الأربعاء، 14 مايو 2014

لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية الإمام عبد الوهاب الشعراني الجزء 4

لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية الإمام عبد الوهاب الشعراني الجزء  4
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نجيب المؤذن بما ورد في السنة ولا نتلاهى عنه قط بكلام آخر ولا غيره أدبا مع الشارع صلى الله عليه وسلم فإن لكل سنة وقتا يخصها فلإجابة المؤذن وقت وللعلم وقت وللتسبيح وقت ولتلاوة القرآن وقت كما أنه ليس للعبد أن يجعل موضع الفاتحة استغفارا ولا موضع التسبيح للركوع وللسجود قراءة ولا موضع التشهد غيره وهكذا فافهم وهذا العهد يخل به كثير من طلبة العلم فضلا عن غيرهم فيتركون إجابة المؤذن بل ربما تركوا صلاة الجماعة حتى يخرج الناس منها وهم يطالعون في علم نحو أو أصول أو فقه ويقولون العلم مقدم مطلقا وليس كذلك فإن المسألة فيها تفصيل فما كل علم يكون مقدما في ذلك الوقت على صلاة الجماعة كما هو معروف عند كل من شم رائحة مراتب الأوامر الشرعية
وكان سيدي علي الخواص رحمه الله إذا سمع المؤذن يقول حي على الصلاة يرتعد ويكاد يذوب من هيبة الله تعالى ويجيب المؤذن بحضور قلب وخشوع تام رضي الله عنه فاعلم ذلك واعمل عليه والله يتولى هداك
- روى أبو داود وغيره مرفوعا: الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد
زاد النسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحيهما [[فادعوا]] وزاد الترمذي: [[فقالوا ماذا نقول يا رسول الله ؟ قال سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة.]]
وروى الحاكم مرفوعا: إذا نادى المنادي فتحت له أبواب السماء واستجيب الدعاء فمن نزل به كرب أو شدة فليجب المنادي. أي ينتظر بدعوته حتى يؤذن المؤذن فيجيبه ثم يسأل الله حاجته كما يدل عليه حديث أبي داود والنسائي وغيرهما مرفوعا: [[قل كما يقول المؤذن فإذا انتهيت فسل تعط]]
وروى البيهقي مرفوعا: [[إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين. فإذا قضى الأذان أقبل فإذا ثوب أدبر]] الحديث. والمراد بالتثويب هنا: الإقامة
وروى عن الإمام أحمد مرفوعا: [[إذا ثوب بالصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء]]
وروى بن حبان في صحيحه مرفوعا: [[ساعتان لا يرد على داع دعوته: حين تقام الصلاة وساعة الصف في سبيل الله تعالى]]
والله تبارك وتعالى اعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نسأل الله تعالى ما شئنا من حوائج الدنيا والآخرة لنا وللمسلمين فيما بين الأذان وإقامة الصلاة ولا نفرط في ذلك إلا لعذر شرعي وذلك لأن الحجب ترفع في ذلك الوقت بين الداعي وبين ربه بمثابة فتح باب الملك والإذن في الدخول لأصحابه وخدامه عليه فمن كان من أهل الرعيل الأول قضيت حاجته بسرعة مقابلة له على سرعة مجيئه بين يدي ربه تعالى ومن كان من آخر الناس مجيئا كان أبطأهم إجابة مع أنه تعالى لا يشغله شأن عن شأن ولكن هكذا معاملته تعالى لخلقه ولا يخفى أن الحق تعالى يحب من عباده الإلحاح في الدعاء لأنه مؤذن بشدة الفاقة والحاجة ومن لم يلح في الدعاء فكأن لسان حاله يقول أنا غير محتاج إلى فضل الله وربما أن الله تعالى يكشف حاله حتى يصير يدعو فلا يستجيب له ويلح في الدعاء ليلا ونهارا فلا يرى له أثر إجابة حتى يكاد كبده يتفتت من القهر كما عليه طائفة التجار والمباشرين الذين دارت عليهم الدوائر فتراهم يقرؤون الأوراد ويحفظون الإقسامات ويدعون الله ليلا ونهارا بأن حالهم يعود إلى ما كان فلا يجيبهم
فإياك يا أخي أن تتهاون بالدعاء في كل وقت ندبك الحق تعالى إلى الدعاء فيه فتقاسي ما لا خير فيه. {والله عليم حكيم}
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: [[من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله تعالى بنى الله تعالى له بيتا في الجنة]]
وفي رواية للطبراني والبزار وابن حبان في صحيحه واللفظ للبزار مرفوعا: [[من بنى لله مسجدا قدر مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة]]
وفي رواية لابن ماجه وابن حبان في صحيحه: [[من بنى لله مسجدا يذكر فيه بنى الله له بيتا في الجنة]]
وفي رواية لابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: [[من بنى لله مسجدا كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة]]
وفي رواية: [[كمفحص قطاة لبيضها]] الحديث. ومفحص القطاة: هو مخيمها. وهو قدر موضع جبهة المصلي قالوا وإنما مثل بمفحص القطاة دون غيرها لأنها لا تروث فيه. وروى الإمام أحمد والطبراني مرفوعا: [[من بنى مسجدا لله ليصلى فيه بنى الله تعالى له في الجنة بيتا أفضل منه]]
وفي رواية [[أوسع منه]]
رواه الإمام أحمد وروى الطبراني مرفوعا: [[من بنى بيتا يعبد الله تعالى فيه من مال حلال بنى الله له بيتا في الجنة من در وياقوت]]
وفي رواية للطبراني مرفوعا: [[من بنى مسجدا لا يريد به رياء ولا سمعة بنى الله له بيتا في الجنة]]. وتقدم في باب فضل العلم حديث: [[إن مما يلحق المؤمن بعد موته مسجدا بناه]]. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نساعد الناس في بناء المساجد في الأمكنة المحتاج إلى صلاة الجمعة والجماعة فيها بأنفسنا وأموالنا بشرط الإخلاص والحل في المال وعدم زخرفتها بالرخام الملون الرقيق وطلي سقفها بالذهب والألوان المعروفة ولا نتخلف عن المساعدة فيها إلا لعذر شرعي فإنها من جملة شعائر الله تعالى ولتكون كنا للناس من الحر والبرد إذا صلوا وانتظروا لصلاة الأخرى ومن جملة ذلك عمارة المنبر وكرسي المصحف وبناء المطهرة والمنارة فنساعد في بنائها كذلك وكذلك من الملحق ببنائها وقفنا الأوقاف عليها مساعدة لخدامها ومن يقوم بوظائفها ويتلو القرآن فيها ويذكر اسم الله تعالى فيها فإن المساجد لا تكمل إلا بذلك. وإنما شرطنا الإخلاص في البناء والحل في المال وعدم الزخرفة لأن معاملة الله تعالى لا تكون إلا على الأوضاع الشرعية وذلك ليقبلها من صاحبها [أي ليقبلها الله من العبد] فراجع يا أخي جميع ما ورد من فضائل الأعمال إلى من كان مخلصا في عمله منفقا من طيب كسبه. وأما من بنى مسجدا من حرام أو شبهات أو من غير إخلاص نية فربما أثم ولم يقبل منه وإذا كان يوم القيامة انهار به في نار جهنم
وأما عدم الزخرفة فإنما هو حتى لا يفتن المصلون بإطماحهم أبصارهم إلى تلك الألوان والصنائع فلا يفي أجره بوزره لأن روح الصلاة الذي هو الإقبال بالجسم والقلب على الله تعالى لم يحصل لمن يصلي هناك فكأنهم لم يصلوا هناك فلا تعمر يا أخي شيئا من المساجد إلا إن علمت من نفسك الإخلاص فإن علمت من نفسك أنك إنما تعمر ليقال فأعط الناس الذين يكتمون عليك الأمر ما سمحت به من المال ليصرفوه في عماراته من غير أن ينسب إليك ذلك. والله تعالى أعلم
- روى الشيخان: [[أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أي تكنسه ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها بعد أيام فقيل له إنها ماتت فقال: فهلا آذنتموني فأتى قبرها فصلى عليها]]
وفي رواية لابن ماجه: [[أنها كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد]]
وفي رواية للطبراني: [[أنها كانت تلتقط القذى من المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني رأيتها في الجنة بلقطها القذى من المسجد]]
وروى أبو الشيخ الأصفهاني: [[أنها أجابت النبي صلى الله عليه وسلم من القبر لما صلى عليها وسألها ما وجدت من العمل أفضل ؟ فقالت: وجدت أفضل الأعمال قم المساجد]]
قلت مرادها بأفضل الأعمال أي في حق نفسها فلا ينافي ذلك من رأى أفضل الأعمال غير ذلك لأنه في حق نفسه كذلك وهكذا. والله تعالى أعلم
وروى الطبراني مرفوعا: [[ابنوا المساجد وأخرجوا القمامة منها فمن بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة فقال رجل يا رسول الله وهذه المساجد التي تبنى في الطريق قال نعم وإخراج القمامة منها مهور الحور العين]]
وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم: [[عرضت على أجور أمتي: القذاة يخرجها الرجل المسلم من المسجد]]
وروى الترمذي وغيره: [[أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتخذ المساجد في ديارنا وأمرنا أن ننظفها]]
وروى ابن ماجه والطبراني مرفوعا: [[جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمروها في الجمع]]. ومعنى جمروها أي بخروها. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن ننظف المساجد ونطهرها لا سيما إن حصل فيها قمامة أو نجاسة بواسطتنا أو واسطة أولادنا أو خدامنا أو الفقراء المقيمين عندنا فإنه يتأكد علينا كنسها وتطهيرها وإخراج القاذورات والقمامات منها إما إلى الكوم وإما إلى محل طرح تراب المسجد حتى يأتي الزبال يحمله إلى الكوم إن كان بعيدا عن المسجد. وهذا العهد يخل به كثير من علماء الزمان وصالحيه الساكنين بجوار المسجد وباب دراهم من داخله فترى الحصر التي هي فيه قريبة من دراهم قذرة من دخول السقاء والحطب واللحم والخدم الحفاة الذين يخرجون إلى السوق حفاة ولا يتجرأ خادم المسجد يمنعهم من ذلك خوفا من ذلك الشيخ أو من طلبته أن يؤذوه أو يسلطوا عليه الناظر فيؤذيه بضربه أو بقطع شيء من جامكيته ونحو ذلك
فلينتبه العالم أو الصالح لمثل ذلك ويحترم مساجد الله تعالى وليتأمل نفسه في قلة خوفه من الله تعالى يجدها تخاف من الخلق أكثر من الله إما لغفلته عنه تعالى أو لكونه لا يهتك ستره بخلاف الخلق ولو أنه دخل قصر الملك وحصل منه قذر فيه لم يصبر ساعة على تقديره قصر الملك ولو أنزل به الملك بل تراه إذا رأى ولده الصغير بال أو تغوط على باب قصر الملك يبادر على الفور بإزالته وتطهيره وربما مسحه بردائه أو قميصه خوفا أن يطلع عليه ذلك السلطان ولو رأى مثل ذلك في المسجد ما كان مسحه بردائه ولا بقميصه قط بل يقول انظروا لفراشة يطهر هذا المكان ولو أنه لم يجده إلى آخر النهار لترك النجاسة في المسجد وكل ذلك استهانة بجانب الله تعالى ومما يتساهل به سكان المسجد أيضا جعل الغنم والإوز والدجاج فوق سطحه ويحجبونه بحصير حتى لا يراه أحد من الخلق الذين ينكرون ذلك عليهم ويتغافلون عن مثل ذلك
وقد رأى سيدي علي الخواص رحمه الله مرة على ظهر زاوية بعض الفقراء خروفا مربوطا فنادى على الشيخ حتى سود وجهه بين الناس فاعتذر له بعدم علمه فقال له ما وضعه نقيبك هنا إلا لعلمه بقلة اعتنائك بمثل ذلك فإنك لو أدبته وعلمته الأدب مع الله تعالى لم يقع منه مثل ذلك ثم أنشد:
ومن ربط الكلب العقور ببابه... فكل أذى للناس من رابط الكلب
وكان كنس المساجد المهجورة بمصر من وظائف سيدي علي الخواص فكان يكنسها ويكنس أسطحتها ومجاري ميضأتها وكراسي أخليتها وكان يتفقدها يوم الخميس ويوم الجمعة فيخرج في صلاة الصبح فلا يرجع إلا بعد المغرب احتسابا لله تعالى وكذلك كان من وظيفته كنس مقياس الروضة بمصر كان يكنسه ثاني يوم نزول النقطة ويكنس الطين الذي في سلمه ويجرده بالحديد ويحمل منه قفة عظيمة يفرقها على خوابي الماء على نية التبرك وكان عليه سؤال الله تعالى في إطلاعه النيل كل سنة فكان يكون في ليلة تنزل النقطة كأنه حامل حملا عظيما على ظهره حتى يوفى البحر وتنقطع جسوره فيتحول لحملة ري البلاد فإذا رويت تحول لحملة كمال الزرع وختامه من غير آفات تلحقه فلا يزال كذلك حتى يحصد الزرع وكان من دعائه: اللهم من علينا وعلى الأنعام بختام الزرع ولا تعذبنا بغلائه. فإذا طلع القمح وغيره إلى الحواصل تحول لعدم تسويسه فلا يزال كذلك إلى نزول النقطة هكذا كان شأنه على الدوام ويقول: الملوك فمن دونهم محتاجون إلى اللقمة وإلى التبن لهم ولبهائمهم وما زاد على ذلك من الشهوات أمره سهل. رضي الله تعالى عنه فإياك يا أخي وتقذير المساجد ثم إياك والله يتولى هداك
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: [[صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته أو سوقه خمسا وعشرين درجة وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة]] الحديث
وفي رواية للإمام أحمد وأبي يعلي وغيرهما: [[كتب الله له بكل خطوة عشر حسنات]]
وفي رواية للإمام أحمد بإسناد حسن مرفوعا: [[من راح إلى مسجد الجماعة فخطوة يمحو بها سيئة وخطوة يكتب له بها حسنة ذاهبا وراجعا]]
ورواه أيضا الطبراني وابن حبان في صحيحه وروى الطبراني بإسناد حسن مرفوعا: [[إن الله تعالى ليغمر الذين يتخللون إلى المساجد في الظلم بنور ساطع يوم القيامة]]
وفي رواية له أيضا بإسناد حسن: [[من مشى في ظلمة الليل إلى المسجد لقي الله تعالى بنور يوم القيامة]]
وروى الطبراني بإسناد جيد مرفوعا: [[من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد فهو زائر الله وحق على المزور أن يكرم الزائر]]
وروى ابن ماجه مرفوعا: [[من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: الهم إني أسألك بحق السائرين إليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك فأسألك أن تعيذني من النار وأن تغفر لي ذنبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت إلا أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك]]
قال الترمذي: والبطر الإدلاج في الأشر. قال الجوهري: البطر والأشر بمعنى واحد. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نمشي إلى المساجد في الصلوات الخمس وغيرها لنصلي فيها لا سيما في العشاء والصبح في الليالي التي لا قمر فيها في وقت مشينا إليها ولا نذهب إلى المساجد بنور إلا لضرورة شرعية وذلك لكثرة فضل الجماعة في المسجد على غيره ولأن الناس يمشون يوم القيامة على الصراط وغيره في نور أعمالهم
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول: من مشى إلى المسجد في نور أظلم الوجود عليه على الصراط ومن مشى إليه في الظلام أضاء النور عليه جزاء على ما تحمله من مشقة المشي إليه في الظلام
واعلم يا أخي أن الشارع صلى الله عليه وسلم قد جعل خفة مشي العبد إلى المسجد علامة على صحة إيمانه وكماله وجعل ثقل المشي إليه علامة على ضعف إيمانه ونقصه ونفاقه كما سيأتي في الأحاديث
فانظر يا أخي في نفسك فإن وجدتها تستثقل المشي إلى المسجد فاحكم عليها بضعف إيمانها ونفاقها وتحتاج يا أخي إلى شيخ ناصح يسلك بك حتى يخلصك من بقايا النفاق والكسل
فربما يكون الحاث لك على خفة مشيك إلى المسجد علة أخرى كجلوسك مع جماعة يتحدثون في أخبار الدنيا وولاتها
ومن عزل وتولى ومن يصلح ومن لا يصلح ونحو ذلك فليمتحن الماشي إلى المسجد نفسه بما لو رحل منه ذلك الشخص الذي كان يتحدث هو وإياه أو مات فإن خف عليه المشي إلى المسجد فهو لأجل امتثال أمر الله تعالى وعلامة على إيمانه وإلا فالأمر بالعكس. {والله غفور رحيم}
- روى مسلم مرفوعا: [[أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها]]
وروى الإمام أحمد والبزار واللفظ له وأبو يعلى والحاكم وقال صحيح الإسناد: [[أن رجلا قال يا رسول الله أي البلدان أحب إلى الله وأي البلدان أبغض إلى الله تعالى ؟ فقال لا أدري حتى أسأل جبريل فأتاه فأخبره جبريل أن أحب البقاع إلى الله المساجد وأبغض البقاع إلى الله الأسواق]]. وفي رواية " فقال جبريل لا أدري حتى أسأل ميكائيل ". فذكره رواها الطبراني وابن حبان في صحيحه
وفي رواية للطبراني: [[أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل أي البقاع خير ؟ قال لا أدري قال فسل عن ذلك ربك تعالى فبكى جبريل عليه السلام وقال: يا محمد ولنا أن نسأله هو الذي يخبرنا بما شاء فعرج إلى السماء ثم أتاه فقال خير البقاع بيوت الله في الأرض فقال أي البقاع شر فعرج إلى السماء ثم أتاه فقال شر البقاع الأسواق]]
وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: [[يقول الله تعالى سبعة يظلهم الله في ظله]] فذكر منهم [[رجل تعلق قلبه بالمساجد]]
وروى الترمذي واللفظ له وقال حديث حسن وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا: [[إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان]]
وروى ابن أبي شيبا وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما وغيرهم مرفوعا: [[ما توطن رجل المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله إليه كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم]]
قلت فتأمل قوله E للصلاة وللذكر أي ليس مقصوده بالجلوس في المسجد إلا ذلك فلا يتبشبش تعالى لمن جلس للغو أو لعلة أخرى وكذلك القول في قوله في الحديث السابق فيمن اعتاد المسجد محمول على ذلك أيضا وكذلك جميع الأحاديث الآتية إذ لا يكون الترغيب في شيء إلا إن سلم من الآفات ويستنبط من تبشبش الحق أي تبسمه كما يلي بجلاله لمن دخل بيته أنه يستحب للعبد أن يبتسم لضيفه إذا ورد عليه تأنيسا له وإدخالا للسرور عليه. والله أعلم
وروى ابن خزيمة مرفوعا: [[ما من رجل كان توطن المسجد فشغله أمر أو علة ثم عاد إلى ما كان إلا تبشبش الله إليه]] الحديث
وروى الطبراني مرفوعا: [[إن عمار بيوت الله هم أهل الله تعالى]]
وفي رواية له أيضا مرفوعا: [[من ألف المسجد ألفه الله]]
وروى الإمام أحمد والحاكم وفي سنده ابن لهيعة مرفوعا: [[جليس المسجد على ثلاثة خصال أخ مستفاد أو كلمة محكمة أو رحمة منتظرة]]. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نطيل الجلوس في المسجد ونخفف الجلوس في السوق ولكل منهما شروط فشروط الجالس في المسجد أن تكون حركاته وسكناته وخواطره كلها محمودة فإن لم تكن كذلك فمن الأدب تخفيف الجلوس لأنه ما دام في المسجد فهو جالس بين يدي الله تعالى شعر أو لم يشعر ومن لم يجالس الملوك بالأدب أسرع إليه العطب
وقد كان سيدي محمد الشويمي تلميذ سيدي مدين لا يتجرأ أحد يجالس سيدي مدينا بحضرته فكان كل من خطر بباله خاطر قبيح بين يدي سيدي مدين يقوم بضربه بالعصا ضربا مبرحا فإذا كانت هذه حضرة مخلوق وقد أقيم فيها هذا الميزان فكيف بالحق جل وعلا
قلت: وهذا الأمر قد غلب على غالب الناس المقيمين في المسجد من المجاورين والجالسين فيه ومن المترددين فيجلسون ويجرون قوافي الناس من العلماء والصالحين والولاة والقضاة والشهود والظلمة والتجار ويذكرونهم بالنقائص في حضرة الله تعالى تعالى فمثل هؤلاء كالبهائم بل البهائم أحسن حالا منهم
ومن هنا كان سيدي علي الخواص رحمه الله لا يدخل المسجد إلا عند قول المؤذن حي على الصلاة فحينئذ يأتي المسجد فقيل له: ألا تأتي المسجد مرة قبل الوقت ؟ فقال: مثلنا لا يصلح لإطالة الجلوس في حضرة الله تعالى فنخاف أن نأتي لنربح فنخسر فينبغي لكل مؤمن مراعاة الأدب في المسجد فإنه بيت الله الخاص ولا يبادر قبل الوقت إلا إن علم من نفسه القدرة على كف جوارحه الظاهرة والباطنة من كل مذموم حتى من سوء الظن بأحد من المسلمين حتى بالاهتمام العظيم بأمر الرزق والمعيشة فإن ذلك من أقبح الصفات لما فيه من رائحة الاتهام بالحق تعالى بأنه يضيعه وهو تعالى يرزقه من حين كان في بطن أمه حتى ضربه الشيب
قال سيدي علي الخواص وعلى الجالس أيضا في المسجد أمور
منها أن لا يسأله أحد بالله شيئا ويقول لا ولو طلب منه عمامته أو جوخته أو جميع ما في داره وخلوته إلا إن كان يطلب ذلك تعنتا أو امتحانا. ومنها أن لا يمشي في المسجد بتاسومة أو حلفاية إلا لعذر شرعي من جرح أو مرض أو برد شديد أو حر شديد
ومنها أن يشغل نفسه بالعبادة مع مداومة الطهارة فلا يجلس فيه لحظة واحدة وهو محدث ومنها أن لا يخطر في باله أنه خير من أحد المسلمين فإن هذا ذنب إبليس الذي أخرج من حضرة الله من أجله ولعن وطرد وهذه أمهات الآداب وكل أدب له فروع
(وأما شروط الجالس في السوق) فإن لا يشغله البيع والشراء عن ذكر الله تعالى
ومنها عفة البصر عن زبونات جاره وأن لا يخطر في باله سوء الظن به ولا حسد له
ومنها أن لا يعتمد في رزقه على البيع والشراء بل يجعل ذلك امتثالا لأمر الله تعالى وهو معتمد على الله تعالى فإن الله تعالى يخلق البركة في الرزق والغنى عن الناس عند الحرفة لا بالحرفة ونظير ذلك ما قالوا في الطعام والشراب من أنه تعالى يخلق الشبع والري عند الأكل والشرب لا بالأكل والشرب
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول متى فرق الرجل بين الجلوس في بيته والجلوس في السوق فهو معتمد على غير الله وذلك معصية
وقد كان سيدي علي الخواص رضي الله عنه إذا فتح حانوته يقول بسم الله الفتاح العليم نويت نفع عبادك يا الله ثم يجلس بحضور مع الله تعالى حتى ينصرف
ومنها أن يغض بصره عن رؤية النساء ولا يستلذ قط بكلام امرأة فمتى استحلاه ومال قلبه إليها كان جلوسه في السوق معصية
ومنها أن ينشرح لكل يوم لا يبيع به شيئا أكثر من يوم يبيع فيه كثيرا تقديما لمراد الحق تعالى على حظ نفسه والآداب في ذلك كثيرة. والله تعالى أعلم
فعلم أنه لا ينبغي لفقير أن يقول " هنيئا للتاجر الفلاني أو الصنايعي الفلاني الذي يأكل من كسبه " حتى يعرف سلامته من الآفات وكذلك لا ينبغي لتاجر أو صنايعي أن يقول هنيئا للفقير الفلاني المجاور في المسجد الفلاني أو الحرم المكي أو المدني أو بيت المقدس حتى يراه سلم في ذلك من الآفات التي تطرق الفقير أو التاجر مثلا مما ذكرنا ومما لم نذكره هذا يقع فيه كثير ممن ينظر إلى ظواهر الأمور دون بواطنها وعواقبها ولذلك كان من شرط الفقير أن لا يحمد أحدا من الفقراء الصادقين ولا تاجرا حتى يراه قد جاوز الصراط ودخل الجنة
وقد كنت أسمع العلماء والتجار يقولون عن شخص أقام بمكة هنيئا لفلان أقام بمكة على خير واستراح من الدنيا فلما سافرت ورأيته بعين النصيحة وجدته على أسوأ حال منها أنني رأيته لا كسب له وإنما نفسه ناظرة لما في أيدي الخلق وكلما مال إلى أخذ شيء من أحد ولم يقسم له منه شيء يصير يهجوه في المجالس بالكلام المؤذي فإما أن تصير الناس يعطونه خوفا من لسانه وإما أن يعاديهم ويقاطعهم ووالله أن بعض الناس الذين يؤذيهم لو عرض عليه أعمال هذا الشخص طوال عمره بمكة يوم القيامة أن تكون في مقابلة غيبة واحدة ما رضي بها في غيبته بتقدير أن الإخلاص وجد في تلك الأعمال وأما إذا دخلها رياء أو سمعة فهي حابطة من أصلها لم يقبلها الله تعالى فليس له أعمال يعطى منها أحد حقه
وسمعت سيدي عليا الخوص رحمه الله يقول لشخص من العلماء أراد الحج: إياك يا أخي أن تجاور في مكة أو المدينة فتعجز عن القيام بأدائها فيصدق عليك المثل السائر حججت ومعك خرج زاد فرجعت وفوق ظهرك ألف خرج أوزار أي لأن تبعات كل شخص ممن تستغيبهم تجعل وحدها يوم القيامة فكأنها خرج وحدها فقال له يا سيدي اسمحوا لي بالمجاورة فقال لا أسمح لك إلا إن كنت تدخل على شروط فقال له وما الشروط فقال الشيخ: منها أنك لا تدخر قط فيها قوتا ولا دراهم مدة إقامتك بها ومنها أنك لا تأكل قط طعاما وحدك وأنت تعلم أن فيها أحدا جائعا في ليل أو في نهار ومنها أن تلبس الهدوم الخليقات ولا تلبس شيئا قط من الثياب الفاخرة بل تبيعها وتنفقها على الفقراء الجياع ومنها أن لا تحن مدة إقامتك إلى رجوعك إلى بلدك أبدا ولا تشتاق إلى دار ولا إلى ولد ولا إلى وظيفة ولا إلى إخوان في غير مكة لأنك في حضرة الله الخاصة وهو لا يأخذ منك إلا قلبك وقلبك خرج من حضرته فبقيت في حضرته جسما بلا قلب فإيش في هذا طيب ؟ ومنها أن لا يطرقه مدة إقامته هلع ولا رائحة اتهام للحق تعالى من أمر رزقه ولا يخاف أن يضيعه أبدا لأن أهل حضرة الله تعالى لا يجوز لهم ذلك بل ربما مقت صاحب الاتهام وطرد من حضرة الله تعالى لسوء أدبه وضعف يقينه وهو يرى الحق تعالى يطعمه ويسقيه في حين كان في بطن أمه إلى أن شابت لحيته وهذا من أقبح ما يكون مع أن تلك الأرض تعطي ساكنها بالخاصية الهلع والاتهام للحق في أمر الرزق حتى لا يكاد يسلم من ذلك إلا أكابر الأولياء قال: ومن هنا كره الأكابر الإقامة بمكة ومنها أن لا يخطر في نفسه مدة إقامته هناك معصية أبدا ولو تعذر الوقوع من مثله فكيف بقريبه الوقوع ومن هنا سافر الأكابر من الأولياء بنسائهم وتكلفوا مؤونة [أي: مشقة] حملهم لأجل ذلك
وكان الشعبي يقول: لأن أقيم في حمام أحب إلي من أن أقيم بمكة وكان يقول لأن أكون مؤذنا بخراسان أحب إلى من أن أقيم بمكة خوفا أن يخطر في نفسي إرادة ذنب ولو لم أفعله فيذيقني الله من عذاب أليم لقوله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}
وهذا خاص بالحرم المكي فهو مستثنى من حديث: [[إن الله تعالى تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل]] الحديث
وقد قالوا لابن عباس لما سكن الطائف لم لا تقيم بمكة ؟ فقال لا أقدر على حفظ خاطري من إرادة ظلمي للناس أو ظلمي لنفسي فكيف لو وقعت في الفعل فإن الله تعالى لم يتوعد أحدا على مجرد إرادته السوء دون الفعل له إلا بمكة اه
فقال الشخص " يا سيدي التوبة عن المجاورة " وحج ولم يجاور
وقد أخبرني سيدي محمد بن عنان أن أولياء العصر حجوا مع سيدي أبي العباس الغمري نفعنا الله ببركاته وكانوا خمسة عشر وليا من مصر وقراها فقالوا له يا سيدي: دستوركم نجاور في مكة أو المدينة ؟ فقال: من قدر منكم على أدب مكة أو المدينة فليجاور فقالوا له وما أدب مكة ؟ فقال: أن يكون على صفات أهل حضرة الله من الأنبياء والأولياء والملائكة ولا يطرق سريرته قط شيء يكرهه الله مدة إقامته بها فكيف إذا فعل ما يكرهه الله فقالوا له ما أدب المدينة ؟ فقال: هو كأدب مكة ويزيد عليها أنه لا يخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله حتى إنه يصغر عمامته ويتصدق بكل شيء دخل يده ولا يلقي في المدينة درسا إلا بما صرحت به الشريعة دون ما فيه رأي أو قياس أدبا معه صلى الله عليه وسلم أن يكون لغيره كلام في حضرته إلا بمشاورته فإن كان من أهل الصفاء فليشاوره صلى الله عليه وسلم في كل مسألة فيها رأي أو قياس ويفعل بما أشار به صلى الله عليه وسلم بشرط أن يسمع لفظه صلى الله عليه وسلم صريحا يقظة كما كان عليه الشيخ محيي الدين بن العربي رحمه الله قال: وقد صححت منه صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث قال بعض الحفاظ بضعفها فأخذت بقوله صلى الله عليه وسلم فيها ولم يبقى عندي شك فيما قاله وصار ذلك عندي من شرعه الصحيح أعمل به وإن لم يطعني عليه العلماء بناء على قواعدهم
فقال المشايخ كلهم: ما منا أحد يقدر على ما قلتم ورجعوا كلهم تلك السنة مع سيدي أبي العباس وكان من جملتهم سيدي محمد بن داود وسيدي محمد العدل وسيدي محمد أبو بكر الحديدي والشيخ علي بن الجمال والشيخ عبدالقادر الدشطوطي
وأخبرني شيخي الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري وكان حاجا معهم: أن سيدي عبدالقادر الدشطوطي لم يدخل الحرم المدني وإنما ألقى خده على عتبة باب السلام من حين دخل الحج للزيارة حتى رحلوا وحملوه وهو مستغرق فما أفاق إلا في مرحلة أبيار علي رضي الله عنه
فتأمل يا أخي في أحوال أهل الأدب مع الله تعالى وأنبيائه في جلوسهم في المساجد أو الأسواق واقتدي بهم وتقدم قبل هذا العهد بإثني عشر عهدا زيادة على هذا فراجعها والله يتولى هداك
- روى الإمام أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما مرفوعا: [[أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لامرأة أبي حميد الساعدي حين قالت له إني أحب الصلاة معك قال قد علمت أنك تحبين الصلاة معي وصلاتك في دارك خير من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي]]
قال الراوي فأمرت فبنى لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله تعالى
قال الحافظ المنذري وبوب عليه ابن خزيمة: باب اختيار صلاة المرأة في حجرتها على صلاتها في دارها وصلاتها في مسجد قومها على صلاتها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت كل صلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام قال: وقول النبي صلى الله عليه وسلم: [[صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد]] الحديث
أراد به صلاة الرجل دون صلاة النساء هذا كلامه اه
وروى الإمام أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا: [[خير مساجد النساء قعور بيوتهن]]
وروى أبو داود مرفوعا: [[لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن]]
وروى الطبراني مرفوعا ورجاله رجال الصحيح: [[المرأة عورة وأنها إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان وأنها لا تكون أقرب إلى الله إلا في قعر بيتها]]
وفي رواية لابن حبان وابن خزيمة في صحيحهما مرفوعا: [[وأقرب ما تكون - يعني المرأة - من وجه ربها وهي في قعر بيتها]]
وروى الطبراني مرفوعا بإسناد حسن: [[النساء عورة وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها من بأس فيستشرفها الشيطان فيقول إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبتيه. وإن المرأة لتلبس ثيابها فيقال لها أين تريدين ؟ فتقول أعود مريضا أو أشهد جنازة أو أصلي في مسجد وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها]]
وقوله: فيستشرفها الشيطان فيها. أي ينتصب ويرفع رأسه إليها ويهم بها لأنها قد تعاطت شيئا من أسباب نشاطه عليها وهو خروجها من بيتها قاله الحافظ المنذري رحمه الله
وروى الطبراني بإسناد حسن لا بأس به أن أبا عمرو الشيباني رأى عبدالله يخرج النساء من المسجد يوم الجمعة ويقول أخرجن إلى بيوتكن خير لكن. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نأمر النساء بصلاتهن في بيوتهن ونرغبهن في لزوم البيوت ونبين لهن ما في ذلك وغيره من الفضائل حتى لا يحتجن إلى الخروج بسماع واعظ أجنبي فإننا مسؤولون عن عيالنا سؤالا خاصا اللهم إلا أن تكون عجوزا أو قبيحة المنظر لا تشتهى إلا نادرا فالأمر في ذلك سهل وإذا احتفت الفضائل بمكروهات كان ترك المكروه أولى من اكتساب تلك الفضيلة ومن تأمل بعين البصيرة ما يقع للنساء من الآفات إذا خرجن للواعظ لم يسمح لامرأته بالخروج إلى مثل ذلك على أن نساء هذا الزمان قد عمهن الجهل حتى صار بعضهن يقلن ليس على الصبيات صلاة إنما ذلك للعجائز وبعضهن يقلن إنما تجب الصلاة على من حجت وبعضهن يقلن ليس على نساء الفلاحين صلاة. هذا أمر سمعته أنا منهن مرارا. ولذلك كان سيدي أحمد الزاهد شيخ السلسلة يخص بوعظه النساء في أكثر أوقاته ويقول: إنهن محبوسات في البيوت ولا يسمعن شيئا من أحكام الشريعة لقلة مخالطتهن للرجال فكان يعقد المجلس لهن ويعلمهن أركان الوضوء والصلاة والصيام والحج وكيفية النية في ذلك ويعلمهن حقوق الزوج وآداب الجماع وفضل صيام التطوع وما يجرح كمال العبادات وسبقه إلى نحو ذلك أيضا سيدي الشيخ إبراهيم الجعبري المدفون خارج باب النصر بمصر المحروسة فكان يخص النساء بالوعظ ويبين لهن أحكم دينهن رحمه الله. وهذا أمر قد أغفله غالب طلبة العلم الآن فضلا عن العوام فترى أحدهم يشاهد حليلته وهي جنب ليلا ونهارا لا تغتسل ولا تصلي ويضاجعها ويقبلها مع ذلك كأنها سيدته إما تهاونا بالدين أو خوفا أن تقول له هات لي فلوس الحمام أو قلل عني الجماع ونحو ذلك. وأما فلوس الغسل من الحيض والنفاس والاحتلام فذلك عليها مع أن ذلك قليل الوقوع بالنسبة للجماع ومن أخلاق الرجال عدم المشاحنة في مثل ذلك يعطيها ما تحتاج إليه ولو لم يكن ذلك واجبا عليه. وكما ساعدته هي على قضاء وطره من الجماع كذلك ينبغي له أن يساعدها على أمر دينها ويرشدها إلى فعل كل شيء فيه خير
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: إنما أمر الشارع النساء أن يصلين في البيوت مراعاة لمصلحة غالب الناس الذين لا يتورعون عن النظر إلى الأجنبيات ولو أنهم كانوا كلهم يشهدون نفوسهم في حضرة الله وأنه تعالى ناظر إليهم لأمرهن بالصلاة مع الرجال وتأمل لما كان الناس يحضرون بقلوبهم في الإحرام في الحج وتغلب عليهم هيبة الله تعالى ومراقبته كيف أمرت النساء بكشف وجوههن وأكفهن إذ يبعد أن أحدا في تلك الحضرة يميل إلى امرأة من الأجانب
فتأمل واعلم يا أخي عيالك وخدمك من النساء جميع ما يحتجن إليه في دينهن فإنك مسؤول عن ذلك والله يتولى هداك
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: [[بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقامة الصلاة...]] الحديث
وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: [[لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا لا يبقى من درنه شيء. قال فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا]] والدرن هو الوسخ
وروى مسلم والترمذي وغيرهما مرفوعا: [[الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر]]
وروى الطبراني مرفوعا ورجاله محتج بهم في الصحيح إلا يحي بن إبراهيم القرشي: [[إن لله تعالى ملكا ينادي عند كل صلاة: يا بني آدم قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها فأطفئوها]]
وفي رواية للطبراني مرفوعا: [[يبعث الله تعالى مناديا عند كل صلاة فيقول: يا بني آدم قوموا فأطفئوا ما أوقدتم على أنفسكم. فيقومون ويتطهرون ويصلون الظهر فيغفر الله لهم ما بينهما فإذا حضرت العصر فمثل ذلك فإذا حضرت المغرب فمثل ذلك فإذا حضرت العتمة فمثل ذلك فينامون فمدلج في خير ومدلج في شر]]
وروى الطبراني مرفوعا: [[المسلم يصلي وخطاياه مرفوعة على رأسه كلما سجد تحاتت فيفرغ من صلاته وقد تحاتت عنه خطاياه]]
قلت المراد بهذه الخطايا غير خطايا الوضوء التي كفرت بالوضوء نظير ما ورد في سائر المأمورات الشرعية فإن كل مأمور يكفر منها خاصا به وفي ذلك رفع التعارض بين الأحاديث الواردة في ذلك والله أعلم
وروى الطبراني بإسناد لا بأس به مرفوعا: [[أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة ينظر في صلاته فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله وفي رواية أخرى له " فإن صلحت فقد أفلح وإن فسدت فقد خاب وخسر "
قلت: إنما كانت سائر الأعمال تصلح إذا صلحت الصلاة لأنها إذا صلحت وقع الرضا من الله على صاحبها فانسحب الرضا على سائر أعماله وإذا فسدت وقع السخط من الله على فاعلها فانسحب ذلك على سائر أعماله. وروى الطبراني أيضا مرفوعا: [[لا إيمان لمن لا أمانة له ولا صلاة لمن لا طهر له ولا دين لمن لا صلاة له إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد]] والأحاديث في ذلك كثيرة والله سبحانه وتعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نبين لتارك الصلاة من الفلاحين والعوام وسائر الجهال ما جاء في فضل الصلوات الخمس وفضل من يواظب عليهن ويخص ذلك بمزيد تأكيد كما أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أغفل ذلك غالب الفقراء وطلبة العلم الآن فترى أحدهم يخالط تارك الصلاة من ولد وخادم وصاحب وغيرهم ويأكل معهم ويضحك معهم ويستعملهم عنده في العمارة والتجارة وغير ذلك ولا يبين لهم قط ما في ترك الصلاة من الإثم ولا ما في فاعلها من الأجر وذلك مما يهدم الدين فبين يا أخي لكل جاهل ما أخل به من واجبات دينه وإلا فأنت أول من تسعر بهم النار كما ورد في الصحيح فإنك داخل فيمن علم ولم يعمل بعلمه وإن كنت لم تسم فقيها في عرف الناس وإنما قالوا إن الفقهاء يعرفون ويحرفون لكونهم هم المقصودون ببيان العلم للناس دون العوام عادة وإلا فكل من عرف شيئا من أحكام الشريعة ولم يعمل به فهو كذلك يعرف ويحرف
واعلم يا أخي أن البلاء يرتفع عن كل مكان كان أهله يصلون كما أن البلاء ينزل على كل مكان يترك أهله الصلاة فلا تستبعد يا أخي وقوع الزلازل والصواعق والخسف على حارة يترك أهلها الصلاة أبدا ولا تقل: إني أصلي فما علي منهم لأن البلاء إذا نزل يعم الصالح مع الطالح لكونه لم يأمرهم ولم ينههم ولم يهجرهم في الله. {والله على كل شيء شهيد}
- روى مسلم وغيره مرفوعا: [[الصلاة نور]]
وروى الإمام أحمد مرفوعا بإسناد حسن: [[إن العبد المسلم ليصلي الصلاة يريد بها وجه الله فتتهافت عنه ذنوبه كما يتهافت هذا الورق عن هذه الشجرة وأخذ بغصن منها فجعل ذلك الورق يتهافت]]
وروى مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه عن معدان قال: لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة أو قال قلت أخبرني بأحب الأعمال إلى الله تعالى فسكت ثم سألته فسكت ثم سألته الثالثة فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [[عليك بكثرة السجود فإنك لا تسجد لله إلا رفعك الله بها درجة وحط بها عنك خطيئة]]. وروى ابن ماجه مرفوعا بإسناد صحيح: [[استكثروا من السجود]]
وروى مسلم عن ربيعة بن كعب قال: [[أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بحاجة فقال سلني قلت أسألك مرافقتك في الجنة قال أو غير ذلك ؟ قلت هو ذلك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود]]
وروى الطبراني مرفوعا: [[ما من حالة يكون العبد عليها أحب إلى الله تعالى من أن يراه ساجدا يعفر وجهه في التراب]]
أي يضع وجهه على التراب من غير حائل
وفي رواية أيضا مرفوعا: [[الصلاة خير موضوع فمن استطاع منكم أن يستكثر منها فليستكثر]]
وفي رواية بإسناد حسن: [[إن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر فقال: من صاحب هذا القبر ؟ فقالوا فلان فقال: ركعتان أحب إلى هذا من بقية دنياكم]]. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نكون منشرحين لتقديم ما جعله الشارع أفضل على ما جعله مفضولا وذلك لأن معظم الفضل والثواب في الاتباع فلا تقدم على صلاة التطوع شيئا إلا إن صرح الشارع بتقديمه عليها ومثل هذا العهد يخل به كثير من الناس بل رأيت من هو جالس في جامع كثير الجماعة وقد قامت الجماعة العظمى بصلاة العصر وهو جالس يطالع في علم المنطق وهذا من شدة عمى القلب فإن الشارع جعل لكل عبادة وقتا تفعل فيه مقدمة على غيرها وإن كان هناك أفضل منها فليس لنا أن نكرر صلاة العصر مثلا بدل سنتها بل قال ابن عمر: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي صلاة العصر في يوم مرتين يعني إذا كانت الصلاة الأولى صحيحة إلا أن يصلي الثانية في جماعة والعبد تابع للشارع لا مشرع لنفسه حكما فعلم أن الشارع ما سن تلك السنة في ذلك الوقت ذاهلا عن كون أن هناك أفضل منها وإنما ذلك مع علمه بأن فعل المفضول في الوقت الذي شرع فيه مطلوب كما أن فعل الأفضل في الوقت الذي شرع فيه مطلوب أيضا
فلا ينبغي لطالب العلم أن يترك النوافل المؤكدة ويشتغل مكانها بعلم إلا إن تعين ذلك عليه بالطريق الشرعي بشرط الإخلاص فيه وذلك لئلا يؤدي إلى ترك الاشتغال بالسنن كلها ويفوتها حتى كأنها لم تشرع في حقه أبدا هذا مع أنه كثيرا ما يجلس في لهو ولعب وغيبة ونميمة وحسد وفخر وكبر وعجب ولا يقول لنفسه قط الاشتغال بالعلم أولى. فلا تلبس على نفسك يا أخي وتقول لمن أمرك بالاشتغال بسنة من السنن المضروب لها: وقت الاشتغال بالعلم أفضل مع علمك بعدم إخلاصك فيه فإن مثل ذلك ربما يكون حجة في قلة الدين. وتأمل طالب العلم إذا ترك فعل السنن والفضائل وأكثر من الجدال وترك الأوراد السنية كيف يذهب منه الأنس ولا يكاد يعتقد فيه أحد ولا يقول له ادع لي أبدا بخلاف من أكثر من فعل السنن والأذكار من طلبة العلم يصير الناس يعتقدونه ويسألونه الدعاء وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: [[أنتم شهداء الله في الأرض فمن أثنيتم عليه خيرا فهو خير ومن أثنيتم عليه شرا فهو شر]]
وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا رضي الله عنه يقول: إذا كان الفقيه تاركا للسنن والأوراد وآداب القوم فهو كالخبز الحاف اليابس
فأكثر يا أخي من الصلوات المسنونات المؤقتة ولا تخل بها في يوم من الأيام واجعل الاشتغال بالعلم في غير أوقاتها وإن سمعت مني شيئا فاجعل بدل كل مجلس تريد تلغو فيه مجلس علم واترك اللغو فإن المؤمن لا يشبع من خير ومن فعل الأوراد الشرعية كفته في الاشتغال بالخير الذي أمره به الشارع حتى لا يكاد يجدله وقت بطالة أبدا ما عدا أوقات الملل الذي يطرق البشر وذلك معفو عنه إن شاء الله تعالى فاعلم ذلك واعمل عليه وتقدم بسط الكلام على ذلك في عهد الأمر بإدمان المطالعة في كتب العلم فراجعه والله يتولى هداك
- روى الشيخان وغيرهما: [[أن عبدالله بن مسعود قال: يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله تعالى ؟ قال: الصلاة لوقتها]] الحديث
وروى الطبراني مرفوعا: [[عليكم بذكر ربكم وصلوا صلاتكم في أول وقتكم فإن الله تعالى يضاعف لكم]]
وروى الترمذي والدارقطني مرفوعا: [[الوقت الأول من الصلاة رضوان الله. والآخر عفو الله]]
وفي رواية للدارقطني: [[وسط الوقت رحمة الله]]
وروى الديلمي مرفوعا: [[فضل أول الوقت على آخره كفضل الآخرة على الدنيا]]
وروى الإمام أحمد والطبراني واللفظ للطبراني مرفوعا: [[يقول ربكم تعالى: من صلى الصلاة لوقتها وحافظ عليها ولم يضيعها استخفافا بحقها فله علي عهد أن أدخله الجنة]]
وروى الطبراني مرفوعا: [[من صلى الصلوات لوقتها وأسبغ لها وضوءها وأتم لها قيامها وخشوعها وركوعها وسجودها خرجت وهي بيضاء مسفرة تقول حفظك الله كما حفظتني ومن صلاها لغير وقتها ولم يسبغ لها وضوءها ولم يتم لها خشوعها ولا ركوعها ولا سجودها خرجت وهي سوداء مظلمة تقول ضيعك الله كما ضيعتني حتى إذا كانت حيث شاء الله لفت كما يلف الثوب الخلق ثم ضرب بها وجهه]]
والله سبحانه وتعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نستعد بالوضوء قبل دخول الوقت للصلاة أول الوقت فمن لم يستعد لذلك فربما فاته فضيلة جماعة الوقت وهذا العهد يخل به كثير من سكان المساجد فضلا عن التجار والصنايعية فيفرطون في الوضوء أول الوقت حتى تفوتهم صلاة الجماعة ويقال لأحدهم قم توضأ فيقول الوقت متسع وقد وقع لي ذلك مع شخص من طلبة العلم في جامع كثير الجماعة فرأيت الصلاة تقام للعصر وهو جالس يلغو فقلت له قم للصلاة فقال: الوقت متسع فقلت له ولو كان متسعا فهل تقدر تجمع لك في صلاتك جماعة مثل هؤلاء فقال السبعة عشرون درجة حاصلة لي ولو صليت مع واحد فقلت له تجادلني في شيء ينقص أجرك وانصرفت وتركته فمثل هذا ربما يعد من جملة الأئمة المضلين عن السنة وربما جرهم ذلك إلى ترك واجب يعذبون عليه يوم القيامة فإن حقيقة الإضلال ليس هو إلا ترك الأئمة للأوامر الشرعية فيتبعهم الناس على ذلك فيصيرون قدوة في الضلال فلا يرجى لمثل هؤلاء خير ولو كان معهم من العلم كأمثال الجبال
وكان سيدي إبراهيم المتبولي رحمه الله يقول. إذا قرأتم العلم فاقرؤوه على العلماء العاملين وإياكم أن تقرؤوه على أحد من المجادلين الذين لا يعولون على العمل بما علموه فإنكم تخسرون بركة علمكم فإن إبليس لهؤلاء بالمرصاد لكونهم حملة الشريعة بقاؤها ببقائهم فإذا تلفت حالهم تلف حال الشريعة لعدم الأعمال التي يفعلونها حتى يقتدي الناس بهم فيها فكأن الشريعة لم تكن موجودة لأنه لا وجود لعينها إلا بالعمل بها وكان رضي الله عنه يقول: حكم الفقيه الذي لا يعمل بعلمه حكم الشاطر الذي تعلم آلات القتال كلها ثم خرج على نية القتال في سبيل الله فلقيه إبليس في الطريق فقال له اقطع الطريق فإنك تعرف تدافع وتخادع وما كل أحد يعرف ذلك فمر به إنسان معه أمتعة فضربه حتى صرعه وأخذ متاعه ورجع إلى بيته بلا جهاد. فكذلك الفقيه المذكور يتخذ علمه سلاحا يقاتل به العامة وإن رأى علمه عليه في واقعة قلد مذهب غيره ممن ليس هو عليه ويقول: يجوز لي التقليد للضرورة. وإن نازعه أحد في أن تقليده لغيره ضرورة أقام الأدلة والبراهين على الضرورة. فمثل هذا ربما يكون علمه زاده إلى النار اه
فالزم يا أخي أدب الشريعة ولا تجادل من نصحك فربما تخسر دينك والله يتولى هداك
- روى الشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجه مرفوعا: [[صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا]]. الحديث
وفي رواية للشيخين وغيرهما مرفوعا: [[صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة]]
وروى مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عبدالله ابن مسعود قال: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها يعني صلاة الجماعة إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يأتي يتهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف. وقوله يهادي بين الرجلين يعني يرفد من جانبيه ويؤخذ بعضده من العجز حتى يمشي به إلى المسجد
وروى الإمام أحمد والطبراني كل منهما بإسناد حسن مرفوعا: [[أن الله تبارك وتعالى ليعجب من الصلاة في الجمع]]
وروى الطبراني مرفوعا: [[لو يعلم المتخلف عن الصلاة في الجماعة ما للماشي إليها لأتاها ولو حبوا على يديه ورجليه]]
وروى الترمذي مرفوعا: [[من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق]]
وفي رواية لابن ماجه وغيره مرفوعا: [[من صلى في مسجد جماعة أربعين ليلة لا تفوته الركعة الأولى من العشاء كتب الله له عتقا من النار]]
وروى أبو داود والنسائي والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم مرفوعا: [[من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا]]
وفي رواية لأبي داود وغيره مرفوعا: [[من أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضها وبقي بعضها فصلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك فإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك]]. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نواظب على صلاة الجماعة في الصلوات الخمس وفيما تشرع فيه الجماعة من النوافل ولا نتخلف حتى تفوتنا الجماعة كلها أو بعضها وإن جعل الشارع لمن خرج لها فوجدها قد انقضت مثل أجرها لأن الشارع إنما جعل ذلك جبرا وتسكينا لخاطر من خرج للجماعة فوجد الناس قد فرغوا فتأسف وحزن فكان ذلك كالتعزية لصاحب المصيبة وإلا فكيف يجعل من فرط في أوامر الله كمن فعلها وبادر إليها وترك أشغاله كلها لأجله تعالى فافهم. وهذا العهد يخل به كثير من سكان المساجد لا سيما المجادل الموسوس فتراه يصبر حتى تفوته تكبيرة الإحرام مع الإمام فيفرغ الإمام من قراءة الفاتحة أو السورة بعدها ثم ينوي ويركع ويقول: إنما أفعل ذلك لأني أتوسوس في قراءة الفاتحة. وذلك غير عذر شرعي وكل ذلك من أكل الحرام والشبهات فلا يزال أحدهم يأكل من ذلك ويقول " الأصل الحل " حتى يظلم قلبه فلا يصير يرتسم فيه شيء من الأفعال والأقوال لتلف القوة الحافظة ولو أنه سلم قياده لشيخ صادق من أهل الطريق لعلمه طريق الورع وكسب الحلال حتى نار قلبه وصار كالكوكب الدري فأدرك جميع ما يقع منه ولا يصير ينسى شيئا إلا في النادر
وقد كان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول: ما سمعت شيئا ونسيته وذلك لشدة نورانية باطنه رضي الله عنه
فاسلك يا أخي على يد شيخ يعلمك مراتب العبادات والاعتناء بأوامر الله تعالى وإلا فمن لازمك غالبا الشك فيما تفعله وربما وقعت في التساهل أو فعلتها لعلة من غير إخلاص ليقال
وقد وقع لفرقد السنجي رضي الله عنه أنه صلى في الصف الأول أربعين سنة فتخلف عنه يوما فوجد في نفسه خجلا من رؤية الناس له فأعاد الصلاة أربعين سنة وقال: إنما كنت يا نفس تصلين في الصف الأول ليقال ثم اتخذ له شيخا وسلك على يده فاعلم ذلك واعمل عليه والله يتولى هداك
- روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه مرفوعا: [[صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل]]
وكلما كثر فهو أحب إلى الله تعالى
قلت: ومن هنا واظب أهل الله تعالى على الصلاة في الجماعة الكبرى لكون الحق تعالى يحب صلاتنا فيها لا لعلة أخرى كما أنهم يحبون عفو الله عنهم لكونه تعالى يحب العفو لا لإدخال الراحة على أنفسهم بالعافية فافهم. والله أعلم
وروى البزار والطبراني مرفوعا بإسناد لا بأس به: [[صلاة الرجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من صلاة أربعة تترى وصلاة أربعة جماعة أزكى عند الله من صلاة ثمانية تترى وصلاة ثمانية يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من مائة تترى]]. والله أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نصلي مع الجماعة العظمى دون الصغرى ولا نقنع بالصغرى ونترك الكبرى إلا لعذر شرعي ومتى خالفنا ذلك استغفرنا لله تعالى من تركنا فعل ما هو الأحب إليه فاعلم أنه ينبغي أن يكون الباعث لنا على صلاة الجماعة محبة الحق تعالى لها لا طلب الثواب فإذا ذلك علة تقدح عندنا في الإخلاص وما ساق الله تعالى أحدا من عباده إلا خير بالثواب الأخروي إلا لعلمه تعالى بأن ذلك الأحد ليس من أهل الإخلاص لكونه يعبد الله على علة وحرف ولو أنه وصل إلى مقام الإخلاص لم يحتج إلى ذكر ثواب بل كان يبار لفعل ذلك امتثالا لأمر الله تعالى ولا يتوقف على معرفة الثواب في ذلك هذا كله حال السلوك فإذا تم سيره ورجع كشف له عن جميع ما فيه من الأجزاء ووجب عليه أن يعطي كل ذي حق حقه وهناك يرى فيه جزءا يطلب الثواب على عبادته وإن وصل إلى أعلى مراتب السلوك. ولما كان هذا الجزء يضعف حتى لا يكاد يظهر له عين ربما ظن بعضهم أنه صار يعبد الله خالصا إخلاصا كليا لخفاء ذلك الجزء عليه والحال أنه باق ولكن عسكر جيش العبودية قوي عليه فأفهم فإن هذا من لباب المعرفة
وقد أوحى الله تعالى إلى داود E: [[ومن أظلم ممن عبدني لجنة أو نار ؟ لو لم أخلق جنة أو نارا ألم أكن أهلا لأن أطاع ؟]] اه. فلكل مقام رجال
واعلم أنه قد يكون للفقراء أعذار باطنية فربما تخلفوا عن الخروج لصلاة الجماعة فلا ينبغي لأحد المبادرة إلى الإنكار عليهم إلا بعد أن يتعرف ذلك العذر منهم فربما غلب عليهم حال قاهر منعهم من الخروج والمنهي عنه إنما هو تخلف العبد عن صلاة الجماعة لشغل دنيوي أو مفضول مع قدرته على الخروج وهؤلاء لو ضرب أحدهم بسيف ما قدر على الخروج بل يرون ضرب السيف أهون على أحدهم من خروجه من بيته أو خلوته عند غلبة الحال عليه ولا يعرف ذلك إلا من ذاقه
وقد كان سيدي الشيخ مدين لا يخرج من بيته إلا لصلاة العصر فقط مع أن المسجد على باب داره وكذلك سيدي محمد الغمري وكذلك سيدي علي المرصفي فقيل لسيدي مدين في ذلك فقال ربما يكون الفقير في بيته في حال جمعية قلب مع الله تعالى أقوى من جمعيته معه إذا خرج اه
فسلم يا أخي للقوم وفي القران العظيم: {ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خير لهم}. مع كون الصحابة إنما نادوه طلبا لإرشادهم في أمور دينهم فلولا أنه صلى الله عليه وسلم كان في حال جمعية خاصة مع الله تعالى لكان قدم الخروج لتعليم الناس أمور دينهم وكذلك القول في كل ورثته من بعده لا ينبغي لأحد أن ينكر عليهم إذا لم يخرجوا للصلاة إلا إذا علم رجحان خروجهم على مكثهم في بيتهم فإن هناك يتعين عليهم الخروج على الفور فتنبه يا أخي لذلك فإن لكل مؤمن حظا من مقامه صلى الله عليه وسلم. {والله عليم حكيم}
- روى أبو داود مرفوعا: [[الصلاة في جماعة تعدل خمسا وعشرين صلاة فإذا صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة]]
وفي رواية لأبي داود أيضا: [[صلاة الرجل في الفلاة تضعف على صلاته في الجماعة]]
وفي رواية لأبي داود أيضا: [[فإن صلاها بأرض قي فأتم ركوعها وسجودها كتبت له صلاته بخمسين درجة]]
القي بكسر القاف وتشديد الياء: هو الفلاة كما هو مفسر في رواية أخرى لأبي داود
وروى أبو يعلي مرفوعا: [[ما من عبد يقوم بفلاة من الأرض يريد الصلاة إلا تزخرفت له الأرض]]
وفي حديث لأبي داود والنسائي مرفوعا: [[يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية يؤذن ويصلي فيقول الله تعالى: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويصلي يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة]]
والشظية: رأس الجبل. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذا خرجنا لسفر أو لنزهة أو غير ذلك ونزلنا في فلاة من الأرض أن نصلي فيها ولو ركعتين فإن حضر وقت فريضة أذنا لها وأقمنا وصليناها جماعة فإن لم يتيسر صليناها فرادى: فردا فردا. وذهب بعضهم إلى أن صلاة الفرد في الفلاة أفضل من صلاة الجماعة في البلد
قلت: ولعل ما ورد في ذلك إنما هو تشجيع وتقوية عزم لمن لم يجد أحدا يساعده على الجماعة مع ضعف عزمه فما قوى داعيته إلى الصلاة في البرية إلا وعد الشارع له بتضعيف الأجر ولولا ذلك ما وجد عنده داعية كلية إلى الصلاة في البرية أبدا لعدم من يراعيه هناك من الخلق ومن شأن الشارع أن يسوق الناس إلى عبادة ربهم بأمور شتى كل بما يناسب حاله وإلا فصلاة الجماعة لا تعادلها صلاته وحده أبدا من حيث الجماعة وإن فضلها صلاته وحده فإنما هو لما وجد فيها من الإخلاص مثلا دون صلاة الجماعة وعلى ذلك جمهور العلماء رضي الله عنهم فافهم. والله تعالى أعلم
- روى مالك ومسلم واللفظ له مرفوعا: [[من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله]]
وفي رواية لأبي داود مرفوعا: [[من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة]]
وبوب عليه ابن خزيمة في صحيحه باب فضل الصلاة العشاء والفجر في جماعة وبيان أن صلاة الفجر في جماعة أفضل من صلاة العشاء في جماعة وأن فضلها يعني الفجر في جماعة ضعف فضل العشاء في جماعة
وروى الشيخان مرفوعا: [[أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا]]
وفي رواية لمسلم مرفوعا: [[ولو علم أحدهم أنه يجد عظما ثمينا لشهدها]] يعني صلاة العشاء. وروى البزار والطبراني وابن خزيمة في صحيحه عن ابن عمر قال: كنا إذا افتقدنا الرجل في صلاة الفجر والعشاء أسأنا فيه الظن
وروى الطبراني مرفوعا: [[من توضأ ثم أتى المسجد فصلى ركعتين قبل الفجر ثم جلس حتى يصلي الفجر كتبت صلاته يومئذ في صلاة الأبرار وكتب في وفد الرحمن]]
وروى الإمام أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما: [[أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوما الصبح ثم قال أشاهد فلان أشاهد فلان ؟]]
وفيه أن هاتين الصلاتين يعني الصبح والعشاء أثقل الصلوات على المنافقين
وروى ابن ماجه مرفوعا: [[من غدا إلى صلاة الصبح غدا براية الإيمان ومن غدا إلى السوق غدا براية الشيطان]]

وروى مالك أن عمر بن الخطاب قال لرجل بات يصلي فغلبته عيناه على الصبح: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة. والله تعالى أعلم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق