الأربعاء، 14 مايو 2014

لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية الإمام عبد الوهاب الشعراني الجزء 2

لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية الإمام عبد الوهاب الشعراني الجزء 2

قسم المأمورات
- مما رواه الأئمة في الإخلاص مرفوعا قوله صلى الله عليه وسلم: من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له وأقام الصلاة وآتى الزكاة. فارقها والله عنه راض
رواه ابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين
وروى البيهقي مرسلا: أن رجلا قال: يا رسول الله ما الإيمان ؟ قال: الإخلاص قال: فما اليقين ؟ قال: الصدق
وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد: أن معاذ بن جبل قال: يا رسول الله أوصني قال: أخلص نيتك يكفك العمل القليل
وروى البيهقي مرفوعا: طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء. [في جميع النسخ " عظماء " وإنما تم ضبطه هنا " ظلماء " كما ورد في الجامع الصغير في الحديث رقم 5289، وحيث ذكر الشيخ محمود الرنكوسي في درسه أثناء قراءة الكتاب في دار الحديث بدمشق: " المحفوظ ظلماء ".]
وروى البيهقي والبزار مرفوعا: إن الله تبارك وتعالى يقول: أنا خير شريك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فهو لشريكي وأنا بريء يا أيها الناس أخلصوا أعمالكم لله فإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص ولا تقولوا هذا لله ولوجوهكم فإنها لوجوهكم وليس لله منها شيء
وفي رواية لأبي داود وغيره بإسناد جيد مرفوعا: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغى به وجهه
وروى الطبراني مرفوعا: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتغى به وجه الله
وروى البيهقي مرفوعا عن عبادة بن الصامت قال: يجاء بالدنيا يوم القيامة فيقال ميزوا ما كان منها لله تعالى فيمتازوا ويرمي ما عداه في النار
قال الحافظ المنذري: وقد يقال إن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي والاجتهاد فسبيله سبيل المرفوع
وروى الحافظ ورزين العبدري مرفوعا مرسلا: من أخلص لله تعالى أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه
قال الحافظ المنذري ولم أقف لهذا الحديث على إسناد صحيح ولا حسن ولا على ذكره في شيء من الأصول التي جمعها رزين. والله أعلم
[وقال الأستاذ المحدث الشيخ محمود الرنكوسي أثناء قراءة هذا الكتاب أن كلام المنذري لا يعني أن غيره لم يقف على ذلك. وفيما يلي بيان ذلك وأن الحديث ضعيف يعمل به في فضائل الأعمال:
الحديث 8361 من الجامع الصغير: من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه. رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي أيوب. تصحيح السيوطي: ضعيف
الحديث 5271 من كنز العمال: من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه. رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي أيوب
وهذا غير رواية: " من زهد في الدنيا أربعين يوما وأخلص فيها العبادة أجرى الله على لسانه ينابيع الحكمة من قلبه " أورده ابن الجوزي في الموضوعات كما سيأتي
قال في الحديث 6193 في كنز العمال: من زهد في الدنيا أربعين يوما وأخلص فيها العبادة أجرى الله على لسانه ينابيع الحكمة من قلبه. (عد) عن أبي موسى. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال الذهبي في الميزان باطل
وقال في كشف الخفاء تحت رقم 2361:
من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه
رواه أبو نعيم بسند ضعيف عن أبي أيوب
وقال في اللآلئ: رواه أحمد وغيره عن مكحول مرسلا بلفظ من أخلص لله أربعين يوما تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه وروى مسندا من حديث ابن عطية عن ثابت عن أنس بسند فيه يوسف ضعيف لا يحتج به انتهى
ورواه القضاعي عن ابن عباس مرفوعا قال كأنه يريد بذلك من يحضر العشاء والفجر في جماعة قال ومن حضرها أربعين يوما يدرك التكبيرة الأولى كتب الله له براءتين براءة من النار وبراءة من النفاق
ورواه أبو الشيخ في ثواب عن أنس بلفظ: من أدرك التكبيرة الأولى مع الإمام أربعين صباحا كتب الله له - الحديث
وروى ابن الجوزي في الموضوعات عن أبي موسى رفعه: ما من عبد يخلص لله أربعين يوما - الحديث. والمشهور على الألسنة صباحا بدل يوما. وأورده الصغاني بلفظ: من أخلص لله أربعين صباحا نور الله تعالى قلبه وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه. وقال أنه موضوع.
انتهى ما في كشف الخفاء
دار الحديث]
وروى الإمام أحمد والبيهقي مرفوعا: قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان وجعل قلبه سليما ولسانه صادقا ونفسه مطمئنة وخليقته مستقيمة وجعل أذنه مستمعة وعينه ناظرة
وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: [[إنما الأعمال بالنية]] وفي رواية: [[بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه]]
وروى ابن ماجه بإسناد حسن مرفوعا: [[إنما يبعث الناس على نياتهم]] وفي رواية: [[إنما يحشر الناس على نياتهم]]
وروى مسلم مرفوعا: إن الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم
روى الطبراني والبيهقي مرفوعا: إذا كان آخر الزمن صارت أمتي ثلاث فرق: فرقة يعبدون الله خالصا وفرقة يعبدون الله رياء وفرقة يعبدون الله تعالى ليستأكلوا به الناس فيقول الله تعالى للمخلصين اذهبوا بهم إلى الجنة ويقول للآخرين امضوا بهم إلى النار
وروى الحافظ أبو نعيم عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: من رأى نفسه من المخلصين كان من المرائين ومن رأى نفسه من المرائين كان من المخلصين
والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة وسيأتي في أوائل قسم المنهيات نبذة صالحة عما جاء في الرياء وعدم الإخلاص في العمل والعلم فراجعه. والله أعلم
قلت: فقد بان لك أن من لم يخلص في عمله وعلمه فهو من الأخسرين أعمالا ويشهد لذلك أيضا قرائن الأحوال التي جاءت بها الأحاديث في سياقها وجميع ما ورد في فضل العلم والعمل إنما هو في حق المخلصين فيه
فإياك يا أخي والغلط فإن الناقد بصير وقد كثر في هذا الزمان أقوام لا يعملون بعلمهم وإذا نازعهم إنسان في دعواهم في قولهم نحن من أهل العلم استدلوا بما جاء في فضل طلب العلم مطلقه من غير شرط إخلاص فيقال لمثل هؤلاء فأين الآيات والأخبار والآثار الواردة في حق من لم يعمل بعلمه ولم يخلص ؟ فلا تغالط يا أخي وتدعي الإخلاص في علمك وعملك من غير تفتيش فإنه غش
وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول في معنى حديث " إن الله تعالى ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ": هذا الرجل يتعلم العلم رياء وسمعة فيعلم الناس أمور دينهم ويفقههم ويحرسهم وينصر الدين إذا ضعف جانبه ثم يدخله الله تعالى بعد ذلك النار لعدم إخلاصه
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نرجو من فضل ربنا الوفاء وأن نخلص النية لله تعالى في علمنا وعملنا وسائر أحوالنا ونخلص سائر الشوائب حتى من شهود الإخلاص ومن حضور استحقاقنا ثوابا على ذلك وإن خطر لنا طلب ثواب شهدناه من باب المنة والفضل وإن خطر لنا طلب ثواب شهدناه من باب المنة والفضل ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك طريق القوم على يد شيخ صادق متبحر في علوم الشريعة بحيث يقرر مذاهب الأئمة الأربعة وغيرها ويعرف أدلتها ومنازع أقوالها ويقف على أم الكتاب التي يتفرع منها كل قول فيشتغل من يريد الإخلاص في أعماله بذكر الله تعالى حتى ترق حجب بشريته ويدخل حضرة الإنسان التي يعبد الله تعالى فيها كأنه يراه وهناك يشهد العمل كله خلقا لله تعالى ليس للعبد فيه مدخل إلا كونه محلا لبروز ذلك العمل لا غير لأن الأعمال أعراض والأعراض لا تظهر إلا في الجسم وهناك يذهب من العبد الرياء والكبر والعجب وسائر الآفات لأن هذه الآفات إنما تجيء للعبد من شهود كونه فاعلا لذلك العمل مع غفلته عن شهود الخلق له ومعلوم أنه لا يصح الرياء والتكبر والعجب من العبد بعمل غيره أبدا وما رأينا أحدا نام إلى الصباح وأصبح يرائي أو يعجب أو يتكبر بفعل جاره القائم طول الليل أبدا فعلم أن من لم يصل إلى دخول حضرة الإحسان ويشهد أعماله كلها خلقا لله تعالى كشفا ويقينا لا ظنا ولا تخمينا فهو معرض للوقوع في الرياء ولو حفظ ألفي كتاب
فاطلب يا أخي شيخا صادقا إن طلبت الترقي إلى مقام الإخلاص ولا تسأم من طول طلبك له فإنه أعز من الكبريت الأحمر فإنه من أقل شروطه التورع عن أموال الولاة وأن لا يكون له معلوم في بيت المال ولا مسموح ولا هدية من كشف ولا شيخ عرب ولا شيخ بلد بل يرزقه الله تعالى من حيث لا يحتسب ويستخلص له الحلال الصرف من بين فرث الحرام ودم الشبهات وإلا فقد أجمع أشياخ الطريق كلهم على أن من أكل الحرام والشبهات لا يصح له إخلاص في عمل لأنه لا يخلص إلا إن دخل في حضرة الإحسان ولا يدخل حضرة الإحسان إلا المطهر من سائر النجاسات الباطنة والظاهرة لأن مجموع أهل هذه الحضرة أنبياء وملائكة وأولياء وهؤلاء من شروطهم العصمة والحفظ من تناول الحرام والشبهات فكل شيخ لم يصح له الحفظ في نفسه فهو عاجز عن توصيل غيره إلى تلك الحضرة اللهم إلا أن يمن الله تعالى على بعض المريدين بالجذب دون السلوك المعهود فذلك لا مانع منه فعلم أنه يجب على كل طالب علم لم يصل إلى الإخلاص أن يتخذ له شيخا يعلمه طريق الوصول إلى درجة الإخلاص من باب: ما لا يتم الواجب فهو واجب قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}
أي يقيموا الصلاة من العوج كالغفلة عن الله تعالى فيها ويؤتوا الزكاة يعني بلا علة ثواب ولا خوف عقاب بل امتثالا لأمر الله تعالى كالوكيل في مال موكله
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: من أقل درجات الإخلاص أن يكون في أعماله كالدابة المحملة فهي تعبانة من ثقل أحمالها منكسة الرأس لا تعلم بنفاسة ما هي حاملته ولا بخسته ولا تعلم هو لمن ولا إلى أين ينتهي حملها ؟ ولا ترى لها بذلك فضلا على غيرها من الدواب ولا تطلب على حملها أجرا
وسمعته يقول: إذا راءى العبد بعلمه وعمله حبط عمله بنص الكتاب والسنة وإذا حبط عمله فكأنه لم يعمل شيئا قط فكيف يرى نفسه بذلك على الناس مع توعده بعد الإحباط بالعذاب الأليم فلينتبه طالب العلم لمثل ذلك
قلت: وكذلك ينبغي للفقير المنقطع في كهف أو زاوية أن يتفقد نفسه في دعواها الإخلاص والانقطاع إلى الله تعالى فإن رآها تستوحش من ترك تودد الناس إليها وغفلتهم عنها فهو كاذب في دعواه الانقطاع إلى الله تعالى فإن الصادق يفرح إذا غفل عنه الناس ونسوه فلم يفتقدوه بهدية ولا سلام ويفرح إذا انقلب أصحابه كلهم عنه واجتمعوا بشيخ آخر مرشد كما بسطنا الكلام على ذلك في كتاب [عهود المشايخ]. والله أعلم
- روى أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه قال المنذري: وهذا حديث حسن صحيح عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا فقال: أوصيكم بتقوى الله والعمل والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي مجدع الأطراف فإن من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
ومعنى [[عضوا عليها بالنواجذ]] أي اجتهدوا على وجه السنة لا على وجه البدعة والزموا السنة واحرصوا عليها كما يلزم العاض على الشيء بنواجذه خوفا من ذهابه وتفلته والنواجذ: هي الأنياب وقيل هي الأضراس
وروى ابن أبي الدنيا والحاكم وقالا صحيح الإسناد مرفوعا: من أكل طيبا وعمل في سنة وأمن الناس بوائقه دخل الجنة. قالوا: [[يا رسول الله إن هذا اليوم في أمتك كثير ؟]] قال: وسيكون في قوم بعدي. يعني قلائل
وروى البيهقي مرفوعا: من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد
وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد على شرط الشيخين مرفوعا: الاقتصاد في السنة أحسن من الاجتهاد في البدعة
وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قبل الحجر الأسود وقال إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك
وروى ابن ماجه وابن حبان في صحيحيهما عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: [[لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط فبايعناه وإنه لمطلق الأزرار]]. قال عروة بن عبدالله فما رأيت معاوية ولا ابنه قط في شتاء أو صيف إلا مطلق الأزرار وفي رواية إلا مطلقة أزرارهما
وروى ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي عن زيد بن أسلم قال: رأيت ابن عمر يصلي محلولة أزراره فسألته عن ذلك فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله
وروى الإمام أحمد والبزار عن مجاهد وغيره قال: كنا مع ابن عمر في سفر فمر بمكان فحاد عنه فسئل لم فعلت ذلك فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا ففعلته. وقوله حاد: أي تنحى عنه وأخذ يمينا أو شمالا
وروى البزار عن ابن عمر أنه كان يأتي شجرة بين مكة والمدينة فيقيل تحتها ويخبر أن النبي كان يفعل مثل ذلك
وروى الإمام أحمد وغيره أن ابن عمر أناخ راحلته في مكان فقضى حاجته وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى حاجته في ذلك المكان وقال أحببت أن أقضي حاجتي في موضع قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته
قلت: وإنما تبع ابن عمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لأن الكمل يستحيون من الأرض إذا قضوا عليها الحاجة خوفا أن تكون تلك البقعة مشرفة لا تصلح لقضاء الحاجة فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك قال في نفسه لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أن تلك البقعة تصلح لذلك ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك
قال الحافظ: والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في اتباعهم له واقتفائهم سننه كثيرة جدا. والله أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نتبع السنة المحمدية في جميع أقوالنا وأفعالنا وعقائدنا فإن لم نعرف لذلك الأمر دليلا من الكتاب والسنة أو الإجماع أو القياس توقفنا عن العمل به ثم ننظر فإن كان ذلك الأمر قد استحسنه بعض العلماء استأذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ثم فعلناه أدبا مع ذلك العالم وذلك كله خوف الابتداع في الشريعة المطهرة فنكون من جملة الأئمة المضلين وقد شاورته صلى الله عليه وسلم في قول بعضهم: إنه ينبغي أن يقول المصلي في سجود السهو: سبحان من لا ينام ولا يسهو فقال صلى الله عليه وسلم هو حسن ثم لا يخفي أن الاستئذان لرسول الله صلى الله عليه وسلم يكون بحسب المقام الذي فيه العبد حال إرادته الفعل فإن كان من أهل الاجتماع به صلى الله عليه وسلم يقظة ومشافهة كما هو مقام أهل الكشف استأذنه كذلك وإلا استأذنه بالقلب وانتظر ما يحدثه الله تعالى في قلبه من استحسان الفعل أو الترك
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: ليس مراد الأكابر من حثهم على العمل على موافقة الكتاب والسنة إلا مجالسة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر لا غير فإنهم يعلمون أن الحق تعالى لا يجالسهم إلا في عمل شرعه هو ورسوله صلى الله عليه وسلم أما ما ابتدع فلا يجالسهم الحق تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فيه أبدا وإنما يجالسون فيه من ابتدعه من عالم أو جاهل فعلم أنه ليس قصد أهل الله تعالى بعبادتهم حصول ثواب ولا غيره في الآخرة لأنهم في الدارين عبيد والعبد لا يملك شيئا مع سيده في الدنيا والآخرة إنما يأكل ويلبس ويتمتع بمال سيده وسداه ولحمته من نعمته ولو أن الحق تعالى أعطاه شيئا لوجب عليه التبري به إلى ربه ولا يجوز له أن يشهد ملكه له طرفة عين فلهذا المشهد خرجوا في جميع عباداتهم عن العلل النفسية فرضوا عن ربهم رضا مطلقا ورضي عنهم رضا مطلقا: {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}
واعلم يا أخي أن من تحقق بالعمل بهذا العهد صار من رؤوس أهل السنة والجماعة في عصره ومن لم يلقبه بذلك فقد ظلمه ولا أعلم الآن أحدا في مصر تحقق بالعمل بهذا العهد وتقيد في أقواله وأفعاله وعقائده بالكتاب والسنة إلا بعض أفراد من العلماء كالشيخ عبدالرحمن التاجوري المغربي وأضرابه رضي الله عنهم أجمعين
قلت: وقد من الله تعالى علي بالعمل به في بعض أقوالي وأفعالي فكذب والله وافترى من نسبني إلى البدعة المخالفة لجمهور أهل السنة والجماعة فإن هذا ما هو نفس مبتدع اللهم إلا أن يريد الابتداع في شيء من المباحات في الشريعة بحكم العمومات فهذا لا يحرج عليه في ذلك لأن هذا الأمر قل من سلم منه من العلماء فضلا عن غيرهم كما هو مشاهد فاعلم ذلك واحم سمعك وبصرك في حق العلماء ولا تصغ إلى قول حاسد لهم قط إلا إن اجتمعت بأحدهم وفاوضته في الكلام في تلك البدعة فإذا رأيته متخلقا بها وعرفته بأنها بدعة وصمم على العمل بها فهناك حذر الناس منه شفقة عليه وعلى المسلمين حتى لا يقع أحد منهم في إثم لا المبتدع ولا من تبعه وإياك أن تحذر من اتباع أحد من العلماء بقول أحد من حسادهم من غير اجتماع به فربما يكون بريئا مما نسب إليه فيكون عليك إثم قاطع الطريق على المريدين لاتباع الشريعة فإنك حينئذ تحذر من اتباع السنة المحمدية وهذا واقع كثيرا في الأقران في هذا الزمان فترى كل واحد يحذر الناس عن الآخرة وكل منهما يزعم أنه من أهل الطريق السنة والجماعة فيختل الأمر إلى عدم الاقتداء بواحد منهما فالله يحمينا وأصحابنا من مثل ذلك بمنه وكرمه آمين
وكان سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه يقول: لا تكمل عبادة فقير حتى يصير يشاهد الشرع في كل عبادة عملها يعني يعملها بحضرته على الكشف والمشاهدة لا على الإيمان والحجاب ثم قال: فإن قال قائل ما دليلك على ذلك ؟ قلنا له قد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في واقعة من الوقائع فقلت له يا رسول الله ما حقيقة متابعتك في العمل على موافقة شريعتك فقال: هي أن تعمل العمل مع شهودك للشرع حال العمل وبعد العمل
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى الإحاطة بأدلة جميع المذاهب المستعملة والمندرسة وأقوال علمائها حتى لا يكاد يخفى عليه دليل من أدلتهم ولا قول من أقوالهم في مأمور به أو منهي عنه أو مباح ثم بعد ذلك لا بد له من شيخ صالح يسلم إليه نفسه يتصرف فيها بالرياضات والمجاهدات حتى يزيل عنه سائر الصفات المذمومة ويحليه بالصفات المحمودة ليصلح لمجالسة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فإن غالب الناس قد ادعوا مجالسة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مع تلطخهم بالقاذورات المانعة من دخول حضرة الله وحضرة رسوله فازدادوا مقتا وطردا. فاعمل يا أخي على جلاء مرآة قلبك من الصدأ والغبار وعلى تطهرك من سائر الرذائل حتى لا يبقى فيك خصلة واحدة تمنعك من دخول حضرة الله تعالى أو حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أكثرت من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم فربما تصل إلى مقام مشاهدته صلى الله عليه وسلم وهي طريق الشيخ نور الدين الشوني والشيخ أحمد الزواوي والشيخ محمد بن داود المنزلاوي وجماعة من مشايخ اليمن فلا يزال أحدهم يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكثر منها حتى يتطهر من كل الذنوب ويصير يجتمع به يقظة أي وقت شاء ومشافهة ومن لم يحصل له هذا الاجتماع فهو إلى الآن لم يكثر من الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الإكثار مطلوب ليحصل له هذا المقام
وأخبرني الشيخ أحمد الزواوي أنه لم يحصل له الاجتماع بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة حتى واظب الصلاة عليه سنة كاملة يصلي كل يوم وليلة خمسين ألف مرة وكذلك أخبرني الشيخ نور الدين الشوني أنه واظب على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا سنة كل يوم يصلي ثلاثين ألف صلاة
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: لا يكمل عبد في مقام العرفان حتى يصير يجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم أي وقت شاء قال: وممن بلغنا أنه كان يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة ومشافهة من السلف الشيخ أبو مدين شيخ الجماعة والشيخ عبدالرحيم القناوي والشيخ موسى الزولي والشيخ أبو الحسن الشاذلي والشيخ أبو العباس المرسي والشيخ أبو السعود بن أبي العشائر وسيدي إبراهيم المتبولي والشيخ جلال الدين الأسيوطي كان يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واجتمعت به نيفا وسبعين مرة
وأما سيدي إبراهيم المتبولي فلا يحصى اجتماعه به لأنه كان في أحواله كلها ويقول: ليس لي شيخ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الشيخ أبو العباس المرسي يقول: لو احتجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ما عددت نفسي من جملة المؤمنين
واعلم أن مقام مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم عزيزة جدا وقد جاء شخص إلى سيدي علي المرصفي وأنا حاضر فقال: يا سيدي قد وصلت إلى مقام صرت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة أي وقت شئت فقال له: يا ولدي بين العبد وبين هذا المقام مائتا ألف مقام وسبعة وأربعون ألف مقام ومرادنا تتكلم لنا يا ولدي على عشر مقامات منها فما درى ذلك المدعي ما يقول وافتضح فاعلم ذلك. {والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}
- روى مسلم والنسائي وابن ماجه وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه قوم من مضر مجتابي النمار أي لابسي العباء الصوف المخطط فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: [[{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة} إلى قوله {إن الله كان عليكم رقيبا} والآية التي في الحشر {اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد}. تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع تمر من صاع بر حتى قال ولو بشق تمرة]]. قال فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت فتتابع الناس حتى صار كومين من طعام وثياب حتى تهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [[من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء]] الحديث
وفي رواية للإمام أحمد والحاكم وابن ماجه وغيرهم مرفوعا: [[من سن خيرا فاستن به كان له أجره ومثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء]] الحديث
وفي رواية للطبراني مرفوعا: [[من سن حسنة فله أجرها ما عمل بها عامل في حياته وبعد مماته حتى تترك]] الحديث
وروى ابن ماجه والترمذي مرفوعا وقال حديث حسن: [[من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيء ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيء]]
ومعنى لا يرضاها الله ورسوله: أي لا يشهد لها كتاب ولا سنة بالصحة
وروى ابن ماجه والترمذي وغيرهما مرفوعا: [[إن لهذا الخير خزائن ولتلك الخزائن مفاتيح فطوبى لعبد جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر]]. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نكون في أعمال الخير من أهل الرعيل الأول فنبدأ بفعل الخير قبل الناس مسارعة للخير ويستن بنا الناس وذلك كما إذا رأينا إنسانا يسأل الناس ولا أحد يعطيه شيء فنعطيه أمام الناس تحريضا لهم على العطاء ولا نعطيه سرا وكذلك نحرص على أن نقوم من الليل من أول ما يقع التجلي: [[وينادي الحق تعالى هل من سائل فأعطيه سؤله هل من مستغفر فأغفر له هل من مبتلى فأعافيه]]
إلى آخر ما ورد في ذلك من أول الثلث الأخير من الليل في أغلب التجليات التي كان صلى الله عليه وسلم يتهجد وقتها كما أشار إليه قوله تعالى: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه}
وذلك ليتأسى بنا إخواننا وجيراننا فربما قام أحدهم يتهجد حين يرانا فيكتب لنا وله الأجر
ومن هذا الباب أيضا إظهار التصبر على البلايا والمحن في هذا الزمان ليتأسى الناس بنا في الصبر وعدم التسخط فإن رأينا الصبر بلغ حده أظهرنا الضعف حتى يرتفع كما وقع لأيوب عليه السلام فعلم أنه ينبغي لكل عامل أن يستر عمله ما استطاع إلا في محل يقتدي به في فعله وفي كيفيته. والله أعلم
وسمعت سيدي عليا الخواص رضي الله عنه يقول: لا ينبغي إظهار الأعمال إلا للأكابر من العلماء والصالحين الغواصين على دسائس النفوس وأما أمثالنا فربما يظهر الواحد منا أعماله رياء وسمعة وتلبس عليه نفسه وتقول له أنت بحمد الله من المخلصين وإنما تظهر هذه العبادة ليقتدي بك الناس فينبغي لمثل هذا أن يمتحن نفسه بما لو جاء أحد يفعل ذلك الخير وتنقاد الناس له مثله أو أكثر منه فإن انشرح لذلك فهو مخلص وإن انقبض خاطره فهو مراء دق المطرقة ولو أنه كان مخلصا لفرح بذلك أشد الفرح الذي قيض الله تعالى له من كفاه المؤونة [أي كفاه مشقة تعليم هؤلاء] ثم إن قالت له نفسه إنما تشوشت لفوات الخير العظيم الذي كان يحصل لك من حيث هو خير فليقل لها إني معتمد على فضل الله لا على الأعمال فإن دخلت الجنة فإنما هو برحمة الله تعالى لا بعملي فينبغي للعبد أن لا يصغي لدعوى نفسه في الإخلاص وليمتحن الشيخ أو المدرس نفسه بما إذا فرت جماعته كلهم منه إلى شخص من أقرانه وبقي وحده لا يجد أحدا يتمشيخ عليه فإن انشرح لذلك فهو مخلص وإن حصل في نفسه حزازة فالواجب عليه أن يتخذ له شيخا يخرجه من ظلمات الرياء وإلا مات عاصيا وذهب إلى الآخرة صفر اليدين من الخير لأن الله تعالى لم يقبل له عملا
وسمعته أيضا يقول: ينبغي للعامل إذا درس في مثل جامع الأزهر أن يحرر نيته قبل ذلك ولو مكث سنين بلا إقراء حتى يجد له نية صالحة وذلك لغلبة دخول الأكابر الذين تميل النفوس إلى مراآتهم من الأمراء والأغنياء إلى الجامع وكان النووي إذا درس في المدرسة الأشرفية بدمشق يوصي الطلبة أن لا يجيئوا دفعة واحدة خوفا من كبر الحلقة
وكان إذا درس جلس في عطفة المسجد ويقول: إن النفس تستحلي رؤية الناس لها وهي تدرس في صحن المسجد أو صدره
وبلغه يوما وهو يدرس في جامع بني أمية أن الملك الظاهر عازم على الصلاة في الجامع فترك التدريس وحضور المسجد ذلك اليوم. فإياك يا أخي أن تعقد لك مجلس علم أو ذكر الله تعالى أو صلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث يراك الناس إلا أن تكون سالما من هذه العلل والآفات
وقد حضرت مرة الشيخ العالم العامل شمس الدين اللقاني مفتي المالكية بالجامع الأزهر وهو يقول لشيخنا الشيخ نور الدين الشوني شيخ مجلس الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: [[والله يا أخي إني خائف عليك من تصدرك في الجامع في هذا المجلس ليلة الجمعة ويومها والأمراء والأكابر ينظرون إليك ويعتقدونك على ذلك ويقولون شيء لله المدد فربما مالت نفسك إلى حب فرحها بذلك فخسرت الدنيا والآخرة
وسمعته مرة أخرى يقول: إذا فرغ الناس من صلاة الجمعة فاصبر على قراءة سورة الكهف حتى ينفض الناس ثم اشرع في القراءة فإن النفس تستحلي رؤية الناس لها في ذلك المحفل العظيم
فاعلم يا أخي ذلك واعمل به وبهدى هدى الصادقين اقتد والله يتولى هداك
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: [[من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين]]. زاد في رواية: [[إنما يخشى الله من عباده العلماء]]
وروى البزار والطبراني مرفوعا: إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين وألهمه رشده
وروى الطبراني مرفوعا: أفضل العبادات الفقه وأفضل الدين الورع
وروى الطبراني والبزار بإسناد حسن مرفوعا: فضل العلم خير من فضل العبادة وخير دينكم الورع
وروى الطبراني مرفوعا: قليل العلم خير من كثير العبادة وكفى بالمرء فقها إذا عبد الله وكفى بالمرء جهلا إذا عجب برأيه
ورواه البيهقي بإسناد حسن صحيح من قول مطرف بن عبدالله بن الشخير رضي الله عنه
وروى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم مرفوعا: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة. وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه في صحيحه مرفوعا إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر
وروى ابن ماجه وغيره مرفوعا: طلب العلم فريضة على كل مسلم وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب
وروى الطبراني مرفوعا: من جاء أجله وهو يطلب العلم لقي الله ملم يكن بينه وبين النبيين إلا درجة النبوة
وروى ابن ماجه بإسناد حسن عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: [[لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله تعالى خير لك من أن تصلي مائة ركعة ولأن تغدو فتعلم بابا من العلم عملت به أو لم تعمل به خير لك من أن تصلي ألف ركعة]]
وروى الخطيب بإسناد حسن مرفوعا: العلم علمان: علم في القلب فذلك العلم النافع وعلم في اللسان وذلك حجة الله على ابن آدم
وروى الديلمي في مسنده وأبو عبدالرحمن السلمي في الأربعين التي له في التصوف والحكيم الترمذي في نوادر الأصول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [[إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله تعالى فإذا نطقوا به لا ينكره إلا أهل الغرة بالله تعالى]]
والأحاديث في ذلك كثيرة. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن ندمن مطالعة كتب العلم وتعليمه للناس ليلا ونهارا ما عدا العبادات المؤقتة والحوائج الضرورية
ومذهب إمامنا الشافعي رضي الله عنه أن طلب العلم على وجه الإخلاص أفضل من صلاة النافلة. واعلم أن الشارع صلى الله عليه وسلم ما نوع العبادات المتفاضلة في الأجر إلا لعلمه صلى الله عليه وسلم بحصول الملل للعاملين ولو في الأمور الواجبة فإذا حصل الملل فيها انتقلوا إلى واجب آخر أو إلى ذلك الأمر المفضول فإذا حصل الملل منه كذلك انتقلوا لمفضول آخر أو فاضل أو أفضل ما لم يجدوا في نفوسهم مللا فيه فعلم أن سبب تنوع المأمورات إنما هو وجود الملل فيها إذا دامت فلو تصور أن إنسانا لم يمل من الواجبات أو مما هو أفضل لأمره صلى الله عليه وسلم بملازمتها وترك الأمور المفضولة جملة لأنه ما تقرب المتقربون إلى الله تعالى بمثل أداء ما افترضه عليهم ولكن لما كان يحصل لهم من الملل في الواجبات حتى لا يبقى في نفس العامل داعية ولا خشوع ولا لذة بتلك العبادات كان العمل المفضول الذي له فيه داعية ولذة وخشوع أتم وأكمل
وقد كان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقسم الليل ثلاثة أجزاء جزءا ينام فيه وجزءا يطالع الحديث ويستنبط وجزءا يتهجد فيه. وكان يقول: [[لولا مذاكرة الإخوان في العلم والتهجد في الليل ما أحببت البقاء في هذه الدار]]. فعلم أنه لا ينبغي لطالب العلم أن يكب على مطالعة العلم ليلا ونهارا إلا إذا صلحت النية فيه ولم يقم أحد مقامه في بلده أو إقليمه فإن دخل بيته حب رياسة أو طلب دنيا أو قام أحد مقامه في نشر العلم فالاشتغال بكل ما صلحت فيه النية من الطاعات أولى وسيأتي في العهود قريبا أن من جملة العمل بالعلم توبة العبد واستغفاره إذا وقع في معصية فإنه لولا العلم ما عرف أنها معصية ولا تاب منها فتأمل
وقد قال داود الطائي رحمه الله تعالى: طالب العلم كالمحارب فإذا أفنى عمره في تعليم كيفية القتال فمتى يقاتل ؟ فمن عقل العاقل أنه كلما رأى نفسه عملت بكل ما علم واحتاجت للعلم أن يقدمه على سائر الطاعات التي لم يأمره الشارع بتقديمها عليه وكلما رأى نفسه مستغنية عن العلم وعلمها زائد على حاجتها أن يقدم غيره عليه كما كان عليه السلف الصالح فلابد لكل إنسان من العلم والعمل والاشتغال بواحد منهما دون الآخر نقص
واعلم أن جميع ما ورد في فضل العلم وتعليمه إنما هو في حق المخلصين في ذلك فلا تغالط في ذلك فإن الناقد بصير. وقد وقع لنا مع المجادلين نزاع كثير في ذلك فإنا نراهم متكالبين على الدنيا ليلا ونهارا مع دعواهم العلم وتعظيمهم نفوسهم بالعلم والجدال من غير أن يعرجوا على العمل بما علموا ويستدل أحدهم بما ورد في فضل العلم وينسى الأحاديث التي جاءت في ذم من لم يعمل بعلمه جملة واحدة وهذا كله غش للنفس وفي القرآن العظيم: {ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أمن يكون عليهم وكيلا}
فاسلك يا أخي على يد شيخ يخرجك من هذه الرعونات والظلمات والدعاوي وتصير تبكي على تفريطك في الأعمال حتى يصير لك خطان أسودان في وجهك من سيلان الدموع وإن لم تسلك كما ذكرنا فيطول تعبك في الآخرة ويا خسارة تعبك في تحصيلك للدنيا
وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول في معنى حديث: [[إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر]]. ومعناه أن الناس ينتفعون بعلم الفاجر وتعليمه وإفتائه وتدريسه حتى يكون في الصورة كالعلماء العاملين ثم يدخله الله بعد ذلك في النار لعدم إخلاصه كما مر قريبا نسأل الله اللطف فاعلم ذلك والله يتولى هداك
- تقدم حديث مسلم وغيره مرفوعا: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله تعالى له به طريقا إلى الجنة
وروى الترمذي وصححه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد واللفظ لابن ماجه مرفوعا: ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع
وروى الطبراني بإسناد مرفوعا لا بأس به: من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلم كان له كأجر حاج تاما حجه
والأحاديث في ذلك كثيرة. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذا لم نجد أحدا نتعلم منه العلم الشرعي في بلدنا أن نسافر إلى بلد فيها العلم وهي هجرة واجبة علينا إذا لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وهذا العهد قد أخل به كثير من الخلق وماتوا على جهلهم مع أن العلماء في بلدهم وربما كانوا جيرانا لهم. وقد قال العلماء: من صلى جاهلا بكيفية الوضوء والصلاة يعني أو غيرهما لم تصح عبادته وإن وافق الصحة فيها ويؤيده الحديث الصحيح مرفوعا: كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد
فمن صلى ونكح وباع وصام وحج على حسب ما يرى الناس يفعلون فقط فعبادته فاسدة وتأمل من كان عنده شك لما يسأله منكر ونكير عن دينه وعن نبيه صلى الله عليه وسلم فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته كيف يضربانه بمزربة لو ضرب بها جبل لهدم كما ورد تعرف أن الشارع فرض عليك معرفة مراتب العبادات وأنه لا يكفيك أن تتبع الناس على فعلهم من غير معرفة. {والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}
- روى أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه مرفوعا: [[نضر الله امرأ]]. وفي رواية ابن حبان: [[رحم الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع]]
ومعنى نضر الله: الدعاء بالنضارة وهي النعمة والبهجة والحسن تقديره جمله الله وزينه بالأخلاق الحسنة والأعمال المرضية وقيل غير ذلك
وفي رواية للطبراني مرفوعا: [[فربما حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه]]
وفي رواية له أيضا مرفوعا: [[اللهم ارحم خلفائي قالوا يا رسول الله وما خلفاؤك ؟ قال الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي ويعلمونها للناس]]
قال الحافظ عبدالعظيم رحمه الله: وناسخ العلم النافع له أجره وأجر من قرأه أو نسخه أو عمل به من بعده ما بقي خطه والعمل به لحديث مسلم مرفوعا: [[إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به]]. الحديث
قال: وأما ناسخ غير العلم النافع مما يوجب الإثم عليه فعليه وزره ووزر من قرأه أو نسخه أو عمل به من بعده ما بقي خطه والعمل به كما يشهد له الحديث: [[ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها]]
وذلك كعلوم السحر والبراهمة وعلم جابر المبدل ونحوها مما يضر صاحبه في الدنيا والآخرة
وروى الطبراني وغيره مرفوعا: [[من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب]]. والله أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نسمع الناس الحديث ألا كل قليل ونبلغه إلى البلاد التي ليس فيها أحاديث وذلك بكتبنا كتب الحديث وإرسالها إلى بلاد الإسلام
وقد كتبت بحمد الله كتابا جامعا لأدلة المذاهب وأرسلته مع بعض طلبة العلم إلى بلاد التكرور حين أخبروني أن كتب الحديث لا تكاد توجد عندهم إنما عندهم بعض كتب المالكية لا غير وأرسلت نسخة أخرى إلى بلاد المغرب كل ذلك محبة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وعملا على مرضاته صلى الله عليه وسلم
وكان سفيان الثوري وابن عيينة وعبدالله بن سنان يقولون: لو كان أحدنا قاضيا لضربنا بالجريد فقيها لا يتعلم الحديث ومحدثا لا يتعلم الفقه
وفي كتابة الحديث وإسماعه للناس فوائد عظيمة منها عدم اندراس أدلة الشريعة فإن الناس لو جهلوا الأدلة جملة والعياذ بالله تعالى لربما عجزوا عن نصرة شريعتهم عند خصمهم وقولهم: إنا وجدنا آباءنا على ذلك. لا يكفي وماذا يضر الفقيه أن يكون محدثا يعرف أدلة كل باب من أبواب الفقه
ومنها تجديد الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل حديث وكذلك تجديد الترضي والترحم على الصحابة والتابعين من الرواة إلى وقتنا هذا
ومنها وهو أعظمها فائدة الفوز بدعائه صلى الله عليه وسلم لمن بلغ كلامه إلى أمته في قوله: [[نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها]]
ودعاؤه صلى الله عليه وسلم مقبول بلا شك إلا ما استثنى كعدم إجابته صلى الله عليه وسلم في أن الله تعالى لا يجعل بأس أمته فيما بينهم كما ورد
وقوله أداها كما سمعها يفهم أن ذلك الدعاء إنما هو خاص بمن أدى كلامه صلى الله عليه وسلم كما سمعه حرفا بحرف بخلاف من يؤديه بالمعنى فربما لا يصيبه من ذلك الدعاء شيء ومن هنا كره بعضهم نقل الحديث بالمعنى وبعضهم حرمه. {والله غفور رحيم}
روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا يا رسول الله وما رياض الجنة قال: مجالس العلم
قال وفي سنده راو لم يسم
وفي رواية له أيضا عن ابن أمامة مرفوعا أن لقمان عليه السلام قال لابنه: يا بني عليك بمجالسة العلماء واسمع كلام الحكماء فإن الله تعالى ليحي القلب الميت بنو الحكمة كما يحي الأرض الميتة بوابل المطر
قال الحافظ العبدري: ولعل هذا الحديث موقوف
وروى أبو يعلي ورواته رواة الصحيح إلا واحدا عن ابن عباس قال: قيل يا رسول الله أي جلسائنا خير: قال من ذكركم الله رؤيته وزاد في علمكم منطقه وذكركم بالآخرة علمه. والله تعالى أعلم
- (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن لا نخلي نفوسنا من مجالسة العلماء ولو كنا علماء فربما أعطاهم الله من العلم ما لم يعطنا وهذا العهد يخل بالعمل به كثير من الفقهاء والصوفية فيدعون أن عندهم من العلم ما عند جميع الناس بل سمعت بعضهم يقول لما لمته على عدم التردد للعلماء والله لو علمت أن أحدا في مصر عنده علم زائد على ما عندي لخدمت نعاله ولكن بحمد الله تعالى قد أعطانا الله تعالى من العلم ما أغنانا به عن الناس وهذا كله جهل بنص الشارع كما سيأتي في قوله صلى الله عليه وسلم: من قال إني عالم فهو جاهل
وفي قصة موسى مع الخضر عليهما السلام كفاية لكل معتبر. فاجتمع يا أخي في كل قليل على العلماء واغتنم فوائدهم ولا تكن من الغافلين عنهم فتحرم بركة أهل عصرك كلهم لكونك رأيت نفسك أعلى منهم أو مساويا لهم فإن الإمدادات الإلهية من علم أو غيره حكمها حكم الماء والماء لا يجري إلا في السفليات فمن رأى نفسه أعلى من أقرانه لم يصعد له منهم مدد ومن رأى نفسه مساويا لهم فمددهم واقف عنه كالحوضين المتساويين فما بقي الخير كله إلا في شهود العبد أنه دون كل جليس من المسلمين لينحدر له المدد منهم كما أوضحنا ذلك في أول عهود المشايخ. {والله عليم حكيم}
- روى البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين في قتلى أحد يعني في القبر ثم يقول أيهما أكثر أخذا للقرآن فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد
قلت: ومعنى كونه أكثر أخذا للقرآن أي أكثر عملا به من قيام ليل واجتناب نهى ونحو ذلك
وروى الطبراني والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم مرفوعا: البركة مع أكابركم
وروى الإمام أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه مرفوعا: ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير
وفي رواية للإمام أحمد والطبراني والحاكم مرفوعا: ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه. وفي رواية: ويعرف شرف كبيرنا
وروى الطبراني مرفوعا: تواضعوا لمن تعلمون منه
وروى الطبراني أيضا مرفوعا: ثلاثة لا يستخف بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام وذو العلم والإمام المقسط. الحديث
وروى الإمام أحمد والطبراني بإسناد حسن عن عبدالله بن بشر قال: سمعت حديثا منذ زمان: [[إذا كنت في قوم عشرون رجلا أو أقل أو أكثر فتصفحت وجوههم فلم تر فيهم رجلا يهاب في الله تعالى فاعلم أن الأمر قد رق]]
وروى الطبراني مرفوعا: لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خصال فذكر منها وأن يروا ذا علم فيضيعونه ولا يسألون عليه

والله سبحانه وتعالى أعلم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق