ ولا تحله الجواهر ولا بعَرَضٍ ولا تحله الأعراض بل لا يماثل موجوداً ولا يماثله موجود، وليس كمثله شيء ولا هو مثل شيء. وإنه لا يحِدُّهُ المقدار ولا تحويه الأقطار، ولا تحيط به الجهات ولا تكنفه السموات. وأنه مستوٍ على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده استواءاً مُنَزَّهاً عن المماسَّة والاستقرار والتمكُّنِ والحُلول والانتقال، لا يحملُهُ العرشُ بل العرش وحَمَلَتُهُ محمولون بلطف قُدرته ومقهورون في قبضته وهو فوق العرش وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى فوقيةً لا تزيده قُرباً إلى العرش والسماء بل هو رفيع الدرجات عن العرش كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى وهو مع ذلك قريبٌ من كل موجود وهو أقرب إلى العبيد من حبل الوريد فهو على كل شيء شهيد، إذ لا يماثل قربُهُ قُرب الأجسام كما لا تماثل ذاته ذات الأجسام. وأنه لا يحِلُّ في شيء ولا يحِلُّ فيه شيء تعالى عن أن يحويه مكان كما تقدَّس عن أن يحِدَّه زمان، بل كان قبل أن خلق الزمان والمكان وهو الآن على ما عليه كان. وأنه بائنٌ بصفاته عن خَلقه ليس في ذاته سواه ولا في سواه ذاته. وأنه مقدسٌ عن التغيُّر والانتقال لا تحلُّهُ الحوادث ولا تعتريه العوارض بل لا يزال في نُعوتِ جلاله مُنَزَهاً عن الزوال وفي صفات كماله مُستغنياً عن زيادةِ الاستكمال


وأنه في ذاته معلوم الوجود بالعقول مرأى الذات بالأبصار، نعمةً منه ولطفاً بالأبرار في دار القرار وإتماما للنعيم بالنظر إلى وجهه الكريم. وأنه حيٌّ قادرٌ جبارٌ قاهرٌ لا يعتريه قصورٌ ولا عجزٌ ولا تأخذه سِنةٌ ولا نوم ولا يعارضه فناء ولا موت. وأنه ذو الملك والملكوت والعزة والجبروت له السلطان والقهر والخلق والأمر والسموات مطويات بيمينه والخلائق مقهورون في قبضته. وأنه المتفرد بالخلق والاختراع المتوحد بالإيجاد والإبداع خلق الخلق وأعمالهم وقَدَّر أرزاقَهم وآجالهم لا يشذُّ عنه مقدور ولا يعزب عن علمه تصاريف الأمور، لا تُحصي مقدوراته ولا تتناهى معلوماته. وأنه عالَمٌ بجميع المعلومات، محيطٌ بما يجري من تخوم الأرضين إلى أعلى السموات، لا يعزب عن علمه مثقال ذرةٍ في الأرض ولا في السماء بل يعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ويدرك حركة الذر في جو الهواء ويعلم السِرَّ وأخفى ويطَّلِع على هواجس الضمائر وخفيات السرائر، بعلمٍ قديمٍ أزليٍ لم يزل موصوفاً به في أزل الآزال لا بعلمٍ مُتجددٍ حاصلٍ في ذاته بالحلولِ والانتقال. وأنه مريدٌ للكائناتِ مُدَبِّرٌ للحادثات فلا يجري في المُلك والملكوت قليلٌ ولا كثير، صغيرٌ أو كبير، خيرٌ أو شر، نفعٌ أو ضُرّ، إيمانٌ أو كفر، عِرفانٌ أو نكر، فوزٌ أو خًُسر، زيادةٌ أو نقصان، طاعةٌ أو عصيان إلا بقضائه وقدره وحُكمه ومشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لا يخرج عن مشيئته لفتة ناظر ولا فلتة خاطر، بل هو المبدئ المعيد الفعّال لما يريد، لا رادَّ لحُكمه ولا معقِّبَ لقضائه ولا مهرب لعبدٍ عن معصيته إلا بتوفيقه ورحمته ولا قوة له على طاعته إلا بمحبته وإرادته، لو اجتمع الإنس والجن والملائكة والشياطين على أن يحركوا في العالَم ذرة أو يسكنوها دون إرادته ومشيئته لعجزوا عن ذلك وأن إرادته قائمةٌ بذاته


في جملة صفاته لم يزل كذلك موصوفاً بها مريدا في أزله لوجود الأشياء في أوقاتها التي قدَّرها فوُجِدت في أوقاتها كما أراده في أزله من غير تقدم ولا تأخر بل وقعت على وفق عِلمِهِ وإرادته من غير تبدُّلٍ ولا تغيُّر، دبر الأمور لا بترتيب أفكار وتربص زمان، فلذلك لم يشغله شان عن شان. وأنه سميعٌ بصير يسمع ويرى لا يعزب عن سمعه مسموع، وأنه خفيٌّ ولا يغيب عن رؤيته مرأى وإن دقّ، لا يحجب سمعه بُعد، ولا يدفع رؤيته ظلام يرى من غير حدقةٍ وأجفان ويسمع من غير أصمخةٍ وآذان، كما يعلم بغير قلب ويبطش بغير جارحة ويخلق بغير آلة إذ لا تشبه صفاته صفات الخَلق كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق. وأنه متكلمٌ آمرٌ ناهٍ واعدٌ متوعدٌ بكلامٍ أزليٍّ قديم قائم بذاته لا يشبه كلام الخلق، فليس بصوت يحدث من انسلال هواء واصطكاك أجرام ولا بحرف يتقطع بإطباق شِفةٍ أو تحريك لسان، وأن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور كُتُبُهُ المُنَزَّلة على رسله وأن القرآن مقروءٌ بالالسنة مكتوبٌ في المصاحف محفوظٌ في القلوب. وأنه مع ذلك قديمٌ قائمٌ بذات الله لا يقبل الانفصال والفراق بالانتقال إلى القلوب والأوراق، وأن موسى عليه السلام سمع كلام الله بغير صوتٍ ولا حرف كما يرى الأبرار ذات الله من غير جوهرٍ ولا عَرَض، وإذا كانت له هذه الصفات كان حيّاً عالِماً قادراً مُريداً سميعاً بصيراً مُتكلماً بالحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام لا بمجرد الذات. وأنه لا موجودٌ سواه إلا هو حادثٌ بفعله وفائضٌ من عدله على أحسن الوجوه وأكملها وأتمها وأعدلها. وأنه حكيمٌ في أفعاله عادلٌ في أقضيته ولا يُقاس عدله بعدل العباد، إذ العبد يُتصوَّرُ منه الظُلم بتصرفه في مُلك غيره ولا يُتصوَّرُ الظُلم من الله، فإنه لا يُصادف لغيره ملكاً حتى يكون تصرفه فيه ظُلما، فكل ما سواه من إنسٍ وجن وشيطان ومَلَك


وسماء وأرض وحيوان ونبات وجوهر وعرض ومدرك ومحسوس حادث اختراعه بقدرته بعد العدم اختراعاً وإنشاؤه إنشاءاً بعد أن لم يكن شيئا، إذ كان في الأزل موجوداً وحده ولم يكن معه غيره فأحدث الخَلق بعده إظهارا لقدرته وتحقيقاً لما سبق من إرادته ولما حقَّ في الأزل من كلمته لا لافتقاره إليه وحاجته. وأنه متفضلٌ بالخَلق والاختراع والتكليف لا عن وجوب، ومتطوِّلٌ بالإنعام والإصلاح لا عن لزوم فله الفضل والإحسان والنعمة والامتنان، إذ كان قادراً على أن يصب على عباده أنواع العذاب ويبتليهم بضروب الآلام والأوصاب، ولو فعل ذلك لكان منه عدلاً ولم يكن قُبحاً ولا ظُلما. وأنه يُثيبُ عباده على الطاعات بحكم الكَرَم والوعد لا بحكم الاستحقاق واللزوم إذ لا يجب عليه فعل ولا يُتصوَّرُ منه ظلم ولا يجب لأحد عليه حق وأن حقه في الطاعات وجب على الخلق بإيجابه على لسان أنبيائه لا بمجرد العقل ولكنه بعث الرسل وأظهر صدقهم بالمعجزات الظاهرة فبلَّغوا أمره ونهيه ووعده ووعيده فوجب على الخلق تصديقهم فيما جاؤا به. وأنه بعث النبي الأمي القرشي محمداً صلى الله عليه وسلم برسالته إلى كافة العرب والعجم والجن والإنس فنسخ بشرعه الشرائع إلا ما قرره وفضَّله على سائر الأنبياء وجعله سيد البشر، ومنع كمال الإيمان بشهادة التوحيد وهي قول (لا إله إلا الله) ما لم تقترن بها شهادة الرسول وهي قول (محمدٌ رسول الله) وألزم الخَلق بتصديقه في جميع ما أخبر عنه من أمر الدنيا والآخرة. وأنه لا يقبل إيمان عبد حتى يؤمن بما أخبر عنه بعد الموت وأوله سؤال منكر ونكير وهما شخصان مهيبان يُقعِدان العبد في قبره سوياً ذا روح وجسد فيسألانه عن التوحيد والرسالة ويقولان مَن ربك وما دينك ومَن نبيك وهما فتّانا القبر وسؤالهما أول فتنة بعد الموت، وأن يؤمن من بعذاب القبر وأنه حق وحكمة وعدل على الجسم


والروح كما يشاء، وأن يؤمن بالميزان ذي الكفتين واللسان وصفته في العظم أنه مثل طباق السموات والأرض توزن فيه الأعمال بقدرة الله وتتضح يومئذ مثاقيل الذرّ والخردل تحقيقاً لتمام العدل وتُطرَح صحائف الحسنات في صورة حسنة في كفة النور فيثقل بها الميزان على قدر درجاتها عنده بفضل الله وتُطرح صحائف السيئات في كفة الظلمة فيخف بها الميزان بعدل الله، وأن يؤمن بأن الصراط حق وهو جسر ممدود على متن جهنم أحدَّ من السيف وأدق من الشعر تزِلُّ عنه أقدام الكافرين بحكم الله فيهوي بهم إلى النار ويثبت عليه أقدام المؤمنين فيُساقون إلى دار القرار، وأن يؤمن بالحوض المورود حوض محمد صلى الله عليه وسلم يشرب منه المؤمنون قبل دخول الجنة وبعد جواز الصراط، مَن شرب منه شُربةً لم يظمأ بعدها أبدا، عرضُهُ مسيرة شهر أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، حوله أباريقٌ عددها عدد نجوم السماء فيه ميزابان يصبان من الكوثر، ويؤمن بالحساب وتفاوت الخلق فيه إلى متناقَشٍ في الحساب وإلى مسامَحٍ فيه وإلى مَن يدخل الجنة بغير حساب وهم المقربون، فيسأل مَن يشاء مِن الأنبياء عن تبليغ الرسالة ومَن شاء من الكفار عن تكذيب المرسَلين ويسأل المبتدعة عن السنة ويسأل المسلمين عن الأعمال ويؤمن بإخراج الموحدين من النار بعد الانتقام حتى لا يبقى في جهنم موحِّد بفضل الله تعالى، ويؤمن بشفاعة الأنبياء ثم الأولياء ثم العلماء ثم الشهداء ثم سائر المؤمنين كلٌّ على حسب جاهه ومنزلته ومن بقي من المؤمنين ولم يكن له شفيع أُخرِج بفضل الله فلا يخلد في النار مؤمن بل يخرج منها مَن كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، وأن يعتقد فضل الصحابة وترتيبهم وأن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم وأن يُحسِنَ الظن بجميع الصحابة ويُثني عليهم كما أثنى الله


تعالى ورسوله عليهم أجمعين، فكل ذلك مما وردت به الأخبار وشهدت به الآثار فمن اعتقد جميع ذلك مُوقِناً به كان من أهل الحق وعصابة السُنة وفارق رهط الضلال وحزب البدعة فنسأل الله تعالى كمال اليقين والثبات في الدين لنا ولكافة المسلمين إنه أرحم الراحمين، انتهى.
(هذه عقيدة شيخنا مُحيي السنة والشريعة والمِلة والدين، سلطان الأولياء والعارفين السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنه ووفقنا لاتباعه ومحبته وللتمسك بآثاره وطريقته آمين) وهي نافعة جامعة كافية لا يحتاج المريد بعدها لغيرها من الزوائد لما فيها من الحقائق الشافية والعبارات الكافية ولله دُرَّهُ فإنه بلغ من مراتب الولاية الغاية ومن منازل الصديقية النهاية وجمع بين الشريعة والطريقة والحقيقة بنسقٍ واحدٍ وحَّدَ فيه بين تلك المصادر والموارد وهذا طريق أهل الحق الخُلَّص العارفين رضي الله عنهم أجمعين.
(تنبيه) السيد حسن بن السيد محمد عسلة ابن السيد الحازم جد السيد يحيى الرفاعي نقيب البصرة المهاجر من المغرب الذي تقدم ذكره فإنه رباه ابن عمه السيد يحيى المذكور وأرشده وألبسه خرقة بيتهم وأقرأه علوم الدين ولما بلغ أشده زوجه ببنت الشيخ الإمام أبي الفضل الواسطي وهو محمد بن أبي بكر بن عبدالرحمن بن أحمد بن علي بن حسن القرشي المعروف بالقارئ والد الشيخ الإمام بركة الإسلام أبي الفضل على الواسطي القارئ شيخ سيدنا السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنه وعنهم أجمعين فأولدها السيد الجليل سيف الدين عثمان فلما استوى تزوج ببنت عمه الشريفة ست النسب أخت سيدنا السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنه فأولدها السيد عليّاً والسيد عبدالرحيم والسيد عبدالسلام والسيدة ست الكرام فأما السيد عبدالسلام فإنه أعقب السيدة رقية فتزوجها ابن أخيه السيد عز الدين

 أحمد الصياد فأعقب منها السيد عبدالرحيم ولم يذكر للسيد عبدالسلام غير السيدة رقية وأما السيدة ست الكرام بنت السيد سيف الدين عثمان فإنها تزوجت بالشيخ الكبير العالي القدر الجليل المكانة محمد ابن حرثان ويقال له حرثاء فأولدها سيدي أحمد المعروف بابن ست الكرام وقد غلب اسم أمه على اسم أبيه لأن أباه قدس سره لم يكن من أهل البيت رضي الله عنهم وأما السيد علي والسيد عبدالرحيم فقد سبق ذكر عقبهما المبارك وأما السيد عثمان والسيد إسماعيل أخوا السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنه وعنهم فالسيد عثمان أعقب فرجاً والسيد مباركا ولهم ذرية مباركة منها بواسط والحجاز والشام وأما السيد إسماعيل الصالح فإنه أعقب أحمد وله فرج ونعيم وعزالدين ولكلهم ذرية مباركة بهم يُقتدى وبهديهم يُهتدي
       ورثوا السيادةَ كابراً عن كابرِ             وتقلــدوها والداً عن والدِ
(تحفة) قال الشيخ الكبير ابن كراز يعقوب قدس سره توفي شيخنا الإمام الجليل الشيخ منصور البطائحي الرباني رضي الله تعالى عنه سنة أربعين وخمسمائة وكان عمر سيدنا السيد أحمد دُوَين الثلاثين فجلس للإرشاد، فبعد مضي العام السابع من تصدره على بساط الإرشاد حصيت الرقاع التي وردت من مريديه الذين دخلوا الخلوة الأسبوعية المحرمية في تلك السنة فكانت سبعمائة ألف رقعة وشرع عامها بتوسيع الرواق فما بقي في البطائح وواسط أحدٌ إلا وخدم بتوسيعه إما بماله وإما ببدنه، وكانت قناطر الرواق الأحمدي عام خمسين وخمسمائة أربعة آلاف قنطرة وبناؤه أربع حلق كل حلقة تضمها حلقة أوسع منها وكان محياه في نصف شعبان يجمع أكثر من مائة ألف إنسان وكان يقوم بكفاية الجميع وكان يجتمع في رواقه كل يوم ما يقارب عشرين ألفا من مريديه ويمد لهم السماط صباحاً ومساء ومع هذا


كله وهو وعياله وأولاده كأحاد الفقراء لا يملكون شيئاً من عرض الدنيا، فهل هذا إلا الظهور المحمدي الذي منّ الله به عليه وراثة من جده صلى الله تعالى عليه وسلم. (توفي سيدنا ومولانا السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنه) يوم الخميس الثاني والعشرين من جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وخمسمائة بأم عبيدة ودفن في قبة جده لأمه الشيخ يحيى الكبير النجاري الأنصاري رضي الله تعالى عنهما وله من العمر ست وستون سنة وستة أشهر وأيام وكان آخر كلامه لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، قال في ربيع العاشقين.
( ثم توفي بعده) الشيخ الكبير العالم العارف ممهد الدولة سيدي علي بن عثمان قدس الله تعالى روحه يوم الأربعاء قبل أذان الظهر لإحدى عشرة خلون من شهر صفر سنة أربع وثمانين وخمسمائة وحُمل إلى أم عبيدة سلام الله على ساكنيها وغسله الشيخ تقي الدين المكي الفقيه الذي غسل خاله سيدي السيد أحمد الرفاعي قدس الله سره العزيز ودفن إلى جانب الشيخ يحيى بجنب خاله سيدي السيد أحمد في حجرته الشريفة.
(ثم توفي بعده) الشيخ الكبير الشهيد سيدي مهذب الدين والدولة عبدالرحيم بن عثمان قدس الله روحه صبيحة يوم الأربعاء أول يوم من شوال سنة أربع وستمائة وغسله الشيخ عبدالجبار المؤذن بحضور الشيخ أبي شجاع بن المعز من أهل قرية عبدالله ودفن بزاوية الرواق الخيلان عند أخيه عبدالسلام وولده أبي العلم رضوان الله عليهم أجمعين.
(ثم توفي بعده) الشيخ الإمام العالم العلامة أبو اسحق سيدي إبراهيم بن علي الأعزب قدس الله سره يوم الأثنين لعشر خلون من ذي القعدة سنة عشر وستمائة وغسله عبدالجبار المؤذن ودفن مع أبيه وجده بالمشهد الشريف بأم عبيدة رضوان الله عليهم أجمعين.
(ثم توفى بعده) السيد السعيد


الشهيد العالم العارف مفتي الفقهاء سيدي شمس الدين محمد بن عبدالرحيم بن عثمان قدس الله روحه ظهر يوم الأربعاء مستهل شهر رجب المبارك سنة تسع عشرة وستمائة وغسله محمد بن سليمان نقيب الفقراء بالجامع ودفن قبلة المشهد الشريف مع جده رحمهم الله تعالى (ثم توفى بعده) السيد السعيد الشهيد عزالدين عبدالرحمن ابن سيدي عبد الرحيم قدس الله أرواحهم يوم الجمعة ثامن عشر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وستمائة وكانت وفاته في الوجهة محاذي القرن بالشط بالسوق في السفر وأخذوه إلى أم عبيدة فوصل ليلاً وغسلوه الفجر الأول يوم السبت وصلوا عليه قبل الصبح ودفن في مشهد جده عند القبلة.
( ثم توفي بعده) الشيخ العالم العارف الكبير قطب الدين أبوالحسن علي بن عبدالرحيم قدس الله تعالى روحه ظهر يوم الخميس الرابع عشر من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وستمائة وغسله الشيخ أحمد بن عبدالرحمن بن كراز المقرئ ودفن بعد الظهر بالمشهد الشريف إلى جانب أخيه عبدالرحمن رضي الله عنهم أجمعين.
(ثم توفي بعده) الشيخ الكبير العالم العارف قدوة الطوائف صاحب الفتوة والإشارات والكرامات الظاهرات العابد القانت رداد الفائت نجم الدين أبوالعباس سيدي أحمد بن علي قدس الله روحه ونوّر ضريحه يوم الأحد سابع عشر شعبان سنة خمس وأربعين وستمائة ودفن في مشهدهم أمام الجامع برواق تقي الدين رضوان الله عليه وعلى ذريته.
(ثم توفى بعده) السيد السعيد الرشيد العالم سيف الدين علي ابن سيدي نجم الدين أحمد قدس الله روحه بواسط سنة إحدى وخمسين وستمائة، وحُمل إلى الخزائن ثم أخذوه في الورحية فوصل إلى السويداء فوجدهم سيدي محيي الدين أبو بكر بن أبي الحسن قدس الله روحه فسألهم عنه فعرفوه أنه قد توفي فأخذوه إلى أم عبيدة ودفن بمشهد جده رضوان الله عليهم أجمعين.
( ثم توفي بعده) أخوه لأبيه الشيخ الكبير العالم العامل الزاهد العابد سيدي محيي الدين إبراهيم ابن سيدي نجم الدين أحمد قدس الله تعالى روحه ودفن بمشهدهم سنة ستين وستمائة.
(ثم توفي بعده) الشيخ الكبير العالم العارف طاهر الطرفين زاكي الخالين وحيد العصرين عزالدين سيدي السيد أحمد الصياد بمتكين قرية بديار الشام تقرب من معرة أبي العلا سنة سبعين وستمائة وله مشهد مبارك.
( ثم توفي بعده) سيدي الإمام الأوحد السيد شمس الدين أحمد ابن سيدي شمس الدين محمد قدس الله تعالى روحه يوم الخميس سادس شهر رجب سنة إحدى وسبعين وستمائة وغسله شرف الدين قاضي أم عبيدة وأفاض عليه الماء الشيخ أحمد بن مصدق ودفن بمشهدهم مع آبائه الطاهرين رحمة الله عليهم أجمعين.
(ثم توفي بعده) الشيخ الكبير المؤيد الفاضل العالم العارف رضي الدين سيدي عبد الله بن أحمد قدس الله روحه يوم الأربعاء عاشر ربيع الأول سنة ست وسبعين وستمائة ودُفن إلى جانب أبيه نجم الدين قدس الله روحه بمشهدهم سلام الله على ساكنيها.
وقال ابن المهذب توفي الشيخ الكبير المعمر القطب الأعظم الإمام الفرد السيد تاج الدين ابن السيد شمس الدين محمد الرفاعي سنة أربع وسبعمائة وقد زاد عمره عن المائة ودفن مع آبائه وأجداده الطاهرين برواق أم عبيدة.
(قلت) وشيخ رواق أم عبيدة الآن شيخنا وسيدنا أستاذ الجماعة بركة الوقت قطب الزمان السيد يوسف رضي الدين ابن السيد رجب ابن السيد شمس الدين محمد سبط الحضرة الرفاعية نفعنا الله به وبأسلافه الأئمة المهديين والمسلمين ( قال في ربيع العاشقين).
 أجمع رأي الخلفاء العظام على تفويض ولاية واسط للسادة الرفاعية بعد وفاة السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه فكانوا يتوارثون

الولاية على البلاد كما يتوارثون الولاية القلبية وكان الوالي يرسل من قِبَل الخليفة بشرط كونه تحت نظر شيخ رواق أم عبيدة وقد لقب الخليفة الناصر لدين الله أحمد شيخ الرجال سيدنا علي بن عثمان مهذب الدولة ثم بعد وفاته لقب أخاه السيد عبدالرحيم ممهد الدولة ثم بعد وفاته لقب ولده السيد إبراهيم الأعزب نظام الدولة ثم بعد وفاته لقب ابن عمه المفتي الكبير السيد شمس الدين محمد سعد الدولة وبعد وفاته لقب أخاه أبا الحسن عبدالرحمن ويقال عبدالمحسن ابن السيد عبدالرحيم عز الدولة ثم بعد وفاته لقب الخليفة المستنصر بالله السيد الكبير أبا الحسن علي بن عبدالرحيم شرف الدولة، وبعد وفاته لقب السيد الكبير نجم الدين أحمد بن علي حسام الدولة، ثم لما أفضت الخلافة للمستعصم بأمر الله كتب لسيدي السيد نجم الدين أحمد أني قد أقلتك من النظر على واسط لعلمي أن المشيخة والولاية ضدان لا يجتمعان فكتب له: قد أحسن الإمام سلّمه الله، نعم، ما كان أسلافنا لذلك بالطالبين ولا أسلافه بالمخطئين، إنما أسلافنا أرادوا الامتثال وأسلافه أرادوا التيمن والآن نحن كأسلافنا على طريق الامتثال والإمام سلمه الله انصرف لما صرفه الله إليه وجزاه الله عنّا وعن المسلمين خيرا، فأعاد الخليفة نظر الولاية له فردَّها وقال أخشى أن يراني الخليفة طالباً لها ونحن قوم ولاّنا الله على القلوب، فلا حاجة لنا بولاية الجدران ولم يتم بعد ذلك للمستعصم أمر وانقرضت به الخلافة العباسية، وكان من أمر الله ما كان.
 (فائدة) قال ابن المهذب بلغت خلفاء السيد أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنه وخلفاؤهم مائة وثمانين ألفا حال حياته ولم يكن في بلاد المسلمين المعمورة مدينة أو بليدة أو قطر تخلو ربوعه من زواياه ومحبيه وتلامذته العارفين المَرْضيين رضي الله تعالى عنه وعنهم أجمعين، انتهى.
(وقال الجم الغفير) من العارفين الذين لا يبخسون الناس أشياءهم ولا


ينصرفون عن الحق حسدا أن من انتسب لأي طريقة كانت له أن ينتسب بعدها للطريقة الرفاعية ومن انتسب للطريقة الرفاعية لا يصح له بعدها الانتساب لطريقة غيرها وذلك لاستجماعها جميع أحكام العبودية وكل آداب الطرائق ولتمحضها بالحقيقة الشرعية وتحققها بالأخلاق المحمدية ولقرب سند يد صاحبها الإمام الأكبر السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو مشهورٌ متواتر لا يقبل الجحود ولذلك نرى أن أعيان طبقة القوم بعده من أتباعه وهم أكثر الطوائف فتوحا رضي الله عنه وعنهم،  أ هـ.
(ورأيت بحثا لطيفا) لشيخنا وأخينا الحافظ الهمام تقي الدين بن عبدالمحسن الواسطي الأنصاري حفظه الله ونفع المسلمين بحياته في كتابه ترياق المحبين الذي ألفه في خرقة الصوفية وهو غير كتابه ترياق المحبين الذي ألفه خاصاً بسيرة سيدنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه، لخصت منه هذه العبائر المباركة قال (وأما رجال الخرقة من العائلة (الرفاعية الفاطمية) فهم أعظم وأشهر من أن ننبه عليهم وسنذكر جماعة منهم نتبرك بذكرهم ونتعطر بعطرهم.
* أولهم السيد عثمان سيف الدين الأخ الصغير للإمام الكبير الرفاعي لأم وأب أخذ عنه وتربى بتربيته وقال البطائحيون كافة بعلو مقامه واتفقوا على قطبيته وأنه من أجل الوراث المحمديين أخذ عنه أولاده السادة الأفراد وغيرهم وممن أخذ عنه الشيخ أبو البركات بن مرزوق القرشي البطائحي والشيخ العارف علي جلال الدين ابن الأعرج المعروف بابن نقيب واسط الحسيني وجماعة، توفي في حياة أخيه ودفن في مقابرهم بتل الحي.
* ومنهم السيد إسماعيل الأخ الأصغر للسيد أحمد رضي الله تعالى عنه تربى بتربيته وانتفع بخدمته وبه تخرج وعنه أخذ ولده السيد محمد وغيره وله خوارق كثيرة وشهرة بالبطائح وانتفع به أمة. توفي في السنة التي


توفي بها أخوه السيد الكبير رضي الله عنهما بعده بأيام قلائل وقبره مع عشيرته بتل الحي.
* ومنهم ابن عمه السيد الكبير سيف الدين عثمان بن السيد حسن ابن السيد عسلة الرفاعي الذي تزوج بالسيدة ست النسب أخت السيد أحمد رضي الله تعالى عنهما وأعقب منها الولي الجليل السيد عبدالسلام وأخويه الإمامين مهذب الدولة عليّا وممهد الدولة عبدالرحيم وقد أشتهر أمر السيد عثمان بن حسن في الآفاق وانتسب إليه أمة لا تعد ولو فصلنا سيرته وذكرنا من أخذ عنه لضاق الوقت تخرج بصحبته جماعة من أعلام الأمة.
* منهم ولده القطب المقدام والسيف الصمصام الدرة اليتيمة أبو الفتح السيد عبدالسلام رضي الله تعالى عنه أخذ عن أبيه وله عن خاله سيدنا السيد أحمد الكبير بلا واسطة أبيه المشار إليه.
* ومنهم ولداه السيد علي والسيد عبدالرحيم وقد أخذا عن خالهما بغير واسطة أبيهما نفعنا الله بهم والمسلمين توفى السيد عثمان المشار إليه عام خمسين وخمسمائة وقبره بتل الحي يُزار ويُتبرك به أما السيد علي مهذب الدولة بن عثمان المتقدم ذكره هذا فهو السيد الجليل والعلم الطويل وهو شيخ رواق أم عبيدة بعد خاله وابن عم أبيه قطب الأكوان السيد أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنه، (قال الإمام عبدالكريم الرافعي قدس سره) شيخ العائلة الأحمدية أبو الفضل مهذب الدولة السيد علي رضي الله تعالى عنه أطبق أهل العراق على ولايته وهو في البطائح مقام خاله وعمه قام وارثاً عظيماً ونائباً كريما انتهت إليه رئاسة هذا الوقت انتهى كلامه.
* تخرج بصحبته أعلام الطريق واقتدى به الهداة الجحاجحة وتلمذ له خلائق لا تحصى وتبعه أعيان العصر وممن تخرج بصحبته ونجح بخدمته الشيخ أبو الفضل الخطيب والشيخ شهاب الدين أبو علي البسطامي والنقيب الكبير السيد سالم بن الأعرج الحسيني نقيب واسط وولداه


الإمامان العظيمان السيد محيي الدين أبو اسحق إبراهيم الأعزب والسيد نجم الدين أحمد الأخضر ولدا السيدة الشريفة ذات النور فاطمة بنت الإمام الرفاعي وأولاده الغر الأعيان الذين تسلسلوا من ولديه الكريمين السيد إبراهيم الأعزب والسيد نجم الدين أحمد كلهم أهل ولاية عظيمة وأحوال كريمة ومناقب فخيمة وهم أشياخ الأمة وهداتها وأساتذتها وبهم بيَّض الله صحائف الطريقة وجدَّد بهم مراسم الشريعة.
* ولولديه القطبين المباركين إبراهيم وأحمد رضي الله تعالى عنهما خرقة من عمهما قطب الوقت ممهد الدولة عبدالرحيم ولهما من جدهما القطب الأكبر والكبريت الأحمر سيدنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنهما بلا واسطة.
* وأما السيد الجليل القدر النافذ الأمر القطب الفرد الشريف الكريم ممهد الدولة سيدنا السيد عبدالرحيم فهو والد أسباط الإمام الرفاعي ووراثه وخليفته ومعدن عمله وحكمته وفراسته أطبق أهل عصره على ولايته وقطبيته وكان الأولياء يسمونه أبا الأقطاب وشيخ الإنجاب وذلك لأن الله تعالى مَنَّ عليه بستة أولاد وبنتين أجمع مشايخ البطائح الذين هم مرجع الأولياء وقدوة صوفية الدنيا على قطبية كل منهم فالذكور من بنيه رضي الله تعالى عنه وعنهم شيخ الوقت السيد شمس الدين محمد والإمام السيد قطب الدين أحمد والجهبذ العارف عبدالمحسن السيد أبوالحسن والقطب الأكمل السيد أحمد أبو القاسم والندب الصمصام السيد أبو الحسن الثاني والقطب الغوث الوارث السيد عزالدين أحمد الصياد، وكلهم خلفاء أبيهم ولهم عن عمهم مهذب الدولة السيد علي، وبعضهم أخذ عن بعض أخوته ولكلهم إذن الخرقة من جدهم بلا واسطة.
* (ومن الذين تشرفوا بلبس الخرقة الشريفة الرفاعية من يد الغوث الرفاعي) ولده الطاهر وفرعه الزاهر


نتيجة دوحة الشرف والمفاخر علم الأولياء الأكابر ذو الخلق الممدوح والحسب الزاهر الجدير بالمدائح والمختص بالمواهب والمنائح السيد الرفيع المقام قطب الدين الصالح رضي الله تعالى عنه كان حافظاً لكتاب الله تعالى فقيهاً في الدين حسن الخط زين الرواية معروفاً بالفصاحة مشهوراً بالجود والسماحة، أمَّ بين يدي أبيه وصعد الكرسي ووعظ الناس وعظمه شيوخ البطائح وقالوا بمحاذاته مقام الغوثية وهو ابن سبع عشرة، سنة قال الحدادي زوجه أبوه وأعقب ولداً اسمه منصور وتوفى وبقي ولده ولم يعتمد الإمام أبو النظام مؤيد الدين بن الأعرج الحسيني نقيب واسط في كتابه بحر الأنساب المعروف بالثبت المصان على هذا ونصَّ على أنه لم يتزوج وهذا مات رضي الله تعالى عنه وموته دون العشرين على الصحيح، أقول وهذا القول المعتمد عليه على الغالب، وأما السيد منصور الذي ظنه الحدادي أنه ابن السيد صالح فهو أبوالصفاء منصور العارف الكبير ابن القطب الأوحد السيد نجم الدين أحمد بن السيد مهذب الدولة علي بن عثمان الرفاعي الحسيني رضي الله عنه.
* وأما أولاد هؤلاء الأسباط الكرام فهم طبقة بعد طبقة إلى عصرنا هذا أعيان الدين وأشياخ المسلمين وأساتذة الموحدين نفع الله بهم العباد وعمَّ ببركتهم الأغوار والأنجاد ونشر أعلام هديهم في البلاد ولولا خوف الإطالة لذكرناهم فرداً فردا وفصَّلنا مآثرهم وأخبارهم ولكن علو أمرهم من القضايا البديهية أشهر من أن يذكر وأعظم من أن ينبَه عليه لاشتهاره بين الإسلام في جميع الأقطار والأمصار اشتهار الشمس في رابعة النهار.
(فائدة)
(وهي إن شاء الله حسن الختام لهذا الكتاب المبارك)
 أخبرنا الشيخ الصالح الورع البركة الفقيه أحمد الغزالي عن الشيخ العارف بالله عبدالملك بن حماد الموصلي أحد أجلاء خلفاء سيدنا السيد أحمد الرفاعي


رضي الله عنه أن شيخه سيدنا المشار إليه والمعول عليه أجاز أصحابه بقراءة حزبه الجليل المعروف بين السادة الرفاعية بالسيف القاطع وأخبرهم أنه أذن بقراءته في عالم المعنى من جده رسول الله صلى الله عليه وسلم واتفقت كلمة هذه الطائفة على أن من داوم على قراءته لا يُخذل ولا يُغلب ولا يُهان ولا يُفضح ولا يُخزى بحول الله وقوته ويدوم له الفتح والخير والبركة والإقبال وصلاح الحال ويكون بعين الله وظل رسوله صلى الله عليه وسلم وتلحظه بركة الروح الطاهرة الرفاعية (وهو):

بِسمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
) الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {2} الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ {3} مَـلِكِ يَوْمِ الدِّينِ {4} إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ {5} اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ {6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم ْوَلاَ الضَّالِّينَ {7}). آمين.

     (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ*  فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ* وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ*  كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ*  فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا*  مَّا هُم بِبَالِغِيهِ*  فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ*  وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا*) 

    أعداؤنا لن يصلوا إلينا بالنفس ولا بالواسطة، لا قدرة لهم على إيصال السوء إلينا بحال من الأحوال.

    (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا*  وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ*  ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ*  لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ*  وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ*  إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ*  وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ*)

    أعداؤنا لن يصلوا إلينا بالنفس ولا بالواسطة، لا قدرة لهم على إيصال السوء إلينا بحال من الأحوال.

    (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ*  وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ*  جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ*  وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا
يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ*  فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ*  قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا*  إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء*  شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ*  وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ*  وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا*  وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا*  وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا*  وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا*)

    أعداؤنا لن يصلوا إلينا بالنفس ولا بالواسطة، لا قدرة لهم على إيصال السوء إلينا بحال من الأحوال.

    (وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ*  وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ
مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ*  هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ*  كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ*  وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآءُوْا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ*  سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا*  وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ*  خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ*  لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ*  فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ*  وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ*  فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ*  إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ*  فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ*  أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ*  لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ*  لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى*  لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ*  لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ*  لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى*  لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى*  فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ*  إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا*  وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً*  لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ*  وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ*  وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ*  فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا*  إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا*  فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ*  وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً*  فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً*  أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ*  وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً*  وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا)

    أعداؤنا لن يصلوا إلينا بالنفس ولا بالواسطة، لا قدرة لهم على إيصال السوء إلينا بحال من الأحوال.

    (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا*  وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً*  وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ*  إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ*  وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ*  وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي*  إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي*  إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا*  إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا).

    أعداؤنا لن يصلوا إلينا بالنفس ولا بالواسطة، لا قدرة لهم على إيصال السوء إلينا بحال من الأحوال.

    (خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ  ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ*  صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ*  كُبِتُوا*  كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ*  فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ*   إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ*  وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ*  أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ*  وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ  الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ*  إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا*  وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا*  وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا*  أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً*  عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم*  ْ فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ*  دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ*  ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ*  وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ*  وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ*  وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ*  مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ*  فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ*  وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا*  قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ*  إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ*  عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ*  إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ*  رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ*  أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ*  وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ*  قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ*  الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ*  فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ*  قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ*  إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا*  وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ*   وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).

     أعداؤنا لن يصلوا إلينا بالنفس ولا بالواسطة، لا قدرة لهم على إيصال السوء إلينا بحال من الأحوال.

    صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ*  صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ*  يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ*  وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ*  وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ*  إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ*  وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ*  وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً*   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّار وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً*  وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ*  وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ  بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء*  يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ*  فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ*  وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ* بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ*  وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ*  وكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا*  فَلاَ تَخْشَوْهُمْ*  قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ*  أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ*  تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ*  وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاء إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً*  كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ* أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً*  فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ*  وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا*  ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا*  وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ*  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ*  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ*  قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ*  عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ*  وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ*  وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ*  فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ*  سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ*  فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ*  مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ*  ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ*  الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا*  يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ*  قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى*  يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ).

     أعداؤنا لن يصلوا إلينا بالنفس ولا بالواسطة، لا قدرة لهم على إيصال السوء إلينا بحال من الأحوال.

     وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ*  وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ*  عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ*  دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ*  أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ*  فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ*  إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ*  وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ*  فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ*  إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا*  يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم*  اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ*  طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ*  وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ*  أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ*  أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ*  فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ*  إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ*  وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ*  وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا* وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ*  وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ*  وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ*  وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ*  فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ*  إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا).

     أعداؤنا لن يصلوا إلينا بالنفس ولا بالواسطة، لا قدرة لهم على إيصال السوء إلينا بحال من الأحوال.

     (وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاء إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ*  وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ*  سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ*  فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ*  فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ*  لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ*  فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ*  وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ*  وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ*  هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ*   تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ*  لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ*  وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا*  وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً*  وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا*  وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا*  قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا).

     أعداؤنا لن يصلوا إلينا بالنفس ولا بالواسطة، لا قدرة لهم على إيصال السوء إلينا بحال من الأحوال.

    (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا*  فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا*  وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا*  وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا*  وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى* تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى*  إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ*   وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ*  أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا*  كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ).

     أعداؤنا لن يصلوا إلينا بالنفس ولا بالواسطة، لا قدرة لهم على إيصال السوء إلينا بحال من الأحوال.

    (وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ*  وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ*  هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ*  قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ*  وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ*  إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم* ٍ وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ*  بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ*  فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ).

    وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
 (هذا آخر ما يسر الله جمعه بهذا الكتاب المستطاب)
والله ولي العون والهداية والتوفيق وهو
الهادي إلى سواء الطريق ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وسلام على المرسلين
والحمد لله رب
العالمين
تم

( يقول مصححه المتوكل على الرحمن الفقير إليه تعالى أحمد مروان)
نشكر من جعلنا شعوبا وقبائل ونصلي على نبيه وآله وصحبه أولي الفواضل والفضائل ومن تبعهم في نهجهم القويم وسننهم المستقيم.
(وبعد) فقد تم طبع كتاب خلاصة الإكسير في نسب سيدنا الأستاذ أحمد الغوث الرفاعي الكبير للشيخ الكبير سيدي علي أبي الحسن الواسطي الشافعي وذلك بالمطبعة الخيرية المنشأة بجمالية مصر المحمية تعلق كل من حضرتي السيد عمر حسين الخشاب والسيد محمد عبد الواحد الطوبي على ذمة الجناب الأمجد فرع الشجرة الهاشمية وطراز العصابة المحمدية السيد عبد الحي فائق أفندي الحسيني بغزة هاشم وكان تمام طبعه
               في شهر صفر الخير سنة 1306 من هجرة سيد الأنبياء
والمرسلين عليه باهر الصلوات وزاهر التسليمات
وعلى آله الهادين وأصحابه الذين أسسوا
دعائم الدين ما تعاقب المَلَوان
وطلع النيران
آمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق