الاثنين، 17 فبراير 2014

نهج البردة لأمير الشعراء أحمد شوقي

نهج البردة
لأمير الشعراء أحمد شوقي


أحل سفك دمي في الأشهر الحُرُم
يا ساكن القاع، أدرك ساكن الأجم
يا ويح جنبك، بالسهم المصيب رُمِي
جُرحُ الأحبة عندي غيرُ ذي ألم
إذا رُزقت التماس العذر في الشيم
لو شفك الوجد لم تعذل ولم تلم
ريمٌ على القاع بين البان والعلم ‍
رمى القضاء بعيني جؤذرٍ أسداً ‍
لما رنا حدثتني النفس قائلة ‍
جحدتها، وكتمت السهم في كبدي ‍
رزقت أسمح ما في الناس من خُلق ‍
يا لائمي في هواه - والهوى قدر-

ورُب منتصتٍ والقلبُ في صمم
أسهرت مضناك في حفظ الهوى، فنم
أغراك بالبخل من أغراه بالكرم
ورُبَّ فضلٍ على العشاق للحلم
اللعباتُ برُوحي، السافحات دمي
يُغرن شمس الضحى بالحلي والعصم
لقد أنلتك أذناً غير واعيةٍ ‍
يا ناعس الطرف، لا ذقت الهوى أبداً
أفديك إلفاً، ولا آلو الخيال فدًى ‍
سرى فصادف جُرحاً دامياً، فأسا ‍
من الموائسُ بانا بالرُّبى وقناً ‍
السافراتُ كأمثال البدور ضُحى

وللمنية أسبابٌ من السقم
أُقلن من عثرات الدَّل في الرسم
عن فتنةٍ، تُسلم الأكباد للضرم
أشكاله، وهو فرد غير منقسم
للعين، والحُسنُ في الآرام كالعُصُم
إذا أَشَرن أسرن الليث بالعنم
القاتلاتُ بأجفانٍ بها سقمٌ
العاثراتُ بألباب الرجال، وما
المضرماتُ خدوداً، أسفرت، وجلت
الحاملات لواء الحسن مختلفاً
من كل بيضاء أو سمراء زُينتا
يُرعن للبصر السامي، ومن عجب

يرتعن في كُنُس منه وفي أكم
ألقاك في الغاب، أم ألقاك في الأطُم؟
أن المُنى والمنايا مضربُ الخيم
وأخرج الريم من ضرغامة قرم
ومثلها عفة عُذريةُ العصم
مغناك أبعدُ للمشتاق من إرم
وضعت خدّي، وقسمت الفؤاد ربى
يا بنت ذي اللبد المحمي جانبه ‍
ما كنتُ أعلم حتى عنّ مسكنُه ‍
من أنبت الغصن من صَمامة ذكر ‍
بيني وبينك من سمر القنا حُجُب ‍
لم أغش مغناك إلا في غصون كِرَّى

وإن بدا لك منها حُسنُ مُبتسم
كما يُفضُّ أذى الرقشاءِ بالثَّرم
من أول الدهر لم تُرمل، ولم تئم
جرحٌ بآدم يبكي منه في الأدم
الموتُ بالزَّهر مثلُ الموت بالفَحَم
لولا الأمانيُّ والأحلامُ لم ينم
يا نفسُ، دنياك تُخفي كل مبكيةٍ ‍
فُضِّي بتقواكِ فاهاً كلما ضحكت ‍
مخطوبةٌ - منذ كان الناسُ - خاطبةٌ ‍
يفنى الزمانُ، ويبقى من إساءتها ‍
لا تحفلي بجناها، أو جنايتها ‍
كم نائمٍ لا يراها وهي ساهرةٌ

وتارةً في قرار البؤس والوصم
إن يلق صاباً يرد، أو علقماً يسُم
مُسودَّةُ الصُّحفِ في مُبيضَّةِ اللّمم
أخذتُ من حمية الطاعات للتخم
والنفس إن يدعها داعي الصبا تهم
فقوِّم النفس بالأخلاق تستقم
طوراً تمدك في نُعمى وعافيةٍ ‍
كم ضلَّلتكَ، ومن تُحجب بصيرته ‍
يا ويلتاهُ لنفسي! راعَها ودَها ‍
ركضتها في مريع المعصياتِ، وما ‍
هامت على أثر اللذات تطلبها ‍
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه

والنفسُ من شرها في مرتعٍ وَخِم
طَغىَ الجيادِ إذا عضَّت على الشُّكُم
في الله يجعلني في خير مُعتصم
مُفرِّج الكرب في الدارين والغمم
عِزَّ الشفاعةِ؛ لم أسأل سوى أَمم
قدّمتُ بين يديه عبرَةَ الندم
والنفسُ من خيرها في خير عافيةٍ
تطغى إذا مُكِّنَت من لذَّةٍ وهوىً
إن جَلَّ ذنبي عن الغفران لي أملٌ
أُلقي رجائي إذا عزَّ المُجيرُ على
إذا خفضتُ جناح الذُّلَّ أسأله
وإن تقدم ذو تقوى بصالحةٍ

يُمسك بمفتاح باب الله يغتنم
ما بين مستلم منه ومُلتزم
في يوم لا عز بالأنساب واللُّحَمِ
ولا يقاسُ إلى جودي لدى هَرِم
وبغيةُ الله من خلقٍ ومن نَسَم
متى الورود؟ وجبريلُ الأمين ظمى
لزمتُ باب أمير الأنبياءِ، ومن ‍
فكلُّ فضلٍ، وإحسانٍ، وعارفةٍ ‍
علقتُ من مدحه حبلاً أعزُّ به ‍
يُزري قريضي زُهيراً حين أمدحُه
محمدٌ صفوةُ الباري، ورحمته
وصاحبُ الحوض يوم الرُّسلُ سائلةٌ

فالجِرمُ في فلكٍ، والضوءُ في عَلَم
من سؤددٍ باذخ في مظهرٍ سَنِم
ورُبَّ أصلٍ لفرع في الفخارِ نُمى
نوران قاما مقام الصُّلب والرَّحم
بما حفظنا من الأسماء والسَِّيم
مصونَ سِرَّ عن الإدراك مُنكَتِم ؟
سناؤه وسناهُ الشمسُ طالعةَ ‍
قد أخطأ النجمَ ما نالت أُبوتُه ‍
نُمُوا إليه، فزادوا في الورى شرفاً ‍
حواه في سُبُحات الطُّهر قبلهم ‍
لما رآه بَحيرا قال: نعرفُه ‍
سائل حِراءَ، روحَ القدس: هل عَلما

بطحاءُ مكة في الإصباح والغَسَم
أشهى من الأُنس بالحباب والحشَم
ومن يبشِّ بسيمى الخير يتَّسِم
فاضت يداه من التسنيم بالسَّنِم
غمامةٌ جذبتها خيرةُ الديَم
قعائدُ الدَّيرِ، والرهبانُ في القمم
كم جيئةٍ وذهاب شُرِّفت بهما ‍
ووحشةٍ لابن عبد الله بينهما ‍
يُسامر الوحي فيها قبل مهبطه ‍
لما دعا الصَّحبُ يستسقون من ظمأٍ ‍
وظللَّته، فصارت تستظلُّ به ‍
محبةٌ لرسول الله أُشربَها ‍

يُغرى الجمادُ، ويُغرى كل ذي نسم
لم تتصل قبل من قيلت له بفم
أسماعُ مكة من قدسية النَّغم
وكيف نُفرتها في السهل والعلم ؟
رمَى المشايخ والولدان باللَّمم
هل تجهلون مكان الصادق العلم؟
إن الشمائل إن رقَّت يكاد بها ‍
ونودي: اقرأ تعالى الله قائلها ‍
هناك أذَّنَ للرحمن، فامتلأت ‍
فلا تسل عن قريش كيف حيرتُها ؟ ‍
تساءلوا عن عظيم قد ألمَّ بهم ‍
يا جاهلين على الهادي ودعوته

وما الأمين على قولٍ بمتَّهم
بالخُلق والخَلق من حسنٍ ومن عظم
وجئتنا بحكيم غير منصرم
يزينُهنَّ جلالُ العتق والقدم
يوصيك بالحق، والتقوى، وبالرحم
حديثك الشهدُ عند الذائقِ الفهِم
لقبتموهُ أمين القوم في صغرٍ ‍
فاق البدور، وفاق الأنبياء فكم ‍
جاء النبيون بالآيات، فانصرمت ‍
آياته كلما طال المدى جُدُدٌ ‍
يكاد في لفظة منه مشرَّفةٍ ‍
يا أفصح الناطقين الضاد قاطبةً ‍

في كلِّ مُنتثر في حسن مُنتظم
تُحيي القلوب، وتحيي ميت الهمم
في الشرق والغرب مسرى النور في الظلم
وطيرت أنفُسَ الباغين من عجم
من صدمة الحق، لا من صدمة القُدم
إلا على صنم، قد هام في صنم
حلَّيت من عَطَلٍ جيد البيان به ‍
بكل قول كريمٍ أنت قائلُه‍
سرت بشائر بالهادي ومولده ‍
تخطفت مهج الطاغين من عربٍ ‍
ريعت لها شُرَفُ الإيران، فانصدعت ‍
أتيت والناس فوضى لا تمرُّ بهم ‍

لكل طاغيةٍ في الخلق مُحتكِم
وقيصرُ الروم من كِبرٍ أصمُّ عَمِ
ويذبحان كما ضحَّيتَ بالغنم
كالليث بالبهم، أو كالحوت بالبلم
والرُّسلُ في المسجد الأقصى على قدم
كالشُّهب بالبدر، أو كالجند بالعلم
والأرض مملوءةٌ جوراً، مُسخرةٌ
مُسيطرُ الفرس يبغي في رعيَّته
يُعذِّبان عباد الله في شُبهٍ
والخلقُ يفتك أقواهم بأضعفهم
أسرى بك الله ليلاً، إذ ملائكُه
لما خطرت به التفُّوا بسيدهم

ومن يفُز بحبيب الله يأتمم
على منوّرةٍ دُرِّيةٍ اللُّجُم
لا في الجياد، ولا في الأينُق الرسُم
وقدرةُ الله فوق الشك والتُّهَم
على جناحٍ، ولا يُسعى على قدم
ويا محمدٌ، هذا العرشُ فاستلم
صلى وراءك منهم كل ذي خطرٍ ‍
جُبت السماوات أو ما فوقهن بهم ‍
ركوبة لك من عزٍّ ومن شرفٍ ‍
مشيئةُ الخالق الباري، وصنعته ‍
حتى بلغت سماءً لا يطارُ لها ‍
وقيل: كلُّ نبيٍّ عند رتبته

يا قارئ اللوح، بل يا لا مس القلم
لك الخزائنُ من علم، ومن حكم
بلا عدادٍ، وما طوِّقتَ من نعم
لولا مطاردةُ المختار لم تُسم
همسَ التسابيح والقرآن من أَمَم ؟
كالغاب، والحائماتُ الزُّغبُ كالرخم؟
خططت للدين والدنيا علومهما ‍
أحطت بينهما بالسر، وانكشفت ‍
وضاعف القُرب ما قلِّدت من منن ‍
سل عصبة الشرك حول الغار سائمةً ‍
هل أبصروا الأثر الوضَّاءَ،أم سمعوا ‍
وهل تمثّل نسجُ العنكبوت لهم

كباطلٍ من جلالِ الحق منهزم
وعينُه حول ركن الدين؛ لم يقم
ومن يضُمُّ جناحُ الله لا يُضَم
وكيف لا يتسامى بالرسول سمِى؟
لصاحب البُردة الفيحاء ذي القدم
وصادقُ الحبِّ يُملي صادق الكلم
فأدبروا، ووجوهُ الأرض تلعنُهم ‍
لولا يدُ الله بالجارين ما سلما ‍
تواريا بجناح الله، واستترا ‍
يا أحمد الخير، لي جاهٌ بتسميتي ‍
المادحون وأربابُ الهوى تبعٌ ‍
مديحهُ فيك حب خالصٌ وهوًى

من ذا يعارضُ صوب العارض العرم؟
يغبط وليِّك لا يُذمَم، ولا يُلم
ترمي مهابته سبحان بالبكم
والبحرُ دونك في خيرٍ وفي كرم
والأنجُم  الزُّهرُ ما واسمتها تسم
إذا مشيت إلى شاكي السلاح كمي
الله يشهدُ أني لا أعارضُه ‍
وإنما أنا بعض الغابطين، ومن ‍
هذا مقامٌ من الرحمن مقتبسٌ ‍
البدرُ دونك في حسنٍ وفي شرفٍ ‍
شُمُّ الجبال إذا طاولتها انخفضت ‍
والليثُ دونك بأساً عند وثبته

في الحربِ - أفئدةُ الأبطال والبُهَم
على ابن آمنةٍ في كلِّ مصطدَم
يضئُ ملتثماً، أو غيرَ مُلتثم
كغُرِّة النصر، تجلو داجي الظلم
وقيمةُ اللؤلؤ المكنون في اليُتم
وأنت خُيِّرتَ في الأرزاق والقِسم
تهفو إليك - وإن أدميتَ حبَّتَها ‍
محبةُ الله ألقها، وهيبته ‍
كأن وجهك تحت النقع بدرُ دُجًى ‍
بدرٌ تطلَّع في بدرٍ فغُرَّته ‍
ذُكرت باليُتم في القرآن تكرمةً ‍
الله قسّم بين الناس رزقهُمُ ‍

فخيرةُ الله في "لا" منك أو "نعم"
وأنت أحييت أجيالاً من الرّمم
فابعث من الجهل،أو فابعث من الرَّجم
لقتل نفس، ولا جاءوا لسفك دم
فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم
تكفَّل السيفُ بالجهالِ والعَمَم
إن قلتَ في لأمر:لا، أو قلت فيه: نعم ‍
أخوك عيسى دعا ميتاً، فقام له
والجهل موتٌ، فإن أوتيت مُعجزةً ‍
قالوا: غزوت، ورسلُ الله ما بُعثوا ‍
جهلٌ، وتضليلُ أحلامٍ، وسفسطةٌ ‍
لما أتى لك عفواً كل ذي حسبٍ

ذرعاً، وإن تلقهُ بالشرِّ ينحسِم
بالصّاب من شهوات الظالم الغَلِم
في كل حينٍ قتالاً ساطع الحَدَم
بالسيف؛ ما انتفعت بالرفق والرُّحَم
وحرمةٌ وجبت للروح في القِدَم
لوحين، لم يخش مؤذيه، ولم يَجِم
والشرُّ إن تلقهُ بالخير ضقت به ‍
سل المسيحية الغراء: كم شربت ‍
طريدةُ الشرك، يؤذيها، ويوسعُها ‍
لولا حُماةٌ لها هبُّوا لنصرتها ‍
لولا مكانٌ لعيسى عند مرسِلِه ‍
لسُمِّرَ البدنُ الطُّهرُ الشريفُ على

إن العقاب بقدر الذنب والجُرُم
فوق السماء ودون العرش مُحترم
حتى القتال وما فيه من الذِّمَم
والحربُ أُسُّ نظام الكون والأمم
ما طال من عمد، أو قر من دُهُم
في الأعصر الغُرِّ، لا في لأعصُر الدُّهُم
جلَّ المسيحُ، وذاق الصلبَ شانئهُ ‍
أخو النبي، وروح الله في نُزُل ‍
علَّمتهم كل شئٍ يجهلون به ‍
دعوتهم لجهادٍ فيه سؤددُهُم ‍
لولاه لم نر للدولات في زمن ‍
تلك الشواهد تترى كل آونةٍ ‍

لولا القذائفُ لم تثلم، ولم تصم
ولم نُعدّ سوى حالات مُنقصِم
ترمي بأُسدٍ، ويرمي الله بالرُّجُم
لله، مُستقتلٍ في الله، مُعتزِم
شوقاً، على سابحٍ كالبرق مضطرم
بعزمه في رحال الدهر لم يرم
بالأمس مالت عروشٌ، واعتلت سُرُرٌ ‍
أشياع عيسى أعدوا كل قاصمةٍ ‍
مهما دُعيت إلى الهيجاء قُمت لها ‍
على لوائك منهم كل منتقمٍ
مُسبحٍ للقاءِ الله، مضطرمٍ ‍
لو صادف الدهر يبغي نقلةً، فرمى

من أسيُفِ الله، لا الهندية الخُذُم
من مات بالعهد، أو مات بالقسم
تفاوت الناسُ في الأقدار والقيم
عن زاخرٍ بصنوف العلم ملتطم
كالحلي للسيف أو كالوشي للعلم
ومن يجد سلسلاً من حكمةٍ يحُم
بيضٌ، مفاليلُ من فعل الحروب بهم ‍
كم في التراب إذا فتشت عن رجلٍ ‍
لولا مواهبُ في بعض الأنام لما ‍
شريعةٌ لك فجرت العقول بها ‍
يلوح حول سنا التوحيد جوهرُها ‍
غرَّاءُ، حامت عليها أنفسٌ ونُهًى ‍

تكفلت بشباب الدهر والهرم
حكم لها، نافذ في الخلق، مرتسم
مشت ممالكه في نورها التمم
رعي القياصر بعد الشاءِ والنَّعَم
في الشرق والغرب مُلكاً باذخ العِظَم
من الأمور، وما شدُّوا من الحُزُم
نورُ السبيل يساس العالمون بها ‍
يجري الزمان وأحكام الزمان على ‍
لما اعتلت دولةُ الإسلام واتسعت ‍
وعلَّمت أُمةً بالقفر نازلةً ‍
كم شيَّد المصلحون العاملون بها ‍
للعلم، والعدلِ، والتمدين ما عزموا

وأنهلوا الناس من سلسالها الشَّبِم
إلى الفلاح طريقٌ واضحُ العَظَم
وحائط البغي إن تلمسهُ ينهدِم
على عميم من الرضوان مقتسم
كلُّ اليواقيت في بغداد والتوَم
هوى على أَثَر النيران والأيُم
سرعان ما فتحوا الدنيا لملَّتهم ‍
ساروا عليها هُداة الناس، فهي بهم ‍
لا يهدِمُ الدَّهرُ رُكناً شاد عدلُهُمُ ‍
نالوا السعادةَ في الدَّارين، واجتمعوا ‍
دع عنك روما وآثينا، وما حَوَتا ‍
وخلِّ كِسرى، وإيواناً يدلُّ به

في نعضة العدل، لا في نهضة الهرم
دار السلام لها ألقت يد السًّلًم
ولا حكتها قضاءً عند مُختصم
على رشيد، ومأمونٍ، ومُعتصم
تصرّفوا بحدود الأرض والتُخم
فلا يُدانون في عقل ولا فهم
واترُك رعمسيس، إن الملك مظهره ‍
دارُ الشرائع روما كلما ذُكرت ‍
ما ضارعتها بياناً عند مُلتأَم ‍
ولا احتوت في طرازٍ من قياصرها ‍
من الذين إذا سارت كتائبُهم ‍
ويجلسون إلى علم ومعرفةٍ

من هيبة العلم، لا من هيبة الحُكم
ولا بمن بات فوق الأرض من عُدُم
فلا  تقيسنَّ أملاك الورى بهم
وكابن عبد العزيز الخاشع الحشم ؟
بمدمع في مآقي القوم مزدحم
والناصر النَّدب في حرب وفي سلم ؟
يُطاطئُ العلماءُ الهام إن نبسوا ‍
ويمطرون، فما بالأرض من محل ‍
خلائفُ الله جلُّوا عن موازنةٍ ‍
من في البرية كالفاروق معدَلَةً ؟ ‍
وكالإمام إذا ما فضَّ مزدحماً ‍
الزاخر العذب في علم وفي أدبٍ

يحنو عليه كما تحنو على الفُطُم
عقداً بجيد الليالي غير منفصِم ؟
جُرحُ الشهيد، وجُرحٌ بالكتاب دمى
بعد الجلائل في الأفعال والخِدم
أضلت الحلم من كهلٍ ومحتلم
في الموت، وهو يقينٌ غير منبهم
أو كابن عفَّانَ والقرآنُ في يده ‍
ويجمع الآي ترتيباً وينظمُها ‍
جُرحان في كبد الإسلام ما التأما ‍
وما بلاءُ أبي بكر بمتَّهم ‍
بالحزم والعزم حاط الدين في محنٍ ‍
وحدنَ بالراشد الفاروق عن رشدٍ ‍

في أعظم الرسل قدراً، كيف لم يدم؟
مات الحبيبُ، فضلَّ الصَّبُّ عن رَغَم
نزيل عرشك خير الرسل كلهم
إلا بدمع من الإشفاق مُنسجم
ضُرًّا من السُّهد، أو ضُّرًا من الورم
وما مع الحبِّ إن أخلصت من سأم
يجادلُ القوم مستهلاً مهنَّده ‍
لا تعذلوه إذا طاف الذهولُ به ‍
يا رب صل وسلم ما أردت على ‍
محيي الليالي صلاةً، لا يقطعُها ‍
مسبحاً لك جُنحَ الليل، محتملاً ‍
رضيةُ نفسُه، لا تشتكي سأماً

جعلتَ فيهم لواء البيت والحرم
شُمُّ الأنوف، وأُنفُ الحادثات حمي
في الصحب، صُحبتُهم مرعيَّةُ الحُرَم
ما هال من جللٍ، واشتد من عَمَم
الضاحكين إلى الأخطار والقُحَم
واستيقظت أُمَمٌ من رقدة العدم
وصل ربي على آلٍ لهُ نُخبٍ ‍
بيض الوجوه، ووجه الدهر ذو حلكٍ ‍
واهد خيرَ صلاةٍ منك أربعةً ‍
الراكبين إذا نادى النبيُّ بهم ‍
الصابرين ونفسُ الأرض واجفةٌ ‍
يا ربِّ، هبت شعوب من منيّتها

تُديلُ من نعم فيه، ومن نِقَم
أكرم بوجهك من قاضٍ ومنتقم
ولا تزد قومه خسفاً، ولا تُسم
فتمِّم الفضلَ، وامنح حُسنَ مُختَتَم
سعدٌ، ونحسٌ، وملكٌ أنت مالكه ‍
رأى قضاؤك فينا رأي حكمته ‍
فالطُف لأجل رسول العالمين بنا ‍
يا ربِّ، أحسنت بدء المسلمين به ‍

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق