الأربعاء، 14 مايو 2014

لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية الإمام عبد الوهاب الشعراني الجزء 6

لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية الإمام عبد الوهاب الشعراني الجزء 6
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نستعد لفهم إشارات الحق تعالى بتلطيف الكثائف حتى نحس إذا استخرنا ربنا بما هو الأولى لنا من فعل ذلك الأمر أو تركه فإن من كان غليظ الحجاب لا يحس بشيء من ذلك ولهذا نقول له استخر ربك فيقول قد استخرته فلم يترجح عندي أمر ولو أنه كان رقيق الحجاب لأدرك ما فيه الخيرة له من فعل أو ترك ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به حتى يمزق حجب عوائده ولا يصير له عن الله عائق بل يفهم مراد الحق تعالى بأول وهلة وهذا أمر عزيز الوجود ولذلك عول غالب الناس على استشارة بغضهم بعضا لا سيما إشارة الفقراء ولكن يحتاج أيضا إلى تلطيف حجاب حتى يعرف طريق الخيرة لذلك العبد من طريق كشفه وإلا فإشارته معكوسة وربما أشار على أحد بأمر فكان فيه هلاكه فيكون على المشير الإثم في ذلك مثل من يفتي في دين الله بغير علم
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: لا ينبغي لأحد أن يشير على أحد بشيء إلا إن كان مطمح نظره اللوح المحفوظ الذي لا تبديل فيه فإن لم يكن مطمح نظره ما ذكر فليقل له استخر ربك
وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله يقول: الاستشارة بمنزلة تنبيه النائم فترى الإنسان يكون جازما بفعل شيء فيشاور فيه بعض إخوانه فيقول له إن فعلت كذا حصل لك كذا فينحل عزمه عنه في الحال فلو قال له إنسان بعد ذلك افعل كذا لا يرجع إلى قوله
وسمعته أيضا يقول: لا تستشر محب الدنيا في شيء من أمور الآخرة فإن تدبيره ناقص لحجابه بالدنيا عن الآخرة ولا تستشر أيضا محب نعيم الآخرة من الزهاد والعباد في شيء من الأمور المتعلقة بالأدب مع الحق تعالى فإنه محجوب بذلك عن الحق وعن حضرته الخاصة واستشر كمل العارفين بالله في أمور الدنيا والآخرة فإنهم قطعوا المرتبتين ووصلوا لحضرة الحق وعرفوا آدابها ودرجات أهلها في الأدب وفي المثل السائر: استعينوا على كل حرفة بصالح من أهلها فتأمل ذلك واعمل عليه
وسمعت سيدي علي الخواص رحمه الله يقول: لا ينبغي لمن كان مشغوفا بحب الدنيا أن يفعل شيئا برأيه ولا باستخارته بل يسأل أهل الخير عن ذلك ويفعل ما يشيرون به عليه ولو كان من أكابر ملوك الدنيا فإن صحة الرأي إنما تكون لمن زهد في الدنيا وشهواتها والولاة غارقون في حب الدنيا مع زيادة السكر الحاصل لهم من لذة الأمر والنهي والحكم ولذلك طلب الملوك العادلون أن يكون لهم وزراء لأن رأي الوزير ربما كان أكمل وأتم من الملوك لكون الوزير أنقص حكما وتصريفا منهم فلذلك قل سكره وقال العارفون لا يعرف الشيء إلا من زهد فيه وفي الحديث: [[حبك للشيء يعمي ويصم]]
ولولا ظهور عيب الدنيا للزاهد ما زهد فيها
فاعمل يا أخي على جلاء مرآتك بإشارة شيخ مرشد إن أردت أن تعرف مراد الحق وطريق الخيرة فيما تفعله في المستقبل وإنما شاور صلى الله عليه وسلم أصحابه امتثالا لأمر الله تعالى بقوله {وشاورهم في الأمر}
وإلا فهو صلى الله عليه وسلم أتم خلق الله تعالى رأيا وأوسعهم علما وعقلا فكانت مشاورته لهم تمييلا لخاطرهم لا عملا بإشارتهم من غير أن يظهر له صلى الله عليه وسلم وجه الحق في ذلك ولذلك قال تعالى له {فإذا عزمت على أمر} يعني على فعل ما أشاروا عليك به: {فتوكل على الله} لا على مشورتهم على أنه لا يقدح في كماله صلى الله عليه وسلم عدم التفاته إلى أمور الدنيا كما قال في مسألة تأبير النخل: [[أنتم أعلم بأمور دنياكم]]
يعني التي لا وحي عندي من الله فيها فافهم
قال بعض العارفين: ولم يمت صلى الله عليه وسلم حتى صار أعلم الناس بأمور الدنيا اه
فشاور في جميع الأمور التي تحبها نفسك من يكون زاهدا فيها من العارفين لا من المتعبدين فإن المتعبد ربما نفرت نفسه من الأشياء بحكم الطبع ونفر غيره عنها كذلك ولو كان فيها مصلحة له كما يقع فيه كثير من ترك الكسب واشتغل بالعبادة وقنع بما يتصدق الناس به عليه فتراه يأمر الناس كلهم بترك الأسباب والكسب كذلك يقول لهم ربكم يرزقكم وغاب عنه أن اعتماد مثله على الخلق لا على الله تعالى ولو أن هذا الشخص شاور عارفا فقال له عليك بالكسب واعتمد على الله لا على الكسب واعتق نفسك من تحمل منن الخلائق
بل قال بعض مشايخ العرب لما ظن أنه متوكل أنا ما ولاني أحد من الفقراء هذه الوظيفة وإنما ولاني الله تعالى فقال له شخص من قرناء السوء أنت والله من الأولياء فقلت له لا يكون من الأولياء إلا إن صرح بهذا القول بين يدي الباشا الذي ولاه وقال له في وجهه أو قال لمن يبلغه ليس لك علي جميل أو ليس للباشا علي جميل وما ولاني إلا الله فقال متى قلت ذلك عزلني وسلب نعمتي قلت: فإذن قولك إنك معتمد على الله دون الخلق افتراء على الله تعالى وازدراء بطائفة الفقراء لا غير
قلت: وقد رأيت بعض الأكابر من العارفين يشهد الله تعالى كل يوم في جميع ما يتحرك به أو يسكن ويقول اللهم إن كنت تعلم أن جميع حركاتي وسكناتي في هذا اليوم خير لي فاقدرها لي ويسرها لي وإن كنت تعلم أنها شر لي فاصرفها عني واصرفني عنها وقال من واظب على ذلك كان في أمان من الله تعالى أن يمكر به اه
قال البيهقي ويعيد صلاة الاستخارة والدعاء ثانيا وثالثا وأكثر حتى ينشرح صدره لشيء اه. {والله غفور رحيم}
- روى مالك والشيخان وغيرهما مرفوعا: [[من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنه ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر]]
وفي رواية: [[لهما مثل المهجر]]
وفي رواية للبخاري: [[المستعجل للجمعة كالمهدي بدنه]] الحديث
وفي رواية للإمام أحمد مرفوعا: [[تقعد الملائكة على أبواب المساجد فيكتبون الأول والثاني والثالث حتى إذا خرج الإمام رفعت الصحف]]
وروى الطبراني والأصبهاني وغيرهما مرفوعا: [[إن الرجل ليكون من أهل الجنة فيتأخر عن الجمعة فيؤخر عن الجنة وإنه لمن أهلها]]
والأحاديث في ترتيب درجات الذاهبين إلى الجمعة كثيرة
وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه مرفوعا: [[من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغى]]
ومعنى لغى خلي من الأجر وقيل أخطأ وقيل صارت جمعته ظهرا وقيل غير ذلك قاله الحافظ المنذري
وروى البخاري والترمذي عن يزيد بن أبي مريم قال: لحقني عبادة بن رفاعة ابن رافع وأنا أمشي إلى الجمعة فقال أبشر فإن خطاك هذه في سبيل الله قال فإني سمعت أبا عيسى يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [[من اغبرت قدماه في سبيل الله فهما حرام على النار]]
وفي رواية للبخاري: [[حرمه الله على النار]]
وروى الإمام أحمد والطبراني وابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: [[من اغتسل يوم جمعة ومس من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى أتى المسجد فركع ما بدا له ولم يؤذ أحد ثم أنصت حتى يصلي كان كفارة لما بينه وبين الجمعة الأخرى]]
وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه والحاكم في صحيحه مرفوعا: [[من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها]]
وفي رواية للطبراني: [[كتب له بكل خطوة عشرون حسنة فإذا انصرف من الصلاة أجيز بعمل مائتي سنة]]
قال الخطابي رحمه الله قوله [[غسل واغتسل وبكر وابتكر]] اختلف الناس في معناه فمنهم من ذهب إلى أنه من الكلام المتظاهر الذي يراد به التوكيد ولفظه مختلف ومعناه واحد ألا تراه يقول في هذا الحديث ومشى ولم يركب ومعناهما واحد وإلى هذا ذهب الأثرم ؟ ؟ صاحب أحمد وقال بعضهم معنى " غسل " غسل الرأس خاصة وذلك لأن العرب لهم لمم وشعور وفي غسلها مؤونة [مشقة] فأراد غسل الرأس من أجل ذلك وإلى هذا ذهب مكحول وقوله: واغتسل معناه غسل سائر الجسد وذهب بعضهم إلى أن معنى [[غسل]] أصاب أهله قبل خروجه إلى الجمعة ليكون أملك لنفسه وأحفظ في طريقه لبصره ومعنى [[بكر]] أدرك باكورة الخطبة وهي أولها ومعنى [[ابتكر]] قدم في الوقت وقيل معنى بكر تصدق قبل خروجه قاله ابن الأنباري وتأول في ذلك ما روى في الحديث من قوله: [[باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها]]
وقال أبو بكر بن خزيمة من قال في الخبر غسل واغتسل يعني بالتشديد فمعناه جامع فأوجب الغسل على زوجته أو أمته واغتسل ومن قال غسل يعني بالتخفيف أراد غسل رأسه واغتسل فغسل سائر الجسد كما في الحديث الصحيح مرفوعا: [[اغتسلوا يوم الجمعة واغسلوا رؤوسكم وإن لم تكونوا جنبا]] الحديث. والله أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نواظب على المبادرة إلى حضور صلاة الجمعة بحيث نصلي السنة التي قبلها قبل صعود الإمام المنبر اهتماما بأمر الله تعالى لنا بقوله {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع}
يعني الشراء ولو كنتم محتاجين إلى ذلك إلا أن تبلغوا مرتبة الاضطرار
وسمعت سيدي علي الخواص يقول: يدخل الناس في الجنة على حسب سرعة مبادرتهم لحضور الجمعة وحسب بطئهم فمن حضر المسجد أولا دخل الجنة أولا ومن حضر ثانيا دخل الجنة بعده وهكذا. اه ويقاس الجمعة في ذلك المسارعة لكل خير. والله أعلم
وهذا العهد قد صار غالب الناس يخل به فلا يكادون يحضرون إلا بعد أن يصعد الإمام المنبر وبعضهم يفوته سماع الخطبتين وبعضهم تفوته الركعة الأولى وبعضهم يفوته ركوع الثانية فيصليها ظهرا وكل ذلك أصله قلة الاهتمام بالدين ولو أنه وعد بدينار إن حضر قبل الوقت لترك كل عائق دون ذلك وربما كان تخلف بعضهم للهو واللعب والوقوف على حلق المخبطين والمسخرة وربما كان تخلفه حتى عمم عمامة تعجبه فصار يهدمها ويبنيها حتى فرغ الخطيب بل رأيت من شرع في تعميمها من طلوع الشمس فلم يزل يهدمها ويبنيها حتى صلوا من الجمعة ركعة وذلك ربما يكون معدودا من الجنون نسأل الله اللطيف
وكان سيدي محمد بن عنان يستعد لحضور الجمعة من عصر يوم الخميس فلا يزل مراقبا لله تعالى حتى يحضر المسجد ولكل مقام رجال {والله غفور رحيم}
- روى الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما مرفوعا: [[أن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئا إلا أعطاه ما سأل ما لم يسأل حراما]]
وفي رواية لابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: [[إن فيه يعني يوم الجمعة لساعة لا يوافقها مؤمن يصلي يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه]] الحديث
وروى أبو يعلى وغيره مرفوعا: [[أن يوم الجمعة وليلة الجمعة أربعة وعشرون ساعة ليس فيها ساعة إلا ولله فيها ستمائة ألف عتيق من النار]]
رواه البيهقي مختصرا بلفظ: [[لله في كل جمعة ستمائة ألف عتيق من النار]]
زاد في رواية [[كلهم استوجبوا النار]]
وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: [[فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه وأشار بيده يقللها]]
وزاد وفي رواية للترمذي وابن ماجه: [[قالوا يا رسول الله أية ساعة هي ؟ قال حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها]]
وفي رواية للترمذي والطبراني مرفوعا: [[التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد صلاة العصر إلى غيبوبة الشمس]]
وفي رواية لابن ماجه على شرط الشيخين: [[هي آخر ساعات النهار فقال عبدالله بن سلام: إنها ليست ساعة صلاة ؟ قال بلى إن العبد إذا صلى ثم جلس لم يحبسه إلا الصلاة فهو في صلاة]]
وفي رواية للإمام أحمد مرفوعا: [[بعد ذكر يوم الجمعة وفي آخر ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها استجيب له]]
وروى الأصبهاني مرفوعا: [[الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة آخر ساعة من يوم الجمعة قبل غروب الشمس أغفل ما يكون الناس]]
قال الإمام أحمد: وأكثر الأحاديث في الساعة التي ترجى فيها استجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر وقال: وترجى بعد الزوال
وقال ابن المنذر: روينا عن أبي هريرة أنه قال: هي من بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ومن بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس
وقال الحسن البصري وأبو العالية: هي عند زوال الشمس
وعن عائشة أنها من حين يؤذن المؤذن لصلاة الجمعة
وفي رواية عن الحسن أنه قال: هي إذا قعد الإمام على المنبر حتى يفرغ
وقال أبو بردة: هي الساعة التي اختار الله فيها الصلاة
وبالجملة فالأقوال في ذلك كثيرة ولا يعرف الساعة حقيقة إلا أهل الكشف. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نستعد لساعة الإجابة التي في يوم الجمعة ونقلل الأكل والشرب ونمنع اللهو واللغو والغفلة والذي أعطاه الكشف أن الساعة نحو خمس درج فينبغي أن لا يغفل العبد إلا بمقدار نحو درجتين ليبقى له من الساعة نحو ثلاث درج الدعاء والتوجه إلى الله تعالى وهذه الساعة مبهمة في اليوم كليلة القدر في ليالي رمضان وتنتقل بيقين كما يؤيده الأحاديث والأخبار التي تأتي آخر العهد وكما أعطاه الكشف فتارة تكون في بكرة النهار وتارة تكون في آخر النهار وتارة تكون بعد الزوال إلى أن تنقضي الصلاة وهو الأغلب
وبالجملة أهل الحجاب ومحبة الدنيا في غفلة عن مثل هذا المشهد لا سيما طائفة المجادلين ومن يعبد الله على جهل وإنما خصصنا معظم الخير الذي يرجى في ساعة الإجابة بمن يشعر بها تحصيلا للقيام بآداب العبودية الظاهرة وإلا فقد ورد: [[من أشغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين]]
فافهم وإن كان ولا بدلك من الاشتغال بذكر أو قرآن فينبغي ذلك بحضور مع الله تعالى لا كما عليه الطائفة الذين يعبدون الله وقلبهم غافل عن الله تعالى فيفوتهم الحضور الذي هو قوت الأرواح وربما اشتغل أحدهم بالقرآن أو الذكر ومرت عليه الساعة ولم يشعر بها
فاعمل يا أخي على جلاء مرآة قلبك لتدرك ساعة الإجابة التي لا يرد فيها سائل لوسع الكرم الإلهي فيها ولا تطلب معرفتها بلا جلاء فإن ذلك لا يكون وكم من نفحات للحق في الليل والنهار والناس في غفلة عنها
وقد أخبرني شيخنا عن الشيخ أحمد بن المؤذن بناحية منية أبي عبدالله أنه جلس مراقبا الله تعالى لمدة أربعين سنة لا يضع جنبه الأرض وكان أولياء عصره يقولون: ما ترك هذا قطرة مدد تنزل من السماء في ليل أو نهار إلا وله فيها حظ ونصيب
وأخبرني سيدي علي الخواص أن سيدي عيسى بن نجم خفير بحر البرلس مكث مراقبا لله تعالى بوضوء واحد مدة سبع عشرة سنة فلم تنزل قطرة مدد من السماء إلا وله فيها نصيب فإن لم تستطع يا أخي دوام المراقبة كالقوم فواظب على الساعات التي ورد فيها التجلي الخاص والله يتولى هداك
- روى الطبراني وغيره مرفوعا: [[من اغتسل يوم الجمعة كفرت عنه ذنوبه وخطاياه]]
وفي رواية للطبراني مرفوعا ورواته ثقات: [[إن الغسل يوم الجمعة ليسل الخطايا من أصول الشعر استلالا]]
وروى ابن خزيمة في صحيحه والطبراني مرفوعا: [[من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارة إلى الجمعة الأخرى]]
وفي رواية لابن حبان في صحيحه: [[من اغتسل يوم الجمعة لم يزل طاهرا من الجمعة إلى الجمعة]]
وروى مسلم وغيره مرفوعا: [[غسل الجمعة واجب على كل محتلم]]
وروى ابن ماجه بإسناد حسن: [[إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين فمن جاء يوم الجمعة فليغتسل وإن كان طيب فليمس منه وعليكم بالسواك]]. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نواظب على غسل الجمعة صيفا وشتاء ولا نتركه إلا لعذر شرعي وفي ذلك من الأسرار ما لا يذكر إلا مشافهة
وكان الإمام الشافعي يقول: ما تركت غسل الجمعة في شتاء ولا صيف ولا سفر ولا حضر وهذا العهد يخل به كثير من الناس حتى بعض الفقراء وطلبة العلم فتراهم يتساهلون به ويستثقلونه إما كسلا أو لعدم سماحة نفوسهم بفلوس الحمام
ومن الحكمة الظاهرة في الغسل انتعاش الأعضاء بالماء حتى يصير بدنه كله حيا فيناجي الله بكل عضو فيه ولذلك أمرنا الشارع بالغسل قبل الذهاب إلى الجمعة لنصلي على أثر الغسل ولو أمرنا بالغسل أول ليلة الجمعة ربما تخلل ذلك معصية أو غفلة فيموت البدن وإذا مات فما يبقى يناجي ربه ويتضرع إليه على الوجه المطلوب من العبد فتأمل ذلك. والله تعالى أعلم
- روى أبو داود وابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: [[من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته إن كان لها ولبس من صالح ثيابه ثم لم يتخط رقاب الناس ولم يلغ عند الموعظة كان كفارة لما بينهما]]
وروى أيضا مرفوعا: [[يحضر الجمعة ثلاثة نفر: فرجل حضرها يلغو فذلك حظه منها. ورجل حضرها يدعو الله فذلك إلى الله فإن شاء قبله وإن شاء رده. ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدا فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك أن الله تعالى يقول: [[من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها]]. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن ننصت لسماع الخطيب حتى لا يفوتنا سماع شيء من الوعظ الذي يمكننا سماعه وأن نأخذ كل كلام سمعناه من الواعظ في حق أنفسنا كما نأخذه في حق غيرنا وهذا العهد قد أكثر الناس الإخلال به حتى بعض فقراء هذا الزمان وطلبة العلم يتلاهون عن سماع كلام الخطيب وإن سمعوا ذلك أخذوه في حق غيرهم من الظلمة وأعوانهم دون أنفسهم وغاب عنهم أنهم ظلموا أنفسهم بالوقوع في المعاصي المتعلقة بالله وبخلقه وما أحد منهم سلم منها بل بعضهم يرى نفسه على الخطيب وأنه لا يحتاج إلى سماع وعظه ويقول: جميع ما قاله الخطيب معروف وبعضهم يقول: الإنصات سنة ويؤدي إلى حرام وذلك أننا نسمع منه الوعظ ولا نعمل به وهذا جهل عظيم من هذا القائل ولو فتح هذا الباب لأدى إلى كراهة سماع كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لكون الناس عاجزين عن العمل بذلك على التمام ولا قائل بذلك
فاخضع يا أخي لله تعالى واسمع الوعظ من الخطيب فإنه على لسان الحق لا سيما إن خاطبك بنحو قوله: {يا أيها الناس اتقوا ربكم} و{يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} فإنك المخاطب بذلك قطعا من الحق على لسان ذلك الخطيب ولو كشف الله لغالب الخلق لرأوا في نفوسهم جميع الذنوب والقبائح إما فعلا وإما قولا وصلاحية ولكنهم قد صاروا في غمرة ودعوى ومقت حتى لا يكاد أحد منهم يتعظ بوعظ واعظ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
- روى النسائي والبيهقي مرفوعا والحاكم موقوفا وقال صحيح الإسناد: [[من قرأ سورة الكهف في الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين]]
ولفظ الدارمي موقوفا: [[من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق]]
وفي إسناده أبو هاشم والأكثرون على توثيقه
وروى ابن مردويه في تفسيره بإسناد لا بأس به مرفوعا: [[من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت أقدامه إلى عنان السماء يضيء له إلى يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين]]
وروى البيهقي والأصبهاني مرفوعا: [[من قرأ حم الدخان في ليلة الجمعة غفر له]]
وفي رواية: [[من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك]]
وفي رواية للطبراني والأصبهاني أيضا مرفوعا: [[من صلى بسورة الدخان في ليلة بات يستغفر له سبعون ألف ملك]]
وفي رواية أخرى لهما مرفوعا: [[من قرأ حم الدخان في ليلة الجمعة أو يوم الجمعة بنى الله له بيتا في الجنة]]
وروى الأصبهاني مرفوعا: [[من قرأ سورة يس في ليلة الجمعة غفر الله له]]
وروى الطبراني مرفوعا من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى تغيب الشمس]]. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نواظب على قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة ويومها وكذلك نواظب على قراءة آل عمران ويس وحم الدخان اهتماما بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لنا بذلك سواء أعقلنا سر تخصيص هذه السور بليلة الجمعة أم لم نعقل ذلك ولو أن العقول تحمل سر ذلك لأوضحناه للناس ولكن من الأدب كتم ما كتمه الشارع وإظهار ما أظهر من إضاءة النور والمغفرة ونحو ذلك والله حليم حكيم
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: [[بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان]]
وروى الطبراني مرفوعا: [[الزكاة قنطرة الإسلام]]
وروى أبو داود مرسلا والطبراني والبيهقي مرفوعا متصلا قال الحافظ المنذري والمرسل أشبه: [[حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة]]
يعني النافلة والأحاديث في الزكاة كثيرة مشهورة. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نرغب إخواننا أصحاب الأموال بأن يعطفوا على فقراء بلدهم ويخرجوا زكاتهم ونبين لهم مرتبة الزكاة من الدين والإيمان فربما كان المانع لهم من إخراج زكاة أموالهم جهلهم بما ورد فيها من الآيات والأخبار لقلة مجالستهم للعلماء فإذا بينا لهم مرتبة وجوب الزكاة ولم يخرجوا هجرناهم وجوبا لقوله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين}
ومفهومه أن من لم يقم الصلاة ولم يؤد الزكاة فليس هو من إخواننا في الدين ولا يخفى حكمه فوالله لقد صارت أفعال غالب الخلق كأفعال من لا يؤمن بيوم الحساب ولا بما توعد الله تعالى عليه عباده فإن من لم يكن عنده ما توعده الله عليه أو وعده من الأمور المغيبة عنه كالحاضر فإيمانه مدخول
وتأمل يا أخي لو أن السلطان أوقد نارا لمانع الزكاة وقال إن لم تخرج زكاتك أحرقتك في هذه النار كيف يخرجها ولا يتوقف أبدا ؟ ولو قال له صديقه لا تخرج زكاتك لا يطيعه وذلك لشهود النار وتعذيبه بها عاجلا غير آجل فهكذا فليكن الأمر فيما توعد به الحق تعالى عباده على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
ثم تأمل يا أخي في تسمية الله تعالى إخراج الإنسان حق الله تعالى في ماله زكاة: أي نمو وزيادة تعرف أن ذلك إنما هو امتحان لمن يدعي الإيمان وتصديق الله تعالى فيما أخبر به هل يصدقه في زيادة المال إذا أخرج حق الله منه ويكون في شهوده كالزيادة أم لا ؟ وتأمل لو جلس يهودي بشكارة ذهب وقال لكل من مر عليه من المؤمنين كل من أعطى هذا الفقير درهما أعطيته دينارا كيف يتزاحم الناس على إعطاء هذا الفقير لأجل زيادة العوض ؟ وقد قال الله تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة} وقال تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} وقال صلى الله عليه وسلم ما نقص مال من صدقة]]
فليمتحن المدعي للتصديق بكلام الله ورسوله نفسه فإن رآها لا تمل من الإعطاء أبدا للفقراء ولو طلبوا منه جميع ما معه أعطاه لهم فليحكم لها بكمال الإيمان وإن رآها تمل من ذلك فليحكم عليها بنقص الإيمان وربما كان أحدهم يعطي الفقراء لكثرة ما جرب من إضعاف التوسعة عليه كما أعطى فهذا عبد تجربة فربما كان الحاث له على العطاء كون الحق تعالى يخلف عليه أضعاف ما أعطى والمؤمن الكامل من أعطى عباد الله تعالى امتثالا لأمر الله لا لعلة إخلاف الله عليه ولا غير ذلك اللهم إلا إن يريد بكثرة الإعطاء كثرة الإنفاق في مرضاة الله تعالى فهذا لا مانع منه وربما كان الإنسان يخف عليه إعطاء الدينار للسائل أول مرة ثم إذا طلب منه السائل دينارا ثانيا أعطاه ولكن ببعض ثقل ثم إذا سأله ثالثا أعطاه بثقل لكن أعظم من الثاني وهكذا حتى ربما لا يصل إلى الدينار العاشر ومعه بقية داعية للعطاء فلو أن مثل هذا كان كامل الإيمان لكان آخر دينار في الخفة عليه كأول دينار على حد سواء في الخفة
وقد أخبرني الشيخ جمال الدين ابن شيخ الإسلام زكريا أن الشيخ فرجا المجذوب لقيه ومعه أربعون نصفا فسأله الشيخ فرج نصف فأعطاه ثم سأله آخر فأعطاه فما زال يسأله حتى بقي معه نصف واحد من الأربعين فقال أعطني النصف الآخر فقال: يا شيخ فرج أنا محتاج إليه فقال: قد كتبت لك وصولا على شموال اليهودي بتسعة وثلاثين دينارا فقال: قف خذ النصف الآخر فقال ما رضيت قال الشيخ جمال الدين: فبينما أنا جالس في أثناء النهار فإذا يهودي يدق الباب فقلت له من هذا فقال يهودي فقلت له أدخل فقال: إن والدك كان أعطاني أربعين دينارا قرضا وما بيني وبينه إلا الله تعالى وقد عجزت عن دينار منها فأبرئ ذمتي ووضع الدنانير بين يدي فمن ذلك اليوم ما سألني الشيخ فرج شيئا ومنعته إياه قال سيدي جمال الدين: فندمت أني ما كنت أعطيته النصف الآخر فإنه عوض لي في كل نصف واحد أربعين نصفا ثم قال تبت إلى الله تعالى أن أحدا من أولياء الله يطلب مني شيئا ولا أعطيه له اه
فانظر يا أخي كيف صار إيمان سيدي جمال الدين في آخر نصف من توقفه ولو أنه كشف حجابه لم يتوقف في آخر نصف بل كان يعطيه من غير توقف قال سيدي جمال الدين: ثم إني لقيت الشيخ فرجا بعد ذلك فذكرت له القصة فقال: إنما فعلت ذلك معك لأمرنك على معاملة الله تعالى فإذا كنت وأنا عبد قد وفيت لك أضعاف ما أعطيتني فالحق تعالى أولى بذلك {ومن أوفى بعهده من الله}. فقلت له لأي شيء ما قلت لي أعطني درهما أعطك بدله دينار ؟ فقال: كانت تبطل فائدة الامتحان لأنه حينئذ يصير العوض مشهودا لك ولا تظهر ثمرة المحنة إلا إذا لم يذكر الممتحن العوض وأوهمه أنه لا يعوض عليه بدل ذلك شيئا اه
فاعلم أن الواجب على العبد أن يعطي الله ما أمره به محبة في ربه تعالى لا طلبا للعوض الدنيوي أو الأخروي فإن ذلك سوء أدب وجهل بعظمة الله تعالى
فأخرج يا أخي زكاتك طوعا وامتثالا لأمر ربك وإن لم تطاوعك نفسك فاتخذ لك شيخا يرقيك إلى كمال الإيمان فهناك لا تتوقف على توعده لك بحرقك بالنار إن لم تخرج زكاتك فإنك تصير كمن آمن كرها فلا يصح إيمانك والله يتولى هداك
- روى الإمام أحمد واللفظ له وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: [[العامل على الصدقة بالحق لوجه الله تعالى كالغازي في سبيل الله تعالى حتى يرجع إلى أهله]]
وفي رواية للطبراني مرفوعا: [[العامل إذا استعمل فأخذ الحق وأعطى الحق لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته]]
وروى الإمام أحمد ورواته ثقات مرفوعا: [[خير الكسب كسب العامل إذا نصح]]
وروى الإمام أحمد مرفوعا وفي إسناده مجهول: [[ستفتح عليكم مشارق الأرض ومغاربها وإن عمالها في النار إلا من اتقى الله تعالى وأدى الأمانة]]
وروى أبو داود مرفوعا: [[من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فأخذ فوق ذلك فهو غلول]]
وفي رواية لمسلم وأبي داود وغيرهما مرفوعا: [[من استعملناه على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة]]. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نساعد الفقراء بالعمالة إذا طلب منا الفقراء أن نكون عمالا لهم على الزكاة إلا إذا لم نثق بنفوسنا في جميع ذلك وإعطائه للفقراء من غير غلول فإن خفنا ذلك تركنا العمالة تقديما لمصلحة نفوسنا على مصلحة الغير وهذا العهد يخل به كثير من الفقراء والعلماء ويقولون: أي شيء لنا في ذلك ؟ فإن شاءوا يعطون الفقراء وإن شاءوا يمنعوهم وغاب هؤلاء عن قول الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}
يعني اطلبها منهم ولا تتوقف على أنهم يعطونها لك بغير سؤال فإن المال محبوب للنفوس وقليل من الناس من يوق شح نفسه فكان على هذا القدم سيدي الشيخ أبو بكر الحديدي رحمه الله تعالى فكان يأخذ من الناس الزكاة بالإلحاح ويعطيها للفقراء والمساكين فقيل له إنهم يصيرون يكرهونك فقال سوف يحبوني في الآخرة حين يرون ثواب أعمالهم اه
وقد قال أخي أفضل الدين لشخص مرة لا تترك فعل الخير ولو خفت أن يذمك الناس فقال له سيدي علي الخواص ولو ذموك وفرغوا من الذم اه
فافعل يا أخي كل شيء ندبك الشرع إليه ولا تتعلل بعذر عادي من حياء أو خوف ذم فإن العذر لا يقبل إلا إن كان شرعيا كخوفه على نفسه من الغلول لما يعلم من شدة محبة نفسه للدنيا وميله إليها فروض يا أخي نفسك مدة قبل دخولك في جباية الأموال والله يتولى هداك
- روى الشيخان واللفظ للبخاري مرفوعا: اليد العليا خير من اليد السفلى ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله. قال الخطابي وقد اختلف الناس في المراد باليد العليا فقال بعضهم هي المنفقة والأشبه أن يكون المراد بها المتعففة لأنها أوضح من حيث المعنى. والله تعالى أعلم
وروى البزار مرفوعا: [[إن الله تعالى يحب الغني المتصدق والفقير المتعفف]]
وروى ابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: [[أول ثلاثة يدخلون الجنة: الشهيد وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده وعفيف متعفف ذو عيال]]
وروى الطبراني مرفوعا: [[ومن يقنع يقنعه الله]]. وفي رواية له مرفوعا: [[عز المؤمن استغناؤه عن الناس]]
وروى الشيخان مرفوعا: [[ليس الغنى عن كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس. والعرض كل ما يقتنى من المال وغيره]]
وروى مسلم وغيره مرفوعا: [[اللهم إني أعوذ بك من نفس لا تشبع]]
وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا: [[إنما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب]]
وروى الشيخان مرفوعا: [[ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس]]
وروى مسلم والترمذي وغيرهما مرفوعا: [[قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه]]. والكفاف من الرزق ما كف عن السؤال مع القناعة لا يزيد على قدر الحاجة
وروى مسلم والترمذي وغيرهما مرفوعا: [[يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك وإن تستكثر فشر لك ولا تلام على كفاف]]
يعني أن تطلب من الدنيا ما يكفيك ويغنيك عن سؤال الناس. وروى البيهقي مرفوعا: [[القناعة كنز لا يفنى]]. قال الحافظ المنذري ورفعه غريب وروى الترمذي وقال حديث حسن مرفوعا: [[من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها]]. والمراد بسربه: نفسه. وروى البخاري وابن ماجه وغيرهما مرفوعا: [[لأن يأخذ أحدكم أحبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه]]. وروى البخاري مرفوعا: [[ما أكل أحد طعاما خير له من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده]]. قال بعضهم كان يضفر الخوص ويعمل أدراع الحديد. وروى أبو داود والترمذي: [[أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: أما في بيتك شيء ؟ فقال بلى حلس ؟ ؟ نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب ؟ ؟ نشرب فيه الماء فقال ائتني بهما فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال: من يشتري هذين ؟ فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا ؟ فقال رجل: أنا أخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال: اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فائتني به فلما أتاه به شد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال: اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما ففعل وجاء فأصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة إن المسألة لا تحل إلا لثلاث: لذي فقر مدقع ولذي غرم مفظع ولذي دم موجع]]. والمدقع هو الشديد الملصق صاحبه بالدقعاء يعني الأرض التي لا نبات بها والغرم هو الذي يلزم صاحبه أداؤه يتكلف فيه لا في مقابلة عوض والمفظع هو الشديد الشنيع والدم الموجع هو الذي يتحمل عن قريبه أو حميمه أو نسيبه دية إذا قتل نفسا ليدفعها إلى أولياء المقتول. ولو لم يفعل قتل قريبه أو حميمه الذي يتوجع لقتله. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن يكون سدانا ولحمتنا القناعة والتعفف والأكل من الكسب الحلال بطريقة الشرع الشامل لمد اليدين بالدعاء إلى حضرة الله تعالى إذا عجزنا عن عمل الحرفة المعتادة ولا نأكل بديننا وهذا العهد لا يعمل به على وجهه إلا من سلك الطريق على يد شيخ وإلا فلا يشم من العمل به رائحة فإن العبد ما لم يصل إلى معرفة الله تعالى لا يصح له في القناعة والتعفف قدم وذلك أنه إذا عرف الله تعالى فمن لازمه الرضا به من الكونين ولا يطلب قط فيهما نعيما غير مجالسة الحق جل وعلا ولا يبالي بما فاته منهما إذا كان الحق تعالى له عوضا من كل شيء وأما من لم يصل إلى معرفة الله تعالى فمن لازمه شراهة النفس لأن الدنيا مشهودة فلذلك كان هذا العهد يخل به كثير من الناس في هذا الزمان حتى لا يكاد الإنسان يرى متعففا ولا قانعا ولا متورعا في اللقمة أبدا بل غالب الفقراء يقولون وخلق لكم وغيرهم يقول هات لنا ولا تفتش وبعضهم يقول الحرام علينا هو ما لم تصل يدنا إليه وهذا كلام لا يجوز لمؤمن أن يتلفظ به لئلا يسمعه بعض العوام فيتبعه على ذلك
ومن هنا قال العارفون: يجب على من لم يكن لديه ورع أن يتفعل في التورع فإن لم يكن له نية صالحة في الورع فربما صلحت نية من يتبعه في الورع وقالوا أيضا: يجب على العالم إذا لم يعمل بعلمه أن يعمله لمن يعمل به
وقالوا إذا رأيت عالما لا يعمل بعلمه فاعمل أنت به يحصل لك وله الخير. [[والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه]]
ثم لا يخفى أن من أقبح الصفات عدم تعفف العالم والصالح وطلبهما من الولاة جوالي أو مسموحا أو مرتبا على بساط السلطان ثم يطلبان بعد ذلك تمشية شفاعتهم عندهم في أمور المسلمين وهذا أمر لا يتم لهم فإن شرط الشافع العفة والورع عما بأيدي الولاة فإنهم إذا رأوه زاهدا فيما رغب فيه ملوكهم فضلا عنهم عظموه ضرورة وأحبوه وقبلوا شفاعته وتبركوا به وقد كثر طلب الدنيا من طائفة الفقراء وغيرهم وصاروا يسافرون من نحو مصر إلى بلاد الروم والعجم ويتعللون بضيق المعاش وربما يكون أحدهم كاذبا لأن عنده في بلده ما يكفيه الكفاية اللائقة بأمثاله وكان من الأدب لكل من عمل رئيسا في الناس أن يرد جميع ما يعرضه عليه أعوان الظلمة والسلطان ويقول لهم: أعطوه لمن هو أنفع مني للمسلمين من الجند الذين يسافرون في التجاريد ونحوهم فأما أنا فجالس أذكر الله تعالى في زاويتي أو أشتغل بعلم ما أحد يعمل به والأمر في زيادة من حيث قلة العمل بالعلم فكيف أزاحم عسكر السلطان على ماله
فاسلك يا أخي طريق الفقراء والعلماء الذين مضوا ولا تتبع أهل زمانك تهلك
وقد بلغنا عن أبي إسحاق الشيرازي أنه كانت تعرض عليه الأموال فيردها مع أن القمل سائح على وجهه ورأسه ولحيته وعليه فروة كباشية ؟ ؟ وكان يتغذى بماء الباقلا فيفت الكسرة اليابسة ويغمسها بماء الفول رضي الله تعالى عنه فاعلم ذلك
وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول: لله تعالى رجال يجمعون المال ولا يظهرون قناعة ويلحون في السؤال ثم يعطون كل شيء حصل بأيديهم لمن هو محتاج إليه ولا يذوقون منه شيئا
فإياك يا أخي والمبادرة بالإنكار عليهم
وبعضهم يجمع من الدنيا عنده حتى لا تستشرف نفسه لما في أيدي الناس أو يقف لهم على باب وكان على ذلك سفيان الثوري رضي الله تعالى عنه
وسمعت سيدي عليا الخواص رضي الله تعالى عنه يقول: إذا ضاق على فقير أمر معيشته فليسأل الله تعالى في تيسير رزق حلال مما قسمه الله تعالى له ولا يعين جهة ليكون ذلك معدودا من جملة الرزق الذي لا يحتسبه فإن كان شيء جاء باستشراف نفس فهو غير مبارك فيه كما صرحت به الشريعة ثم نقل عن الشبلي أنه كان إذا جاع مد يده وسأل الله تعالى وقال هذا كسب يميني
وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول: لا ينبغي لفقير أن يأكل مما وعده به أحد لأن نفسه تصير متشوقة إليه حتى يحضر
وجاءه مرة إنسان وقال قد خرجت لكم عن قنطار عنب فأرسل معي أحدا يحمله فأبى وقال لا نحب أن نأكل إلا ما لم يكن في حسابنا فإذا خرجت بعد ذلك عن شيء للفقراء فلا تعلمهم به قبل حضوره إن طلبت أنهم يأكلون منه
وبلغنا عن إبراهيم أنه فقد الحلال فسف من التراب مدة أربعين يوما حتى وجد الحلال اللائق بحاله ومقامه
وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول: ينبغي لكل مؤمن في هذا الزمان إذا حضر عنده طعام أو شراب أن لا يأكل منه حتى يقول بتوجه تام: اللهم إن كان في هذا الطعام شبهة حرام فاحمني منه وإن لم تحمني منه فلا تجعله يقيم في بطني وإن جعلته يقيم في بطني فاحفظني من المعاصي الناشئة من أكله فإن لم تحفظني منها فمن علي بالتوبة النصوح فإن لم تمن علي بالتوبة فالطف بي ولا تؤاخذني يا أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين
وكان يقول: لا ينبغي لفقير السؤال حتى يبيع آلات الدار الزائدة على الضرورة كالطراحة والمخدة والعمامة الزائدة والثوب الزائد والأواني كلهم حتى نعله الزائد
وكان يقول لا ينبغي لفقير في هذا الزمان إذا وجد الحلال الصرف أن يشبع منه بل يأكل بقدر سد الرمق فقط خوفا أن يقع في الحرام. وسمعته أيضا يقول: ليست القناعة أن تأكل كل ما وجدته ولو كسرة يابسة كل يوم وإنما القناعة أن تطوي الثلاثة أيام فأكثر مع وجود الأكل عندك. ولعل مراده رضي الله عنه الطي الذي لا يضر الجسم فإن جوع المحققين إنما هو اضطرار لا اختيار وذلك لأن الكامل يجب عليه إعطاء كل ذي حق حقه من جسمه أو غيره ولا يظلم شيئا من رعيته سواء الجوارح وغيرها. وبالجملة فلا بد لمن يريد العمل بهذا العهد من شيخ يسلك به حتى يخرجه من حضرات الاتهام ويدخله حضرات اليقين فيعرف إذ ذاك أن ما قسمه الله تعالى لعبد لا يمكن أن يفوته وما لم يقسمه له لا يتبعه نفسه
ومن هذا الباب أيضا الأقدار الجارية على العبد فإنها لا تخلو عن كون ذلك الأمر الذي دافع العبد الأقدار في عدم وقوعه مقدرا أو غير مقدر فإن كان مقدرا فلا فائدة في المدافعة إلا تعظيم انتهاك محارم الله تعالى لا غير وقد كلف الله تعالى العبد بذلك وجعل له الثواب فيه سواء كان مقدرا أو غير مقدر حتى أنه لو كشف له أن الله تعالى كتب عليه الزنا أو شرب الخمر لا يجوز له المبادرة إلى ذلك لأنها مبادرة إلى ما يسخط الله تعالى فيجب عليه الصبر حتى يقع ذلك في حالة غفلة أو سهو كما أشار إليه خبر: [[إذا أراد الله تعالى إنفاذ قضائه وقدره سلب من ذوي العقول عقولهم]]. يعني عقولهم الحافظة عن الوقوع لا عقول التكليف فافهم لئلا يؤدي إلى إبطال الحدود كلها فتأمل في هذا المحل واعمل به
وقد كان أخي الشيخ عبدالقادر رحمه الله تعالى على هذا القدم فأرسلت مرة أن يجعل على مقثأة البطيخ حارسا حتى يحضر له بالمركب يوسقه فأرسل يقول: لي المؤمن لا يحتاج إلى مثل ذلك فإن ما قسمه الله تعالى لأهل الريف أن يأكلوه لا يقدر أحد يحمل منه إلى مصر بطيخة واحدة وما قسمه الله تعالى لأهل مصر لا يقدر أحد من أهل الريف يأكل منه بطيخة واحدة ومن كان إيمانه كذلك لا يحتاج إلى حارس. هذا في ملك الإنسان نفسه أما مال الغير فيجب على الحارس حفظه وإن لم يحرسه إثم ولم يستحق أجره فافهم والله يتولى هداك

- روى أبو داود والترمذي وقال حديث حسن والحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا: [[من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله تعالى له برزق عاجل أو آجل. وفي رواية للحاكم: أرسل الله له بالغنى إما بموت عاجل أو غنى آجل]]. وفي رواية للطبراني مرفوعا: [[من جاع أو احتاج فكتمه عن الناس وأفضى به إلى الله كان حقا على الله أن يفتح له قوت سنة من حلال]]. والله تعالى أعلم 

لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية الإمام عبد الوهاب الشعراني الجزء 5


لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية الإمام عبد الوهاب الشعراني الجزء 5

- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نهتم بصلاة الجماعة في العشاء والصبح أكثر من الاهتمام بها في غيرهما لتأكيد الشارع علينا في ذلك لا لعلة أخرى ولولا علم الشارع صلى الله عليه وسلم منا التهاون في حضور الجماعة في هاتين الصلاتين ما أكد علينا في حضورهما فإن تأكيد السيد على العبد إنما يكون إذا علم في العبد التهاون بخدمته وإلا كان السيد أمره بذلك من غير تأكيد ولا بيان ثواب وهذا العهد يخل به كثير من الناس ولا سيما الصنايعي في أيام الصيف فإن التعب ينحل عليه آخر النهار فلا يخلص منه إلى طلوع الشمس وهذا وإن لم يكن عذرا شرعيا ففيه رائحة العذر لأمر الشارع له بالأكل من عمل يده بخلاف من لا حرفة له فإنه لا عذر له في تخلفه عن هاتين الصلاتين فاعلم أن من أكل من عمل يده وتعاطى الأعمال الشاقة في تحصيل لقمته وأدى الفرائض في جماعة فهو من الكاملين في مقام الإيمان. والله تعالى أعلم
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: إياكم أيها الفقراء والفقهاء الذين يأكلون من الأوقاف ولا يعملون حرفة أن تبادروا إلى الإنكار على من رأيتموه طائفا ببضاعة على رأسه وقت صلاة الجماعة أو الجمعة أو جالسا في حانوته يبيع فربما يكون له عذر شرعي بل ابحثوا عن أمره وتعرفوا حاله ثم أنكروا عليه بطريقه الشرعي اه
وسمع أخي أفضل الدين رحمه الله شخصا يقول: لولا الضعف لحضرت صلاة الجماعة في العشاء والصبح فقال لا ينبغي لك يا أخي أن تتعلل بالضعف إلا إن كنت بحيث لو وعدت على حضور الجماعة بألف دينار لا تقدر على الحضور بحيلة من الحيل فإن قدرت على الحضور لأجل ألف دينار ولم تحضر لصلاة الجماعة فعندك نفاق ينص الشارع اه. والله تعالى أعلم
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: [[اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا]]
قلت: هذا الحديث يشتمل على معنيين أن يكون المراد ترك النوافل في البيت أصلا فتصير كالقبور: أي لا صلاة فيها وأن يكون المراد به النهي عن جعل قبر الإنسان في بيته إذا مات لذهاب الاعتناء بالقبر إذا كان في البيت لكثرة مشاهدته له ليلا ونهارا. والله تعالى أعلم
وفي رواية لمسلم وابن خزيمة في صحيحه وغيرهما مرفوعا: [[إذا قضى أحدكم الصلاة بمسجد فليجعل لبيته نصيبا من صلاته فإن الله تعالى جاعل من صلاته في بيته خيرا]]
وروى الإمام أحمد وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحهما مرفوعا: [[لأن أصلي في بيتي أحب إلي من أن أصلي في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة]]
وروى ابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: [[صلاة الرجل في بيته نور فنوروا بيوتكم]]
وروى النسائي وابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: [[صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة]]
وروى البيهقي بإسناد جيد إن شاء الله تعالى مرفوعا: [[فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل الفريضة على التطوع]]
وروى ابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: [[أكرموا بيوتكم ببعض صلاتكم]]. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نواظب على صلاة النوافل في البيت إلا بحق كصلاة العيد والكسوف مما شرعت فيه الجماعة وما أمر الله تعالى بفعل الفرائض في المسجد إلا لإظهار شعائر الدين فلو أنه لم يشرع فعلها في المسجد لم يقم للدين شعائر وأيضا فلولا مشروعية الجماعة في الفرائض لربما كسل بعض الناس عن فعلها ولو في البيت وما كل أحد يراقب نظرة الحق إليه ومن هنا قالوا حبل العبادة طويل لكون غالب المحجوبين يراعي المخلوقين فإذا لم يرى أحد منهم ينظر إليه فربما يتساهل في تلك العبادة فيتركها بخلافه إذا حضر موضع الجماعة ورأى الناس يصلون فإنه يزداد نشاطا إلى فعل تلك العبادة
وقد قال لي شخص مرة: لولا أن معي وظيفة الإمامة في المسجد ما وجدت قط عندي داعية على مواظبة صلاة الجماعة فهذا من حكمة فعل الفرائض في المساجد والنوافل في البيوت. والله تعالى أعلم
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: [[لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة]]
زاد في رواية للبخاري: [[والملائكة تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يقم من مصلاه أو يحدث]]
وفي رواية لمالك: [[حتى ينصرف أو يحدث]]
قيل لأبي هريرة وما " يحدث " ؟ قال: يفسو أو يضرط
وروى أبو داود مرفوعا: [[صلاة في أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين]]. والأحاديث في ذلك كثيرة. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذا علمنا حفظ جوارحنا الظاهرة والباطنة من خطور المعاصي على قلوبنا أن نمكث بعد الفريضة ننتظر الصلاة التي بعدها ولا نخرج من المسجد حتى نصلي الصلاة الأخرى فإن لم نعلم من أنفسنا القدرة على الحفظ مما ذكرناه فمن الأدب أن نصلي الفريضة ونخرج على الفور ذلك أن الجالس في المسجد جالس بين يدي الله تعالى إما كشفا ويقينا كالكمل من العارفين وإما ظنا وإيمانا ككل المؤمنين كالأعمى يعرف أن زيدا جليسه بكلامه معه ولا يراه فما جاء عن الشارع في فضل انتظار الصلاة بعد الصلاة في المسجد هو في حق من كان محفوظا من المخاطر الرديئة لا سيما من كان في الحرم الملكي أو المدني كما تقدم في هذه العهود فإن من لا يحفظ خواطره ولا جوارحه من سوء الأدب مع الملوك فالأولى له البعد عن حضرتهم الخاصة فاعلم ذلك ولا تغبط من رأيته ينتظر الصلاة بعد الصلاة إلا إن رأيته محفوظا مما ذكرناه على ذلك الذي قررناه ينزل قوله تعالى: {وإن تبدوا مل في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} وفي حديث: [[إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل]]
فإن هذه الآية محكمة عند بعضهم في حق الأكابر ويدل على ذلك حكايات القوم في مؤاخذتهم بالخواطر بل قدمنا عن سيدي محمد الشويمي صاحب سيدي مدين أنه كان أنه كان لا يمكن أحدا من الجلوس بين يدي سيدي مدين إلا أن حفظ خواطره وخطر مرة في قلب شخص الزنا فقام وضربه بالعصا ضربا مبرحا فإذا كان هذا أدبا مع مخلوق فالله تعالى أولى بالأدب على الدوام. والله تعالى أعلم
- روى الترمذي وقال حديث حسن مرفوعا: [[من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تامة تامة تامة. وفي رواية للطبراني: [[انقلب بأجر حجة وعمرة]]. وروى الطبراني مرفوعا ورواته ثقات: [[من صلى الصبح ثم جلس في مجلسه حتى تمكنت الصلاة يعني ترتفع الشمس كرمح كان بمنزلة حجة وعمرة متقبلتين]]. قال ابن عمر: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر لم يقم من مجلسه حتى يمكنه الصلاة. وفي رواية للطبراني مرفوعا: [[من صلى الصبح في جماعة ثم يثبت حتى يسبح الله سبحة الضحى كان له كأجر حاج ومعتمر تاما له حجه وعمرته]]. قلت ولا يستبعد مؤمن حصول الأجر العظيم على العمل اليسير فإن مقادير الثواب لا تدرك بالقياس فللحق أن يجعل الثواب الجزيل على العمل القليل والله سبحانه أعلم. وفي رواية للإمام أحمد وأبي داود وأبي يعلي مرفوعا: [[من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيرا غفرت خطاياه وإن كانت أكثر من زبد البحر]]. وفي راوية لأبي يعلى [[وجبت له الجنة]]. وفي رواية لابن أبي الدنيا مرفوعا: [[من صلى الفجر ثم ذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس لم يمس جلده النار أبدا]]. وفي رواية للبيهقي زيادة قوله: [[ثم صلى ركعتين أو أربع ركعات بعد طلوع الشمس]] والباقي بلفظه. وفي رواية لأبي يعلي والطبراني مرفوعا: [[من صلى الفجر أو قال الغداة فقعد في مقعده فلم يلغ بشيء من أمور الدنيا ويذكر الله تعالى حتى يصلي الضحى أربع ركعات خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه لا ذنب له]]. وروى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والطبراني عن جابر بن سمرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر جلس في مجلسه حتى تطلع الشمس حسا. وفي رواية للطبراني كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح جلس يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس. والله سبحانه وتعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نواظب على جلوسنا في مصلانا للذكر بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع ونصلي ركعتين أو أربعا وعلى جلوسنا بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس
ويلحق بالجلوس للذكر الجلوس لخير من علم شرعي أو إرشاد أو صلح بين الناس ونحو ذلك كما كان عليه فقهاء التابعين فكان عطاء ومجاهد يقولان: المراد بذكر الله علم الحلال والحرام. وقال مشايخ الصوفية: المراد بذكر الله تعالى أن يذكره بأسمائه الحسنى وقد تبعهم على ذلك جمهور أهل الطريق الذين أدركناهم كسيدي علي المرصفي والشيخ تاج الدين الذاكر وغيرهما. فكان سيدي علي المرصفي يجلس بعد صلاة العصر يرشد الناس في أمورهم بقراءة كتب القوم كرسالة القشيري وعوارف المعارف ونحوهما من مؤلفاته وكان سيدي الشيخ تاج الدين يجلس بعد صلاة العصر في قراءة البخاري وتفسير ما أشكل من ألفاظه إلى الغروب وكان سيدي محمد الشناوي يجلس بعد العصر يذكر الله تعالى إلى الغروب وكذلك كان يذكر بعد الصبح بلا إله إلا الله حتى تطلع الشمس فإن كان مسافرا ذكر ذكر المجلس هو وأصحابه وهو راكب حمارته رحمه الله وكان سيدي محمد بن عنان يشتغل بالأوراد سرا من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس وينام بعد صلاة الوتر ثم يقوم يتهجد ويصلي الصبح فلا يزال في قراءة حزب سيدي أحمد الزاهد حتى تطلع الشمس ثم يشتغل بأوراد أخر إلى ضحوة النهار وكان لا يلتفت لأحد كلمه في هذين الوقتين لإقباله على الله تعالى رضي الله عنه وكان الشيخ نور الدين على الشوني يصلي العصر ثم يشتغل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغروب ويجلس كذلك بعد الصبح ثم يختم مجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بمجلس ذكر
فلكل شيخ حال بحسب ما أقامه الله فيه وبعضهم أقامه الله في المراقبة في هذين الوقتين من غير لفظ بذكر ولا بغيره والسر في اشتغال العبد بالله في هذين الوقتين كون ذلك عقب تجلي الحق تعالى وغالب الناس يقنع بما وقع له من مدد تجلي الثلث الأخير من الليل وتجلي جمع القلوب على الحق تعالى في صلاة العصر مأخوذ من الضم كعصر الثوب من الماء فإذا فارق أهل الله تعالى ذلك التجلي حصل لهم زيادة شوق إلى الله تعالى حين أرخى بينه وبينهم الحجب بعد فراغ التجلي كما كان الأمر قبل التجلي فلما كان من الناس من ينسى الله تعالى بعد التجلي غار أهل الله تعالى من غفلة الناس عن ربهم فلذلك خص القوم تبعا للشارع هذين الوقتين بمجالس الذكر والخير لكون ذلك يذكر الناس بالله تعالى. وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول: يفرق الله تعالى الأرزاق المحسوسة التي هي قوت الأجسام بعد طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس كرمح ويفرق الأرزاق المعنوية التي هي قوت الأرواح من بعد صلاة العصر إلى الغروب. وسمعته أيضا يقول: إنما أمر الله تعالى نبيه بالصبر مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي تقوية لقلوبهم وتنشيطا لهم إذا رأوه صلى الله عليه وسلم جالسا معهم ليحوزوا فضيلة هذين الوقتين العظيمين. فهذا ما حضرني الآن من سر تخصيص هذين الوقتين بذكر الله تعالى. {والله عليم حكيم}
- روى الترمذي واللفظ له وقال حسن صحيح مرفوعا: [[من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثاني رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب له عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان يومه ذلك في حرز من كل من مكروه وحرس من الشيطان ولم يتبع بذنب يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله تعالى]] وزاد في النسائي بيده الخير وزاد في رواية أخرى وكان به بكل واحدة عتق رقبة وزاد في رواية أخرى: ومن قالها حين ينصرف من صلاة العصر أعطى مثل ذلك في ليلته. وروى أبو داود والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحارث بن مسلم التميمي: [[إذا صليت الصبح فقل قبل أن تتكلم: اللهم أجرني من النار سبع مرات فإنك إن مت من يومك كتب الله لك حرزا من النار وإن صليت المغرب فقل قبل أن تتكلم: اللهم أجرني من النار سبع مرات فإنك إن مت من ليلتك كتب الله لك حرزا من النار]]. وروى النسائي والترمذي وقال حديث حسن مرفوعا: [[من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات على أثر المغرب بعث الله له ملائكة مسلحة يحفظونه من الشيطان حتى يصبح وكتب الله له بها عشر موجبات ومحي عنه عشر سيئات موبقات وكانت له بعدل عشر رقاب مؤمنات]]. وروى أبو يعلي والطبراني مرفوعا: [[من قرأ كل صلاة مكتوبة عشر مرات: قل هو الله أحد دخل من أي أبواب الجنة شاء وزوج من الحور العين]]. وروى ابن أبي الدنيا والطبراني بإسناد حسن وذكر فيه أن من قالها بعد الصبح فمثل ذلك. وروى ابن السني في كتابه مرفوعا: [[من قال بعد الفجر ثلاث مرات وبعد الظهر ثلاث مرات أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه كفرت عنه ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر]]. وروى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقبيصة رضي الله عنه: [[إذا صليت الصبح فقل ثلاثا: سبحان الله العظيم وبحمده تعافى من العمى والجذام والفالج]]. والله سبحانه وتعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نواظب على الأذكار الواردة بعد صلاة الصبح والعصر والمغرب ونقدمها في التلاوة على الأذكار التي لم ترد إذا جمعنا بينها وبين ما ورد في السنة من الأدعية والاستغفار ونحوهما أدبا مع الشارع صلى الله عليه وسلم وقد جمع الإمام النووي في كتابه الأذكار جميع ما وجد في كتب الحديث فراجعه وكذلك سيدي الشيخ أحمد الزاهد رحمه الله تعالى جمع في حزبه الأذكار الواردة في عمل اليوم والليلة وهو أمثل ما رأيته من الأحزاب فمن واظب عليه حصل له خير الدنيا والآخرة ولولا أن سيدنا ومولانا أبا العباس الخضر أمرني بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذكار الواردة في الصبح ثم أذكر الله تعالى مجلسا ما قدمت شيئا على حزب سيدي أحمد الزاهد الذي يقرأ بعد الصبح في جامعه وفي جامع الغمري بمصر لجمعه الأذكار الواردة وغيرها مما وضعه السلف الصالح رضي الله عنهم فعليك يا أخي بقراءته كل يوم وما رأيت أكثر مواظبة على قراءته كل يوم من سيدي محمد بن عنان والشيخ يوسف الحريثي رحمهما الله كانا لا يتركا سفرا ولا حضرا وإنما قدمت امتثال الخضر عليه السلام على غيره من الأذكار لأني تحت أمره كالمريد مع الشيخ فإن المريد ربما ذكر الله بالأذكار الفاضلة فدخلها الدخيل فصارت مفضولة فلذلك امتثلت أمره وقلت لولا أنه رأى لي الخير في ذلك ما أمرني به فاعلم ذلك والله يتولى هداك
- روى الإمام أحمد واللفظ له وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما مرفوعا: [[من أم قوما فإن أتم فله التمام ولهم التمام وإن لم يتم فلهم التمام وعليه الإثم]]. وفي رواية للطبراني مرفوعا: [[من أم قوما فليتق الله وليعلم أنه ضامن مسؤول لما ضمن فإن أحسن كان له من الأجر مثل أجر من صلى خلفه من غير أن ينقص من أجورهم شيئا وما كان من نقص فهو عليه]]. قلت: والفرق بين الصلاة التامة والكاملة أن التامة هي ما جمعت الشروط والأركان من غير أن ينقص منها شيء والكاملة ما زادت على ذلك بالحضور وبالخشوع ونحو ذلك من الأعمال القلبية وقوله في الحديث فليتق الله تعالى معناه أنه ليس له أن يؤم من هو أعلى منه درجة كأن يكون مرتكبا صغيرة أو مكروها أو خلاف الأولى ومن يصلي وراءه خال عن ارتكاب ذلك. والله أعلم. وروى الإمام أحمد والترمذي وقال حديث حسن مرفوعا: [[ثلاثة على كثبان المسك أراه قال: يوم القيامة فذكر منهم: ورجل أم قوما وهم به راضون]]. وفي رواية للطبراني مرفوعا: [[ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر ولا ينالهم الحساب وهم على كثيب من المسك حتى يفرغ من حساب الخلائق: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله تعالى ورجل أم قوما وهو به راضون]]. الحديث. والله سبحانه وتعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نؤم بالناس حيث طلبوا منا ذلك واجتمعت فينا الشروط ولا نقول نحن ما لنا عادة بالإمامة كما يقع فيه الجافي الطبع من الفقهاء والفقراء. ومثل الإمامة أيضا الخطبة فنخطب ولا نمتنع إلا لعذر شرعي لأن الله تعالى أوجب علينا إقامة شعائر الدين فينبغي للفقيه أن يحفظ له خطبة جامعة للأركان والشرائط والآداب والوعظ الحسن لتكون معه يخطب بها إذا احتيج إليه كأن غاب الإمام أو الخطيب أو بادر بعض الناس وحلف بالطلاق لا يخطب لنا اليوم إلا فلان كما يقع ذلك كثيرا في بلاد الريف وغيرها. واعلم أنه ليس مما ذكرناه من امتنع عن الإمامة لشهود ضعفه عن تحمل سهو المأمومين ونقص صلاتهم فإن هذا إنما ترك فعل ذلك احتياطا لنفسه لا حياء طبيعيا. وقد رأيت الشيخ جلال الدين السيوطي رحمه الله يصلي الظهر فأحرم خلفه رجل فلما سلم قال لا تعد تصلي خلفي أبدا فإني عاجز عن تحمل نقص صلاتي فكيف أقدر على تحمل نقص صلاة غيري فقال له الرجل إنما قصدت حصول فضل الجماعة لكم فقال الشيخ عدم تحمل نقص صلاتك أرجح عندي من حصول فضل جماعتك. اه. ولكل مقام رجال. {والله غفور رحيم}
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: [[لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا]]. وفي رواية لمسلم: [[لو يعلمون ما في الصف الأول لكانت قرعة]]. وروى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم مرفوعا: [[خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها]]. وروى ابن ماجه وغيره مرفوعا عن العرباض بن سارية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للصف المقدم ثلاثا وللثاني مرتين وقد تقدم الحديث آنفا. ولفظ ابن حبان كان يصلي على الصف المقدم ثلاثا وعلى الثاني واحدة. وفي رواية للنسائي وابن حبان كان يصلي على الصف الأول مرتين. والله سبحانه وتعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذا صفت سرائرنا من جميع ما يسخط الله تعالى بحيث لم يبق في سرائرنا وظواهرنا إلا ما يرضي ربنا أن نواظب على الصلاة في الصف الأول عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: [[ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى]]. أي العقل: ولا يكون العبد عاقلا إلا إذا كان بهذا الوصف الذي ذكرناه فإن من كان في ظاهره أو باطنه صفة يكرهها الله فليس بعاقل كامل ولا يتقدم للصف الأول بين يدي الله في المواكب الإلهية إلا الأنبياء والملائكة ومن كان على أخلاقهم وأما من تخلف عن أخلاقهم فيقف في أخريات الناس خيرا له فينبغي للإمام أن يأمر كل من عمل بعلمه بالتقدم كلما صلوا خلفه حتى يكون ذلك من عاداتهم في الوقوف ويأمر بالتخلف إلى وراء كل من رآه لا يعمل بعلمه ويعامل المصلين بما يظهروه من الصفات الحسنة أو السيئة فليس تأخيره لبعض الناس سوء ظن به إنما هو بحسب ما أظهر الناس من الأعمال الناقصة ثم إن العمل بهذا العهد يعسر جدا على من يصلي خلفه المجادلون بغير علم فإن كل واحد يقول أنا أفضل من فلان الذي قدم علي في الصف الأول أو الثاني مثلا وربما سهل العمل به في المساجد التي يحضرها العوام أو يكون أهلها مضبوطين كزوايا المشايخ التي فقراؤها تحت طاعة إمامهم
ويؤيد ما ذكرناه من شروط التقدم للصف الأول ما رواه ابن ماجه والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم وقال صحيح على شرطهما مرفوعا عن العرباض بن سارية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للصف المتقدم ثلاثا وللثاني مرتين وللثالث مرة. أي لأن كثرة الاستغفار للشخص قد تكون لكثرة ذنوبه وقد تكون لرفعة مقامه فأحد الاحتمالين يشهد لما قلناه. وأما حديث: خير صفوف الرجال أولها. فالمراد بالرجال الكمل من الأولياء الذين هم كما وصفنا في أول العهد فإن طهر الله تعالى يا أخي باطنك وظاهرك فبادر للصف الأول وإلا فالزم الأدب: وسيأتي في عهود المنهيات أن مما يشهد لنا في تأخير من يحب الدنيا إلى الصف الثاني وما بعده قوله صلى الله عليه وسلم في حديث للترمذي مرفوعا: [[الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له يجمعها من لا عقل له]]. فنفى كمال العقل عن كل من يجمع منها شيئا زائدا على غدائه وعشائه في يومه وليلته وما سلم من هذا الأمر إلا قليل من الناس ويؤيده أيضا قول الإمام الشافعي رضي الله عنه: لو أوصى رجل بشيء لأعقل الناس صرف ذلك إلى زهاد في الدنيا. وإيضاح ما أشار إليه الحديث من نفي كمال العقل عمن يجمع الدنيا إلا لله لا من يجمعها حين يجمعها وفي بلده من هو مستحق لإنفاقها عليه من مديون ومحبوس وجيعان ونحو ذلك فإن كانت نيته بالجمع خيرا فهذا منه فينبغي تقديمه عند كل عاقل اكتسابا للأجر ونحو ذلك فإن كانت نيته بالجمع خيرا فهذا منه فينبغي تقديمه عند كل عاقل اكتسابا للأجر وغير ذلك من أمسك عن الإنفاق ورجح الحرص والشح عليه فهو ناقص العقل وما قررناه من تأخير مرتكب المعاصي وجامع الدنيا عن الصف الأول هو ما عليه طائفة الصوفية وجمهور العلماء لا على الأمر بتقديم الوقوف في الصف الأول على غيره مطلقا كما هو مقرر في كتب الفقهاء فاعلم ذلك والله يتولى هداك
- روى الإمام أحمد والطبراني وإسناد أحمد لا بأس به مرفوعا: [[سووا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم ولينوا في أيدي إخوانكم وسدوا الخلل فإن الشيطان يدخل فيما بينكم بمنزلة الخذف]]. يعني أولاد الضأن الصغار. وروى الإمام أحمد بإسناد جيد مرفوعا: [[إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول أو الصفوف الأول]]. وروى ابن خزيمة في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي ناحية الصف ويسوي بين صدور القوم ومناكبهم ويقول: [[لا تختلفوا فتختلف قلوبكم]]. وفي رواية الشيخين: فإن تسوية الصف من تمام الصلاة. وفي رواية للبخاري: من إقامة الصلاة يعني التي أمرنا الله بها في قوله: {أقيموا الصلاة}. وروى النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما مرفوعا: [[رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بين الأعناق فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الخذف]]. والخذف: هو ما يكون بين الاثنين من الاتساع عند عدم التراص. وروى الطبراني مرفوعا: [[استووا تستو قلوبكم وتماسوا ترحموا]]. ومعنى تماسوا: ازدحموا في الصلاة قاله شريح وقال غيره تماسوا تواصلوا. وروى الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما مرفوعا: [[ومن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله]]. وروى الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما مرفوعا: [[إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف]]. وروى الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما مرفوعا: [[إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف]]. وروى مسلم عن البراء بن عازب قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه بقبل علينا بوجهه الحديث. والله سبحانه وتعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نسوي صفوفنا ونتراص فيها ونقدم الوقوف في ميامنها على غيره من الوسط أو المياسر وفي ذلك أسرار لا تذكر إلا مشافهة. وينبغي أن لا يكون بين أحد من أهل الصف وبين من هو في صفه شحناء ولا حسد ولا غل ولا مكر ولا خديعة ليوافق الباطن صورة الظاهر فإن اختلاف القلوب أشد من اختلاف الجوارح ولذلك منع الإمام مالك رضي الله عنه صحة اقتداء مصلي الظهر مثلا بمن يصلي العصر وذلك لأن الجوارح تبع للقلب فكأنما مكان المشاحن خال عن أحد يقف فيه لشرود قلب المشاحن عن جاره فليتأمل. ومن الأسرار الظاهرة في ذلك أن الله تعالى أمرنا بإقامة الدين ولا يقوم إلا إذا كنا على قلب رجل واحد وفي القرآن العظيم: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}. يعني قوتكم
ومن الأسرار أيضا أن الشيطان لا يدخل بين الصفوف ويوسوس لأصحابه إلا إذا رأى بينها خللا فمتى قرب من الصف احترق من أنفاسهم كما في حديث [[يد الله مع الجماعة]]. أي تأييده. وهذا الأمر لا يكاد يسلم منه أحد من المحبين للدنيا ومناصبها ووظائفها فإن كل من سعى على وظيفة شخص صار عدوا له وإن لم يسع في الماضي ربما كان ناويا على السعي في المستقبل إذا رأى حاكما يجيبه إلى ذلك فتحس القلوب بذلك فيكون عدوا مستورا في الظاهر دون الباطن فلا ينبغي لأحد من هؤلاء أن يقف في صف من بينه وبينه عداوة ليطابق باطنه ظاهره ويخرج عن صفة النفاق المشار إليها بقوله تعالى: {تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى}. اللهم إلا أن يقف بعد التوبة ناويا التقرب إليه تمييلا لخاطره ووالله لو كان أئمة الدين على قلب رجل واحد ما دخل في الشريعة نقص قط ولا أطاق مخالفتهم أحد من الولاة وكان كل من خالفهم هلك بسرعة ولكنهم اختلفوا {ليقضي الله أمرا كان مفعولا}
وأما غير أئمة الدين ممن يحب الدنيا فقد كفى الله الظلمة شرهم لأنهم لا يزالون يستمطرون منهم الرزق فإن أعطوهم شيئا من سحت الدنيا خرس لسانهم وذهب سمعهم وبصرهم وصاروا خرسا صما عميا فوجودهم كالعدم وإن لم يعطوهم فهم يوافقونهم في أغراضهم ضرورة تمييلا لخاطرهم ليعطوهم كما أعطوا غيرهم ويصيروا كذلك خرسا صما عميا فهذا هو الباب الذي دخل منه النقص في الدين ولو كان العلماء كلهم زاهدين ما دخل في الدين نقص فجاهد يا أخي نفسك على يد شيخ ليخرجك من رعونات النفوس حتى لا يبقى في نفسك شهوة ولا حرص على شيء من الدنيا وأمر أصحابك بالمجاهدة على يد شيخ كذلك ثم تراصوا في الصف بعد ذلك وإن لم يتيسر ذلك فقفوا في الصف واستغفروا الله من كل ذنب يعلمه الله. {والله غفور رحيم}
- روى الطبراني مرفوعا: [[من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذي أحدا أضعف الله له أجر الصف الأول]]. قلت وروى الإمام سعيد رحمه الله تعالى أن الإمام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان يضرب بالدرة من رأى عليه رائحة كريهة ويؤخره إلى أخريات الصفوف. والله سبحانه وتعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذا رأينا الصف الأول مثلا قد ازدحم الناس فيه وما بقي يحتمل دخول أحد فيه أن لا نزاحم أحدا فيه لندخل وإن كنا فيه ورأينا في خروجنا منه تنفيسا لأهله من الزحمة خرجنا إلى الصف الثاني مثلا اللهم إلا أن يكون في الصف الأول أحد يتأذى الناس برائحته فلنا مزاحمته حتى يخرج وكذلك الصف الثاني والثالث حتى يكون ذلك الشخص في آخر صف. قلت لكن لا يسلم من حظ نفسه في مثل ذلك إلى العلماء العاملون لكونهم لا يحتقرون أحدا من المسلمين إلا بطريق شرعي. والله سبحانه وتعالى أعلم
- روى ابن ماجه وغيره عن ابن عمر قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن ميسرة المسجد قد تعطلت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [[من عمر ميسرة المسجد كتب الله له كفلين من الأجر]]. وفي رواية للطبراني مرفوعا: [[من عمر جانب المسجد الأيسر لقلة أهله فله أجران]]. والله سبحانه وتعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذا رأينا ميسرة المسجد قد عطلت من صلاة الناس فيها أن نكرمها كل قليل بالصلاة فيها جبرا لها لأن البقع يفتخر بعضها على بعض وقد أمر الله تعالى بجبر الخواطر وهذا من العدل بين الأمور: كما أن من انقطع إحدى نعليه يؤمر بأن ينعلهما جميعا أو يخفيهما جميعا ولا يلبس نعلا واحد عملا بالعدل بين الرجلين وهذا سر لا يعلمه إلا أهل الله تعالى لأنهم يعرفون بالكشف الصحيح حياة كل شيء وأما غيرهم فلا ينهض بهم حالهم إلى العمل بمثل ذلك لعدم كشفهم وقد جلس عندي مرة أخي الشيخ أفضل الدين ونحن نعمر في جامعنا الذي على الخليج الحاكمي فكلمته البقعة التي في ذلك البر وقالت له قل لأهل الحارة يدخلوني في جامع الميدان فإني بقعة مشرفة فكلم عليها أهل الحارة فجاء شخص من الفقراء وجعلها بيت خلاء فجاء أفضل الدين بعد ذلك فقال من فعل هذا فقلت الشيخ فلان فقال إن الله تعالى قد أعمى قلب هذا الشيخ كيف يجعل هذه البقعة خلاء مع شرفها فكان الشيخ من شدة نور قلبه يعتقد أن غيره يدرك مثل ما يدرك هو من حياة البقاع وغيرتها من بعضها بعضا فرضي الله عنه فاعلم ذلك
- روى مالك والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه مرفوعا: [[إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه]]. وفي رواية للبخاري: [[إذا قال أحدكم آمين وقالت الملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه]]. وفي رواية لابن ماجه والنسائي: إذا أمن القارئ فأمنوا الحديث. وفي رواية للنسائي: [[فإذا قال: يعني الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين فإنه من وافق كلامه كلام الملائكة غفر لمن في المسجد]]. قال الحافظ المنذري: آمين تمد وتقصر وتشديد الممدود لغة قيل هو اسم من أسماء الله تعالى وقيل معناها الله استجب أو كذلك فافعل أو كذلك فليكن. وروى ابن ماجه مرفوعا: [[إن الله تعالى أعطاني خصالا ثلاثة: أعطاني صلاة في الصفوف وأعطاني التحية إنها لتحية أهل الجنة وأعطاني التأمين ولم يعطه أحدا من النبيين قبلي إلا أن الله تعالى أعطى هارون يدعو موسى ويؤمن هارون]]. وروى الحاكم مرفوعا: [[لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم ويؤمن بعضهم إلا أجابهم الله تعالى]]. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نؤمن مع إمامنا في الصلاة الجهرية رجاء المغفرة لذنوبنا فلا نتقدم على تأمينه ولا نتأخر وذلك لنوافق تأمين الملائكة الذين لا يرد لهم دعاء فيستجاب لنا تبعا لهم. وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: إنما كان الملائكة لا يرد لهم دعاء لأنهم: {لا يعصون الله ما أمرهم}. وكل من أحكم باب ترك المعاصي من البشر كان كالملائكة لا يرد له دعاء وأما من وقع في المعاصي فإن الله تعالى يرد دعاءه في الغالب لأن الله تعالى مع العبد على حسب ما العبد عليه معه فكما أنه تعالى دعاه إلى الطاعة فلم يجب كذلك دعاه العبد فلم يجب دعاءه وكما أبطأ العبد في الإجابة ولم يبادر إليها كذلك دعا ربه فلم يجبه بسرعة جزاء وفاقا
وسمعته مرة أخرى يقول: حقيقة الإجابة هي قول الحق تعالى لعبده لبيك لإقضاء الحاجة فالحق يجيب عبده على الدوام فلا يقول يا رب إلا قال له لبيك. وأما قضاء الحاجة فيقول الله تعالى للعبد ذلك إلي لا إليك فإني أشفق عليك من نفسك وقد أعطيتك ما سألت فيكون به هلاكك وسوف تحمدني في الآخرة عل كل شيء منعتك إياه في الدنيا حين ترى ثوابي العظيم لأهل الصبر والبؤس
وظاهر كلام الشارع صلى الله عليه وسلم أن المراد بالموافقة هنا هي الموافقة في النطق دون الصفات وقال بعضهم: المراد بها الموافقة في الصفات فلا يكون في باطن الإنسان صفة شيطانية أبدا. وكان الشيخ محيي الدين بن العربي يقول إنما قال صلى الله عليه وسلم: من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له. دون قوله استجيب دعاؤه الذي هو قوله: {اهدنا الصراط المستقيم}. لأنه لو أجيب دعاؤه لاستقام كالأنبياء ولم يكن له ما يغفر فلذلك راعى الشارع صلى الله عليه وسلم ضعفاء الأمة الذين لا يكادون يسلمون من الوقوع فيما يغفر بين كل صلاة وصلاة ولو أنه راعى الأقوياء الذين لا يذنبون لكان اكتفى بقولهم مع الإمام آمين مرة واحدة أول بلوغهم وهو كلام نفيس لكن ثم ما هو أنفس منه وهو أن الهدى يقبل الزيادة ولا يبلغ أحد منتهاه فالنبي صلى الله عليه وسلم يطلب الزيادة والولي يطلب الزيادة والعاصي يطلب الزيادة فلا يستغني أحد عن سؤاله الهداية ولم يزل عنده أمر يغفر بالنظر للمقام الذي ترقى إليه وهكذا ثم هذا من باب: حسنات الأبرار وسيئات المقربين. والله تعالى أعلم. وكان أخي أفضل الدين يسمع تأمين الملائكة في السماء فربما طول التأمين زيادة على إمامه. فمثل هذا ربما يسلم له حاله وسيأتي في عهود المنهيات بسط القول في مشاهدة العارفين في أركان الصلاة ونوافلها فراجعه في عهد أن لا نتساهل بترك إتمام الركوع والسجود. {والله غفور رحيم}
- روى الطبراني مرفوعا: [[إن العبد إذا صلى فلم يتم صلاته بخشوعها ولا بركوعها وأكثر من الالتفات لم تقبل منه]]. وروى ابن حبان والطبراني بإسناد حسن مرفوعا: [[أول شيء يرفع من أعمال هذه الأمة الخشوع حتى لا تكاد ترى فيها خاشعا]]. وقيل إنه موقوف وهو أشبه. قاله الحافظ المنذري. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نستعد للصلاة قبل فعلها بما يعيننا على الخشوع فيها وذلك بالجوع وترك اللغو وكثرة الذكر وتلاوة القرآن والمراقبة لله تعالى فإن كف الجوارح عن المفضول إنما يسهل على العبد بذلك فمن شبع ولغا وغفل عن الله تعالى شردت جوارحه عن إمكانها وعسر على العبد كفها. فاعمل يا أخي على تحصيل الحضور مع الله تعالى في العبادات كلها فإنه روحها إذ كل عبادة لا حضور فيها فهي إلى المؤاخذة أقرب ولا تطلب حصول خشوع من غير مقدمات سلوك أو جذب فإن ذلك لا يكون لك أبدا. واعلم أن وضع اليمين على اليسار تحت الصدر من سنن الصلاة لكن إن شغل مراعاة ذلك القلب عن كمال الحضور مع الله تعالى فينبغي إرخاؤهما بجنبه كما هو مذهب الإمام مالك في نافلة الليل فمن لم يشغله مراعاة ذلك عن كمال الحضور مع الله تعالى بالنسبة لمقامه هو فمن الأدب وضع يديه تحت صدره ومن شغله مراعاة ذلك عن كمال الحضور فمن الأدب إرخاء يديه بجنبيه فاعلم أن جعل اليدين تحت الصدر من أدب الأكابر وإرخاؤهما بالجنبين من أدب الصغائر وفي ذلك تنبيه على أن الأصاغر يعجزون عن مراعاة شيئين معا في وقت واحد بخلاف الأكابر فاعلم ذلك وكان أخي أفضل الدين يعيد كل صلاة ظن أنه حصل له فيها خشوع ويقول: كل عبادة شعرت النفس بكمالها فهي ناقصة فلا يسع العبد إلا أن يصلي ويستغفر الله تعالى. وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: إنما كان الأكابر لا يحتاجون إلى تحصيل استعداد لكل صلاة كغيرهم لانفكاك قلوبهم عن التعلق بالأكوان فهم دائما حاضرون مع الله تعالى وراثة محمدية في حال مزحهم ولغوهم. فلكل مقام رجال. والله تعالى أعلم
- روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي مرفوعا: [[ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم اثنتي عشر ركعة تطوعا غير الفريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة]]. وزاد الترمذي والنسائي: [[أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الغداة]]. وزاد ابن خزيمة وابن حبان: وركعتين قبل العصر. وأسقطا ذكر ركعتين بعد العشاء وفي رواية لابن ماجه: وركعتين قبل الظهر وركعتين قبل العصر. وهذا اختلاف في تعيين الاثني عشر فتحصل الاثني عشر بصلاة اثني عشر ركعة منها. والله أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نكثر من نوافل الصلاة زيادة على النوافل المؤكدة فإن صلاة أمثالنا عددها كثير وأجرها قليل. وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول في معنى الحديث: سيأتي على أمتي زمان من عمل فيه بعشر ما علم نجا. المراد به أن الواحد منهم يعمل بعلمه كله ولا يحصل له من ذلك قدر عشر من عمل بعشر علمه من السلف فلا تقتصر يا أخي على اثنتي عشر ركعة في اليوم والليلة إلا إذا كملت فرائضك وأنى لك بذلك ؟ وأكثر من النوافل جهدك في اليوم والليلة. ثم لا يخفى عليك يا أخي أن سبب مشروعية النوافل هو علمه صلى الله عليه وسلم بإخلالنا بإتمام الفرائض فلو علم أننا نأتي بالفرائض على وجهها كاملة ما شرع لنا نافلة لأن التشريع مزاحمة أوصاف الربوبية وإن كان لا ينطق عن الهوى فلما علم من أمته عدم إتيانهم بالفرائض كاملة استأذن ربه في أن يشرع لهم النوافل الجابرة لخلل فرائضهم فأجابه الله تعالى فرجع التشريع إلى الله تعالى حقيقة. {وما ينطق عن الهوى}. فهو صلى الله عليه وسلم كان أكثر العبيد أدبا. واعلم يا أخي أن العلماء على قسمين: منهم من يقف في النوافل على حد العدد المشروع الوارد فيها ومنهم من يزيد وينبغي حمل كلامهم على حالين فمن كملت نوافله في الخشوع والحضور لا ينبغي له الزيادة ومن نقصت نوافله فله الزيادة جبرا لخلل نوافله كل ذلك ليكون العبد متبعا لا مبتدعا فاعلم ذلك والله يتولى هداك
- روى ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والترمذي مرفوعا: [[من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء عدلن بعبادة اثنتي عشر سنة]]. وفي رواية للطبراني غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر. وروى ابن ماجه وغيره مرفوعا: [[من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بني له بيتا في الجنة]]. وروى الطبراني عن عبدالله بن مسعود أنه كان يقول: نعم ساعة الغفلة يعني الصلاة فيما بين المغرب والعشاء. وروى رزين العبدري مرفوعا: [[من صلى بعد المغرب قبل أن يتكلم ركعتين. وفي رواية: أربع ركعات رفعت صلاته في عليين]]. قال الحافظ المنذري ولم أره في شيء من الأصول. وروى النسائي بإسناد جيد عن حذيفة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وصليت معه المغرب فصلى إلى العشاء. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نواظب على الصلاة بين المغرب والعشاء بحسب العدد الوارد في الأحاديث لأنها ساعة يغفل الناس فيها عن ربهم وقد عمل بذلك مشايخ الطريق وشددوا على المريد في المواظبة على فعلها ولها نور عظيم يجده الإنسان في قلبه فاعمل عليه والله يتولى هداك. ودليلهم في ذلك ظاهر قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل}
- روى الطبراني مرفوعا: [[أربع بعد الظهر كأربع بعد العشاء وأربع بعد العشاء يعدلن أربعا من ليلة القدر]]. وفي رواية أخرى له مرفوعا: [[من صلى العشاء الأخيرة في جماعة وصلى أربع ركعات قبل أن يخرج من المسجد كان كعدل ليلة القدر]]. وروى أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه واللفظ للترمذي وقال حديث حسن مرفوعا: [[إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن]]. وقال علي رضي الله عنه: الوتر ليس بحتم كالصلاة المكتوبة ولكن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى مسلم والترمذي وابن ماجه وغيرهم مرفوعا: [[من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة محضورة وذلك أفضل]]. وروى الإمام أحمد وأبو داود مرفوعا: [[الوتر حق فيمن لم يوتر فليس منا. قالها ثلاث مرات]] والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نصلي بعد العشاء أربع ركعات ثم نوتر بعدها قبل النوم وفي ذلك موافقة للعالم الملكي فإن الله تعالى يتجلى له في الثلث الأول من الليل ولكن لا يدرك سر ذلك إلا أكابر الأولياء الذين تروحنوا وأما أهل الكثائف فلا يحسون بذلك التجلي ولا يذوقون له طعما فاعمل يا أخي على تلطيف الكثائف لتأخذ حظك من ذلك التجلي والله يتولى هداك
- روى ابن حبان في صحيحه مرفوعا: [[من بات طاهرا بات في شعاره ملك فلا يستيقظ إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلان فإنه بات طاهرا]]
والشعار: هو ما يلي بدن الإنسان من ثوبه وغيره
وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه مرفوعا: [[ما من مسلم يبيت طاهرا فيتعار من الليل فيسأل الله تعالى خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه]]
وروى مالك وأبو داود والنسائي مرفوعا: [[ما من امرئ يكون له صلاة بالليل فيغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة من ربه]]
وفي رواية لابن ماجه والنسائي بإسناد جيد وابن حبان في صحيحه مرفوعا: [[من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عينه حتى أصبح كتب له ما نوى وكان نومه عليه صدقة من ربه]]
وروى الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن البراء بن عازب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [[إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: الهم إني أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت فإن مت من ليلتك مت على الفطرة وإن أصبحت أصبحت بخير واجعلهن آخر ما تتكلم به]]
وفي رواية للبخاري والترمذي: [[فإنك إن مت من ليلتك مت على الفطرة وإن أصبحت أصبحت خيرا]]
وروى أبو داود واللفظ له والترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم مرفوعا ومتصلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنوفل رضي الله عنه: [[اقرأ قل يا أيها الكافرون ثم نم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك]]
وروى أبو داود والترمذي والنسائي واللفظ للترمذي: [[أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد ويقول: إن فيهن آية خير من ألف آية]]
قال معاوية بن صالح: وكان بعض أهل العلم يجعلون المسبحات ستا (الحديد) و(الحشر) و(الحواريين) و(الجمعة) و(التغابن) و(سبح اسم ربك الأعلى)
وروى البزار ورجاله رجال الصحيح إلا واحدا مرفوعا: [[إذا وضعت جنبك إلى الأرض يعني على الفراش وقرأت فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموت]]
وروى البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه مرفوعا: [[من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير والحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له فإن توضأ ثم صلى قبلت صلاته]] وقوله تعار: أي استيقظ
وروى الطبراني مرفوعا: [[من قال حين يتحرك من الليل: بسم الله عشر مرات وسبحان الله عشر مرات آمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت عشرا غفر له كل ذنب يستخوفه ولم ينبغ لذنب أن يدركه إلى مثلها]]. والله تعالى أعلم. [ولم ينبغ لذنب أن يدركه: أي لم ينبغ لذنب من تلك الذنوب التي غفرت... دار الحديث]
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نواظب على الطهارة عند النوم وننوي القيام للتهجد كل ليلة ولا ننام على حدث إلا لضرورة شرعية أو غلبة نوم وكذلك نواظب على قراءة الأذكار الواردة عند النوم وعند الاستيقاظ لكون الحق تعالى يحب ذلك لا لعلة أخرى إلا أن يصرح بها الشارع كالحفظ من الشياطين حتى يصبح نحو ذلك وقد جربوا فوجدوا الأذكار عند النوم من أعون الأمور على قيام الليل وخفته على القلب والجوارح وهذا العهد يتأكد العمل به على الأكابر من العلماء والصالحين الذين يحبون مجالسة الحق تعالى والوقوف في حضرته مع الأنبياء والملائكة وخواص عباده فإن الأذكار قوت أرواحهم والطهارة سلاحهم وفيه أيضا زيادة الوقوف في حضرة الله تعالى في عالم الغيب فإن الروح إذا فارقت الجسد بالنوم وهي على طهارة أذن لها في السجود بين يدي الله حتى يستيقظ وإذا فارقت الجسد محدثة وقفت بعيدة عن الحضرة ففاتها العبادة الروحية المجردة عن الجسد كالملائكة فافهم فهذا من سر النوم على طهارة
وأما سر النوم على وتر فإنه أمر يحبه الله فإذا نام أحدنا أو مات كان آخر عهده عملا يحبه الله تعالى فيحشر مع المحبوبين الذين لا يعذبهم الله على ذنب أبدا كما أشار إليه قوله تعالى: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم}
أي فلو كنتم محبوبين له ما عذبكم فافهم فهذا من سر حكمة نوم العبد على وتر سواء كان من عادته التهجد أم لا وبهذا أخذ الأكابر من أهل الله وقالوا أرواحنا بيد الله ليس في يدنا منها شيء فلا نعلم هل ترد أرواحنا إلينا بعد النوم أم لا وكان على ذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه فكان يوتر قبل أن ينام. وكان عمر بن الخطاب ينام على غير وتر ويقول: أوتر إذا استيقظت. وكان علي رضي الله ينام على وتر فإذا استيقظ تطهر وصلى ركعة فردة وأضافها إلى ما قبل النوم فيصير شفعا ثم يصلي ما كتب له ثم يوتر وهي حيلة في عدم الوتر في الليلة مرتين لقوله صلى الله عليه وسلم: [[لا وتران في ليلة]]
فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوتر أبي بكر وعمر قال: [[حذر هذا - يعني أبي [أبا ؟ ؟] بكر - وقوي هذا]] يعني عمر
فقوله: حذر هذا إشارة لكمال أبي بكر وسعة علمه بالأخلاق الإلهية وقوله: قوي هذا إشارة إلى نقص مقام عمر في المعرفة عن أبي بكر هكذا قاله أبو الحسن الشاذلي. والله تعالى أعلم
- روى الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه مرفوعا: [[يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلانا]]
زاد في رواية لابن ماجه: [[لم يصب خيرا فحلوا عقد الشيطان ولو بركعتين]]
وقافية الرأس: مؤخره ومنه سمي آخر بيت الشعر قافيه
وروى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: [[أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل]]
وروى الطبراني بإسناد حسن مرفوعا: [[ثلاثة يحبهم الله تعالى ويضحك إليهم ويستبشر بهم فذكر منهم والرجل له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل يذر شهوته ويذكر ربه ولو شاء رقد]]
وفي رواية للإمام أحمد وأبي يعلى والطبراني وابن حبان في صحيحه مرفوعا: [[عجب ربنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه وفراشه من بين أهله وحبه إلى صلاته فيقول الله تعالى: انظروا إلى عبدي ثار عن وطائه وفراشه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي]] الحديث
وفي رواية للطبراني: [[إن الله ليضحك إلى رجلين رجل قام في ليلة باردة من فراشه ولحافه ودثاره فتوضأ ثم قام إلى الصلاة فيقول الله تعالى لملائكته ما حمل عبدي هذا على ما صنع ؟ فيقولون رجاء ما عندك وشفقة مما عندك فيقول: فإني قد أعطيته ما رجاه وأمنته مما يخافه]] الحديث
وروى الطبراني مرفوعا: [[من نام إلى الصباح فذلك رجل بال الشيطان في أذنه]]
قلت: وقد وقع لبعض أصحابنا ذلك فقام والبول سائح من أذنيه على رقبته فغسله بحضرتي وكان يعتقد أن ذلك معنى من المعاني فينبغي لمن يؤمن بهذا الحديث إذا نام إلى الصباح أن يغسل أذنه من بول الشيطان وإن لم يراه
وروى ابن ماجه والترمذي والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين مرفوعا: [[يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام]]
وروى الطبراني مرفوعا: [[عليكم بصلاة الليل ولو ركعة]]
وفي رواية له بإسناد حسن مرفوعا: [[شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس]]
وروى ابن أبي الدنيا والبيهقي مرفوعا: أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل]]
والأحاديث في ذلك كثيرة نحو حديث: [[عليكم بقيام الليل فإنه مقربة إلى ربكم ومكفرة لسيئاتكم ودأب الصالحين قبلكم ومطردة للداء عن الجسد]]. رواه الطبراني
وسيأتي في عهد صيام رمضان حديث أحمد والطبراني والحاكم مرفوعا: [[إن القرآن يشفع في حامله ويقول: يا رب شفعني فيه فإني منعته النوم بالليل]] والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نستعد لقيام الليل بالزهد في الدنيا وشهواتها وعدم الشبع من حلالها. ومن هنا صحت المواظبة من الصالحين على قيام الليل ومهاجرة غيرهم وما رأت عيني من نساء عصر أكثر مواظبة على قيام الليل من زوجتي أم عبدالرحمن فربما صلت خلفي وهي حبلى على وجه الولادة بنصف القرآن وهذا عزيز جدا وقوعه من الرجال على وجه الإخلاص فضلا عن النساء
وقد صلى خلفي مرة سلامة السند بصطي فقرأت به من أول سورة البقرة إلى سورة المزمل في الركعة الأولى فخر نائما ولم يشعر بنفسه هذا مع صحة جسمه وقلة تعبه في النهار فرضي الله عن أم عبدالرحمن ما أعلى همتها حيث علت على همة الرجال وإنما جعلن الزهد في الدنيا معينا على قيام الليل لما ورد في الحديث [[الزهد في الدنيا يريح القلب والجسد]] ومفهومه أن الرغبة في الدنيا تتعب القلب والجسد فإذا دخل الليل نزل الراغب في الدنيا إلى الأرض محلولة أعضاؤه فنام كالميت بخلاف الزاهد في الدنيا ينام وأعضاؤه مستريحة فيقوم بسرعة وإذا نام كأنه مستيقظ فاعلم أنه من طلب قيام الليل مع ترجيحه الذهب على الزبل فقد رام المحال وإن تكلف ذلك لا يدوم وإن دام فهو في حجاب لا يكاد يتلذذ بمناجاة الحق ولا يذوق لها طعما ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يخرجه عن حب الدنيا شيئا فشيئا حتى لا يبقى له هم دون الله تعالى ولا عائق يعوقه فإن حكم الشيخ في سلوكه بالمريد وترقيه في الأعمال حكم من يمر بالمريد على جبال الفلوس الجدد فإذا زهد فيها سلك به على جبال الفضة فإذا زهد فيها سلك به حتى يمر على جبال الذهب ثم الجواهر فإذا زهد فيهما مر به إلى حضرة الله تعالى فأوقفه بين يديه من غير حجاب فإذا ذاق ما فيه أهل تلك الحضرة زهد في نعيم أهل الدنيا والآخرة وهناك لا يقدم على الوقوف بين يدي الله شيئا أبدا وأما بغير شيخ فلا يعرف أحد يخرج من ورطات الدنيا ولو كان من أعلم الناس بالنقول في سائر العلوم
فاطلب لك يا أخي شيخا يسلك بك كما ذكرنا وإلا فلا تطمع في دوام قيام الليل وكيف يتخلص إلى حضرة ربه من سداه ولحمته شهوات ورعونات وعلل وأمراض باطنية في كل عبادة سلكها فضلا عن المعاصي ؟ هذا مما لا يكون عادة وتكونه القدرة وقد كان سيدي محمد بن عنان رضي الله عنه مع زهده في الدنيا لا بد له من غمز أعضائه كل ليلة ليستريح جسمه ويقوم ليتهجد بسرعة لأن البدن لا يستغرق في النوم إلا من شدة التعب
وكان سيدي علي الخواص إذا نام يرفع رأسه على موضع عال ويقول: إن الرأس إذا كان على موضع عال نام كأنه مستيقظ وكان أخي أفضل الدين يقرأ كل ليلة سورة الكهف ويقول إنها تخفف النوم وقد جربت أنا ذلك فوجدت قلبي طول الليل كأنه مستيقظ
وقد روى الإمام سنيد في تفسيره أن سورة الكهف كانت مكتوبة في لوح يدار به مع الحسين بن علي في كل بيت يكون فيه من بيوت زوجاته والله تعالى
- روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: [[من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه في ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل]]. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نقضي أورادنا التي نمنا عنها أو غفلنا في الليل ما بين صلاة الصبح إلى صلاة الظهر ولا نتساهل في ترك ذلك وهذا العهد لا يعمل به في هذا الزمان إلا القليل من الناس لكثرة غفلتهم عن الله وعن الدار الآخرة فيفوت أحدهم الخير العظيم فلا يتأثر له ويقع منه النصف فيتأثر له لكون الدنيا أكبر همه فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
واعلم أن أمر الشارع لنا بالقضاء إنما هو تنبيه لنا على مقدار ما فاتنا من الليل فإن النهار وقت حجاب فإذا حصل الحجاب للإنسان في عبادة النهار عرف مقدار ما فاته من مناجاة الله تعالى والحضور فيها وقويت داعيته إلى قيام الليل في المستقبل وفي الحقيقة ما ثم قضاء لأن كل عبادة وقعت إنما هي وظيفة ذلك الوقت بأمر جديد من الشارع وذلك الوقت ذهب فارغا فلا يملؤه ما فعل في غيره أبدا ومن هنا قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك. والله تعالى أعلم
- روى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة قال [[أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أرقد]] قال أبو هريرة رضي الله عنه وهي صلاة الأوابين
وروى ابن ماجه والترمذي مرفوعا: [[من حافظ على شفعتي الضحى غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر]]
والشفعة: بضم الشين وقد تفتح هي ركعتا الضحى
وروى ابن ماجه والترمذي مرفوعا: [[من صلى الضحى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا في الجنة من ذهب]]
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى ورجال أحدهما رجال الصحيح مرفوعا: [[إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم اكفني نهارك بأربع ركعات أكفك بهن آخر يومك]]
وروى أبو يعلى مرفوعا: [[من قام إذا استقبلته الشمس فتوضأ فأحسن وضوءه ثم قام فصلى ركعتين غفرت له خطاياه وكان كيوم ولدته أمه]]
وروى الطبراني مرفوعا ورواته ثقات: [[من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين ومن صلى أربعا كتب من العابدين ومن صلى ستا كفي ذلك اليوم ومن صلى ثمانيا كتبه الله من القانتين ومن صلى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة وما من يوم وليلة إلا ولله ما يمن به على من يشاء من عباده وما من الله على أحد من عباده أفضل من أن يلهمه ذكره]]
وروى الطبراني مرفوعا وإسناده متقارب: [[إذا طلعت الشمس من مطلعها كهيئتها لصلاة العصر حتى تغرب من مغربها فصلى رجل ركعتين وأربع سجدات فإن له أجر ذلك اليوم وأحسبه قال: وكفر عنه خطيئته وإثمه وأحسبه قال وإن مات من يومه دخل الجنة]]
وروى الطبراني مرفوعا: [[إن في الجنة بابا يقال له باب الضحى فإذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الذين كانوا يديمون صلاة الضحى هذا بابكم فادخلوه برحمة الله تعالى]]
قلت: وقد رأيت هذا الباب في واقعة ورأيت فيها باب الوتر أيضا مكتوبا عليه باب الوتر فأردت الدخول منه مع الداخلين فمنعني الملك وقال: إنك لم تصل الليلة الوتر فعجزت عنه ولم يمكنني أدخل فلما استيقظت واظبت على صلاة الوتر ولو ثلاث ركعات وكذلك الضحى ولو ركعتين. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نواظب على صلاة الضحى لئلا يطول زمن غفلتنا عن الله تعالى فإن الشارع صلى الله عليه وسلم أمين على الوحي وقد سن لنا صلاة الضحى ربع النهار لتكون الضحى كصلاة العصر بعد انقضاء وقت الظهر وإنما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ارتفاع الشمس كرمح ليبين لنا أن وقتها يدخل من ذلك الوقت وبعضهم سماها صلاة الإشراق والذي عندي أن الضحى يحصل بصلاة الإشراق وأن لها اسمين وليستا بصلاتين وذلك كله شفقة علينا حتى لا يطول زمن الغفلة عن الله تعالى من صلاة الصبح إلى الزوال فتقسو قلوبنا حتى تصير لا تحن إلى فعل خير أبدا فافهم
ومن فوائد المواظبة عليها نفرة الجن عن مصليها فلا يكاد جني يقرب منه إلا احترق
فواظب يا أخي عليها واشكر نبيك الذي سنها لك خوفا عليك من طول زمن القطيعة والهجران ووالله لولا الحضور بين يدي الله في أوقات العبادات لذابت قلوب المشتاقين وتفتت أكبادهم فالحمد لله رب العالمين
- [صلاة التسبيح:] وقد وردت صلاة التسبيح على كيفية أخرى غير المشهورة وهي ما رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم وقال صحيح على شرطهما عن أم سلمة قالت: [[علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في صلاتي فقال: كبري الله عشرا وسبحي عشرا ثم صلي ما شئت تقول نعم نعم]]
فصلاة التسبيح على كيفيات مختلفة ولكن أصحها ما رواه أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه
قال الحافظ المنذري: وصححه أيضا الحافظ أبو بكر الآجري وشيخنا أبو محمد عبدالرحمن المقري وشيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي
وقال أبو داود: وليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غيره
وقال مسلم: ليس في صلاة التسبيح حديث أحسن إسنادا منه قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس ابن عبد المطلب: [[يا عماه ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك ألا أفعل لك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره وقديمه وحديثه وخطأه وعمده وصغيره وكبيره وسره وعلانيته والعشر خصال هي: أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة فقل وأنت قائم: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة ثم تركع فتقول وأنت راكع عشرا ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشرا ثم تهوي ساجدا فتقول وأنت ساجد عشرا ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا فذلك خمس وسبعون في كل ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات فإن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل فإن لم تستطع ففي كل جمعة مرة فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة فإن لم تفعل ففي عمرك مرة]]
قال الحافظ المنذري وقد جاء في رواية الترمذي: [[أنه يسبح قبل القراءة والتعوذ خمس عشرة مرة ثم يتعوذ ويقرأ الفاتحة والسورة ثم يسبح عشرا بعد القراءة والتعوذ وقبل الركوع ولا يسبح في جلسة الاستراحة شيئا]]
وفي رواية للطبراني بعد التشهد وقبل السلام: [[اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى وأعمال أهل اليقين ومناصحة أهل التوبة وعزم أهل الصبر وجد أهل الخشية وطلب أهل الرغبة وتعبد أهل الورع وعرفان أهل العلم حتى أخافك اللهم مخافة تحجزني عن معصيتك حتى أعمل لطاعتك عملا أستحق به رضاك وحتى أناصحك بالتوبة خوفا منك وحتى أخلص لك النصيحة حياء منك وحتى أتوكل عليك في الأمور حسن ظن بك سبحان خالق النور]] ثم يسلم
قال المنذري: وقد وقع في صلاة التسبيح كلام طويل وفيما ذكرناه كفاية
قال البيهقي: وفعلها عبدالله بن المبارك وتناولها الصالحون بعضهم من بعض قال ابن المبارك: وإذا صلاها ليلا له أن يصلي ويسلم من كل ركعتين وإن صلاها نهارا فإن شاء سلم وإن شاء لم يسلم قال ويبدأ في الركوع ب [[سبحان ربي العظيم]] ثلاثا وفي السجود ب [[سبحان ربي الأعلى]] ثلاثا ثم يسبح التسبيحات المذكورة. فقيل لعبدالله بن المبارك: وإن سها فيها هل يسبح في سجدتي السهو عشرا عشرا ؟ قال لا إنما هي ثلاثمائة تسبيحة
واعلم يا أخي أن ما ذكرته لك من الأدلة هو الذي ذكره الحافظ المنذري وهو أصح ما ورد وقد اضطرب كلام النووي في أدلتها لغيبة الترغيب والترهيب عنه فإن الكتاب لم يشتهر إلا أيام الحافظ ابن حجر: وجده في تركة إنسان مسودا فبيضه وأبرزه للناس ولو أن النووي كان رآه لنقل ذلك عن المنذري لكونه من الأئمة الحفاظ. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نواظب على صلاة التسبيح لما ورد فيها من الفضل ويتعين العمل بهذا العهد على كل من غرق في الذنوب وتاه في عددها كأمثالنا
- روى الترمذي وقال حديث حسن وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه مرفوعا: [[ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له ثم قرأ هذه الآية: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم}]] الآية
وفي رواية للبيهقي وابن حبان: [[ثم يصلي ركعتين]]
وكذلك ذكر ابن ماجه في صحيحه الركعتين ولكن بغير إسناد. وفي رواية البيهقي مرسلا: [[ما أذنب عبد ذنبا ثم توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى براز من الأرض فصلى فيه ركعتين واستغفر الله إلا غفر له]]
والبراز: هو الأرض الفضاء ومثلها كل موضع خال من الناس لا سيما المكان المعظم. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد من رسول الله صلى الله عليه سلم) أن نواظب على صلاة التوبة كلما نذنب ذنبا وإن تكرر ذلك الذنب في كل يوم سبعين مرة أو أكثر وذلك لأن التنصل من الذنوب مقدم على كل طاعة كالوضوء للصلاة وقد واظبت على هذه الصلاة أول بلوغي مدة سنتين حتى كنت أعد ذنوبي عندي في دفتر فلما كثرت ذنوبي وزادت عن الحصر عجزت عن الصلاة عند كل ذنب فيا سعادة من مات من المذنبين صغيرا ويا شقاوة من طال عمره منهم
واعلم أنه تعالى وإن كان {يحب التوابين ويحب المتطهرين} يعني المتطهرين بالتوبة أو بالماء أو بالتراب فهو لمن لم يتب لعدم ذنبه أحب إليه تعالى كالأنبياء والملائكة لأنهم ليس لهم ذنوب حقيقة يتوبون منها وما قال الله تعالى {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} إلا جبرا لخلل من نفذت فيه الأقدار وتكررت عليه المعاصي وطلب الإقالة منها فلم يقل كما أشعر به: قوله التوابين: أي من تكرر منهم التوبة بتكرر الذنب فافهم
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: إنما كان صلى الله عليه وسلم يقول: [[إني لأتوب وأستغفر الله في اليوم كذا وكذا مرة]]
تشريعا لأمته ليستنوا به وإلا فاعتقادنا أنه صلى الله عليه وسلم لا ذنب له في نفس الأمر إنما هو ذنب تقديري
ولا يخفى أن التوبة من جملة المقامات المستصحبة للعبد إلى الممات لقوله تعالى
{وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} فلا يستغني عنها مؤمن ولو ارتفعت درجته حتى يدخل الجنة فتنقضي حضرة اسمه تعالى التواب لزوال التكليف وقد يكون حكم التواب في الجنة كحكمه قبل وجود التكاليف فيكون توابا بالقوة لا بالفعل حقيقة
واعلم أن من فضائل الصلاة أن العبد إذا وقف بين يدي الله تعالى نادما مستغفرا لا يرده الله إلا مقبول التوبة التي هي الرجوع إلى كشف الحجاب بعد أن كان محجوبا حتى وقع في الذنب فإذا رفع حجابه وجد الله تعالى فاعلا دون العبد إلا بقدر نسبة التكليف فقط وهناك يخف ندمه ضرورة قهرا عليه ولو أراد أن يندم كما كان في حال الحجاب لا يصح له وثم مقام رفيع ومقام أرفع ولولا أن في شدة الندم تعظيم أوامر الله تعالى وتعظيم الوقوع في المخالفات لكانت شدة الندم إلى الشرك أقرب وذلك لأنه يؤذن بترجيح كونه فاعلا دون الحق فمن رحمة الله تعالى بالعبد أن حبسه في مقام شركة نفسيه مع الله تعالى في الفعل حتى يحكم ذلك المقام قبل أن ينقله إلى ما فوقه
فإن قيل: إن الأكابر من الأنبياء بكوا حتى نبت العشب من دموعهم. وبكى آدم حتى صارت دموعه بركة ماء يشرب منها الدواب والهوام نحو ثمنين سنة كما ورد وهؤلاء لا يتصور في حقهم أنهم يرون شركة نفوسهم في الفعل مع الله تعالى إلا بقدر نسبة الفعل إليهم لأجل التكاليف وذلك القدر ضعيف جدا لا يبكون لأجله الدم ولا الدموع الكثيرة وهذا الأمر هو بالأصالة للأنبياء لأن النبوة تأخذ بدايتها من بعد منتهى الولاية
فالجواب: إن بكاء كل داع إلى الله تعالى إنما هو تشريع لقومه فيجري الله تعالى عليه صورة الندم حتى لا يسأل يوم القيامة عن تفريطه في شيء من أحوال قومه التي كلفه الله تعالى ببيانها لهم ولا عن بيان كيفية خروجهم من ذنوبهم إذا وقعوا فيها ويحتمل أن يكون بكاء الأكابر من باب الفتوة على قومهم فحملوا عنهم ببكائهم ذلك البكاء الذي كانوا مأمورين به بعد وقوعهم في الذنوب فكانت تلك البركة التي نشأت من بكاء آدم عليه السلام هي دموع بنيه التي كانت متفرقة فيهم ودفعها عنهم وهذا ما ظهر لي في هذا الوقت من الجواب عن الأكابر فعلم أن أحدا لا يستغني عن الاستغفار سواء كشف له الحجاب أو لم يكشف فإنه إن شهد له مدخلا في شركة الفعل فالواجب عليه سؤال المغفرة وإن لم يشهد له مدخلا فيه فالواجب عليه أيضا سؤال المغفرة قياما بواجب نسبة التكليف إليه كما قال أبونا آدم E مع معرفته بما الأمر عليه من القضاء المبرم الذي لا مرد له {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تفغر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}
فلا يخلو حال المستغفر من أحد أمرين: إما تحقيق الذنب وإما للتشريع ويكون ندمه صورة فتأمل ذلك وحرره والله يتولى هداك
- روى الترمذي وقال حديث حسن واللفظ له وابن ماجه بإسناد ضعيف مرفوعا: [[من كانت له حاجة إلى الله أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء وليصل ركعتين ثم ليثن على الله تعالى وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين]]
وروى الترمذي وقال حديث حسن والنسائي واللفظ له وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين: [[أن أعمى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ادع الله تعالى أن يكشف لي عن بصري قال أو أدعك ؟ قال: يا رسول الله إنه قد شق علي ذهاب بصري قال: فانطلق فتوضأ ثم صلي ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه إلى ربي بك أن يكشف لي عن بصري اللهم شفعه في وشفعني في نفسي]]
فال عثمان بن حنيف: فرجع وقد كشف الله تعالى عن بصره
وفي رواية للطبراني فقال: عثمان بن حنيف فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط
وروى الحاكم مرفوعا: [[اثنتا عشرة ركعة تصليهن من ليل أو نهار وتتشهد بين كل ركعتين فإذا تشهدت في آخر صلاتك فأثن على الله تعالى وصلي على النبي صلى الله عليه وسلم واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات وقل يا أيها الكافرون سبع مرات لا إله إلا الله
وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات ثم قل: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة ثم سل حاجتك ثم ارفع رأسك ثم سلم يمينا وشمالا ولا تعلموها السفهاء فإنهم يدعون بها فيجابون]]
قال أحمد بن حرب قد جربته فوجدته حقا
وقال إبراهيم بن علي الديلي ؟ ؟ نبنبن قد جربته فوجدته حقا
وقال الحاكم قال لنا أبو زكريا: وقد جربته فوجدته حقا. قال الحافظ المنذري: والاعتماد في مثل هذا على التجربة لا على الإسناد. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نصلي صلاة الحاجة إظهارا للفاقة والحاجة كالهدية التي يرسلها الإنسان لمن له عنده حاجة قبل أن يجتمع به
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: ينبغي فعل صلاة التسبيح قبل صلاة الحاجة لما ورد بأنها تكفر الذنوب كلها وذلك من أكبر أسباب قضاء الحاجة فإن تأخير قضاء الحوائج إنما يكون بسبب الذنوب في الغالب
وسمعته يقول أيضا: ينبغي شدة الحضور في أذكار السجدة الأخيرة من صلاة الحاجة التي يسلم بعدها وعلامة الحضور أن يحس أن مفاصله كادت تتقطع وعظمه كاد يذوب من هيبة الله تعالى وهناك ترجى الإجابة وإيضاح ذلك أن قراءة القرآن على الله تعالى في السجود لا يطيقها أحد لكون العبد في أقرب ما يكون من الله تعالى كمل ورد
وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: مفتاح قضاء الحاجة الهدية بين يديها هذا في حكم معاملة الخلق مع بعضهم بعضا {والله غني عن العالمين}
وجميع ما يقدمونه له هدية هو من خزائنه فكأن العبد نقل تلك الهدية من بين يدي الله تعالى إلى بين يدي الله تعالى قال تعالى {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه}
فكانت صلاة الحاجة من العبد إظهار عبودية لا غير سواء كان مشاهدا لكونها من فضل الله حال إهدائها أو غافلا عن هذا المشهد كحال العوام
وقد سمعت أخي أفضل الدين رحمه الله يقول مرة: ليس للعبد أن يشهد له ملكا لشيء مما أعطاه الحق تعالى له إلا على وجه النسبة فقط ليبني عليه الشكر وإلا فحقيقة العطاء أن ينتقل ذلك الشيء من ملك المعطي إلى ملك المعطى وذلك محال في جانب الحق
وسمعته أيضا يقول: لقائل أن يقول إن الحق تعالى لم يعط أحدا شيئا حقيقة إنما ذلك استخلاف لينفقه على المحتاجين إليه بطريقه الشرعي كالوكيل قال: ومن هنا لم يفرح أحد من أهل الله تعالى بشيء من أمور الدنيا والآخرة وتساوي عندهم نسبة ذلك إليهم وسلبه عنهم على حد سواء لأن أحدا منهم لا يشهد له ملكا مع الله تعالى في الدارين وهذا أمر لا تذوقه يا أخي إلا بسلوك على يد شيخ ناصح فإن أردت العمل بذلك المشهد النفيس فاطلب لن شيخا يرشدك إليه وإلا فلا سبيل لك إلى ذلك ولو عبدت الله تعالى بعبادة الثقلين
ومن هنا افترق السالكون والعابدون فربما مكث العابد يعبد ربه على علة خمسمائة سنة والسالك يخرج عن العلة من أول قدم يضعه في الطريق لأن بداية الطريق التوحيد لله تعالى في الملك ثم الفعل ثم الوجود والعابد لا يذوق لهذه الثلاثة مقامات طعما كما أشار إليه خبر الطبراني وغيره مرفوعا: [[أن عابدا عبد الله تعالى في جبل في البحر خمسمائة سنة فيقول الله تعالى له يوم القيامة ادخل الجنة برحمتي فيقول يا رب بل بعملي فيكررها ثلاث مرات وهو يقول يا رب بل بعملي]]
وهذه المقالة لو قالها المريد لشيخه في أول بدايته لعيبت عليه فوالله لقد فاز من كان له شيخ وخسر من لم يتخذ له شيخا أو اتخذه ولم يسمع لنصحه كما عليه غالب المريدين في هذا الزمان
واعلم أن من شروط إجابة الدعاء كون العبد ليس عليه ذنب فمن سأل الله تعالى في حاجة وعليه ذنب واحد لم يتب منه فهو إلى الرد أقرب
وكان سيدي علي البحيري رحمه الله لا يسأله أحد الدعاء إلا قال قولوا كلكم: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه من كل ذنب ثم يدعو ويقول: يا أولادي كيف يطلب العبد من ربه حاجة وهو قد أغضب ربه بالمعصية وإذا تاب منها ربما أجيب دعاؤه فاعلم ذلك واعمل عليه والله يتولى هداك
- روى الإمام أحمد وأبو يعلى والحاكم مرفوعا: [[من سعادة ابن آدم استخارته لله تعالى]]
وزاد في رواية الحاكم: [[ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله تعالى]]
وروى الترمذي مرفوعا بلفظ: [[من سعادة ابن آدم كثرة استخارته لله تعالى ورضاه بما قضى الله تعالى ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله تعالى وسخطه بما قضى الله تعالى له]]
وروى البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن جابر بن عبدالله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن فيقول: [[إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه وقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به قال: ويسمي حاجته]]. والله تعالى أعلم